إمبراطورية علي يونسي
إمبراطورية علي يونسي
● مقالات رأي ١٦ مارس ٢٠١٥

إمبراطورية علي يونسي

هذه المرة، لا بد من التعاطي بشكل مسؤول ومباشر مع السؤال الذي وضعه النائب الأردني، خليل عطية، على طاولة رئيس مجلس النواب، ليطيّره بدوره إلى رئيس الوزراء، فالأمر يتعلّق بخطر الوجود الإيراني العسكري على الحدود الشمالية للمملكة، في جنوب سورية، وكذا الحدود الشرقية مع العراق.
وقبل سؤال النائب الأردني، برزت ملايين الأسئلة المكتومة، من اليمن الذي أسقط الحوثيون، حلفاء إيران، سلطته الشرعية، أو كادوا، إلى البحرين التي تشهد شغباً بنكهة طائفية، لا تخفى يد إيران في بعثها وإذكاء نارها، إلى العراق المحتل الإرادة، والذي يئن تحت وطأة داعش والمليشيات التي تتخذ من الحرب ذريعة لإطباق سيطرتها الطائفية على البلاد. وأخيراً سورية ولبنان، واسطة العقد، وبوابة الخليج من جهة الأردن.
ومع تفهمي وإدراكي بأن خطاب مستشار الرئيس الإيراني، علي يونسي، مُعدٌّ للاستهلاك  المحلي، كما دأب مسؤولو "دول الممانعة" دائماً، على إظهار عظمة انتصاراتهم وحشد أكبر عدد ممكن من الأعداء المفترضين، إلا أن جانباً منه يؤخذ على محمل الجدّ، بدليل ما قد حدث واقعياً على الأرض، فهو عندما يقول: "سنقف بوجه التطرف الإسلامي والتكفير والإلحاد والعثمانيين الجدد والوهابيين والغرب والصهيونية"، لا نرى كلاماً جاداً يستحق، ولو حتى التفاتة إليه، وحينما يصرّح أن "إيران اليوم أصبحت إمبراطورية، كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي"، فهذا ما يجب الوقوف عنده، بحكم أنه شبه كائن، يمكن تلمّسه وتحسّسه، في كل ما يجري على الأرض.
الخَطْبُ الفارق والمفصلي في تاريخ المنطقة، استدعى خروج نائب الرئيس العراقي، أسامة النجيفي، عن صمته متّهماً الحكومة العراقية بـ"الإحجام عن تسليح السنّة"، لتحرير مناطقهم من تنظيم داعش، بعكس فصائل الحشد الشعبي (الشيعية)، والتي يُعدُّ نائب الرئيس الآخر، نوري المالكي، أشد الداعمين لها، وهو الذي أرسى دعائم سلطة إيران، ومكّنها في أثناء حكمه من استعادة أمجادها المزعومة في عاصمة الرشيد.
ولا تبدو إيران، هذه المرة، متحرّجةً من إعلان نياتها الإمبراطورية، فالجنرال قاسم سليماني يقود عسكره، ويجول بهم في طول العراق وسورية، على عين العالم وسمعه، وكذلك لا تتحرج الولايات المتحدة من إظهار نفسها بمظهر العارف والساكت، فرئيس أركان الجيوش الأميركية، الجنرال مارتن ديمبسي، وصف التدخل العسكري الإيراني في العراق بأنه "الأكثر وضوحاً في العراق منذ عام 2004".
إذن، لا غموض، ولا سوء فهم أو ترجمة، ولا أقنعة، اللعبة صارت فوق الطاولة، أو في مسرح مكشوف، لا يملك المتفرجون عليه إلا الفرجة والتأسّي لما ستؤول إليه المصائر.
وهكذا يكون الحال، عندما تبرم الدول صانعة القرار صفقاتها، يرسمون بقلم رصاص لا يساوي سنتاً، خطوطاً طولانية وعرضية، تصبح في ما بعد، بعد إزهاق آلاف الأرواح وتقتيل وتجهيل أمم بأسرها، تصبح حدوداً نقدسها ونذود عنها بأرواحنا.
ولكي لا يرى أحد منّا نفسه بريئاً، أو خارج سياقات اللعبة، ولكي لا يرمي غيره بالتهم وينسلَّ إلى زاوية بعيدة في المهجر، لا بد، في هذه المرحلة، من محاكمة ذواتنا وتحميلها مسؤولياتها تجاه أوطان وتاريخ وقيم ومستقبل، إما نكون فيه أو لا يكون لنا.. فالثورة السورية، فيما وصلت إليه فصائلها وساستها ومعارضتها والمحسوبون عليها، من اقتتال وتشرذم وتداعٍ على مصالح ذاتية وحزبية، وفي حال عدم إنجاز وعدها ومهمتها التي نهضت من أجلها، في تحقيق الحرية والكرامة الوطنية والإنسانية، تكون قد سرّعت، ولو من غير قصد، من خطوات إيران الساعية إلى إحكام سيطرتها على البلاد.
وعندما تتجه عيون ملايين السوريين إلى ما وراء البحار، ونرى في إعادة التوطين حلماً، وفي الحصول على جواز سفر أوروبي، أو تركي، سفينة نجاة، فأغلب الظن أن ملايين الإيرانيين تتجه أنظارهم إلى سورية، ليُعاد توطينهم فيها، ويحصلوا على جوازات سفرنا وأرقام هوياتنا ودفاترعائلاتنا.
فهل يتحقق الوهم الإيراني على حساب الحلم السوري؟ سؤال معلّق على باب السنة الخامسة للثورة/ الحلم.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: ياسر الأطرش
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ