آصرة لا تقبل الانفكاك
آصرة لا تقبل الانفكاك
● مقالات رأي ٥ مارس ٢٠١٧

آصرة لا تقبل الانفكاك

ليس هناك من آصرة بين شعبين تعادل، في قوتها وحضورها، الآصرة التي تشد الشعبين الفلسطيني والسوري، أحدهما إلى الآخر. وليس هناك أي تاريخ آخر يجمع مواطني دولتين أشد تشابكاً وتداخلا من التاريخ الفلسطيني/ السوري، القديم منه والحديث.
هذا يعيه أعداء شعبينا من الصهاينة في فلسطين المحتلة إلى واشنطن إلى صهاينة دمشق/ طهران، الذين يتابعون لحظياً علاقة الشعبين التكاملية والجدلية، ويستميتون لإفشال نضالهما في سبيل هدفهما المشترك: الحرية. عندما ظهرت حركة فتح والمقاومة الفلسطينية واجهها عسكر طائفي، سوري وصهيوني إسرائيلي، ركّز الأول جهوده على تشويه سمعتها وتخويف السوريين من التفاعل الإيجابي معها، وعملوا للوقيعة بينهم وبين الفلسطينيين السوريين، فأصدرت وزارة داخلية الأسد تعميماتٍ متكرّرةً، طالبت فيها الأمن السياسي والشرطة بعزو كل جريمةٍ تقع في سورية إلى الفلسطينيين، وشنت مخابراته حملات قمع متعاقبة ضدهم، قوّضت مقاومتهم ضد الاحتلال من الأراضي السورية، واخترقتهم بواسطة تنظيماتٍ تجسّست عليهم أكثر مما قاتلت عدوهم، واعتقلت أو صفّت، في أحيان كثيرة، من حاولوا من مقاتلي التنظيمات الأخرى الدخول إلى الجولان. أما التبرير الذي سوّغت الأسدية سياساتها به، فاستند إلى ذريعتين مسمومتين، تقول أولاهما إن الفلسطينيين يوجّهون ضرباتٍ إلى العدو تشبه الوخز بالدبابيس، يردّ عليها بحملاتٍ موجعة، تضعف سورية واستعداداتها ليوم التحرير، فهي ضرباتٌ مشبوهة، إن لم تكن خيانية ومتفقاً عليها مع إسرائيل. وتقول ثانيتهما إن سورية قلعة المواجهة الوحيدة، فلا يحق لأي فلسطيني القيام بأي نشاط ضد اسرائيل، من دون موافقة قيادتها وإشرافها.

بالذريعتين، عمل الأسد لاحتواء ثورة فلسطين، وطالب أحد قادة "فتح" بالتحول إلى كتيبةٍ في قسم الاستطلاع التابع لجيشه، وحين تم تذكيره بطابع المقاومة الوطني، ردّ بجلافةٍ: نحن أرباب الوطنية، ونحن من سيحرّر فلسطين، بينما تعوق مقاومتكم العبثية انطلاقة التحرير وتخدم العدو.

رأى النظام الأسدي في نضال فلسطين الوطني تحديا له، قصده كشف تخاذله أمام العدو، فاعتبره موجها ضده في الداخل السوري، وإن لم يقم بعملياتٍ عسكرية فيه، ووضع له سقفا منخفضا يكتم أنفاسه، ويمنع تصاعده، ورأى في خفضه المتواصل نجاحا يريحه، فأربكه وأنهكه، وألب بقادته بعضهم ضد بعضٍ، وزايد على قوته الرئيسة "فتح ومنظمة التحرير"، وسعى إلى عزلها عربيا ودوليا، وللتشكيك بقدرتها على مواجهة العدو، بحجة أنها "حركة يمينية". وقد بلغت حماسته لإحراق " فتح" حدا جعله يكلف "يساريين" لبنانيين وعربا بتحريض البلدان الاشتراكية عليها، واتهامها بالعمالة، إنها ضد التدخل السوري في لبنان، مع أن هدفه إسرائيل (دخل الأسد باتفاق مع وزير خارجية أميركا، هنري كيسنجر، الذي وعده بحل في الجولان، إذا ضرب منظمة التحرير وأخرجها من لبنان)!.

واليوم، تبدو العلاقة التكاملية/ الجدلية بين نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني وثورة الشعب السوري ضد احتلاله أسديا واضحة كعين الشمس. صحيح أن السلطة الوطنية و"حماس" ليستا طرفا مباشرا في الصراع السوري، إلا أن إسرائيل واثقة من أن انتصار سورية سيقيم بيئة استراتيجية لن تترك لها أي خيار غير وقف الاستيطان والانصياع لحل الدولتين، وستواجهها بتحديات يصعب تجاوزها بالوسائل والسياسات التي هزمت، بمعونتها، نظم العرب عامة، والأسدي منها خصوصا. لذلك، واستباقا للأخطار، عليها تسهيل عمل الحشد الإيراني/ الارتزاقي/ الروسي الذي يساعد النظام على ضرب الثورة من جهة، وتسريع الاستيطان من جهة أخرى، والدفاع عن الأسد شخصيا في أميركا وبلدان الغرب، باعتباره حليفاً ضد عدو مشترك، لا يتردد في فعل أي شيء من شأنه تدمير وجود المجتمع الفلسطيني/ السوري وبعثرته في أصقاع العالم، اعترافا بجميل إسرائيل.

يعلم الصهاينة أن انتصار السوريين سيزيل نظاماً طائفياً خدمهم كما لن يخدم أحدا غيرهم، حكم أقلية طوائفية بأغلبية وطنية/ شعبية، اعتماداً على مؤسسة عسكرية/ أمنية، لا عمل لها غير إذلال السوريين، ومعاملتهم مخلوقاتٍ من درجة دنيا، لا يجوز أن يحكموا إلا بالعنف. هذا التداخل الوظيفي بين صهاينة دمشق وتل أبيب يغدو انتصار الثورة خطا أسديا/ إسرائيليا أحمر، لن يسمحا لها بتجاوزه، بما أنهما محكومان بآليةٍ تجعل انتصار فلسطين انتصارا لسورية، وانتصار سورية إنجازا حاسما لفلسطين، بينما رجحان كفة الأسدية انتصار للصهاينة، وخسارة جسيمة لفلسطين وشعبها.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: ميشيل كيلو
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ