الاغتيالات: فصل في الحرب السورية
الاغتيالات: فصل في الحرب السورية
● مقالات رأي ١٥ مايو ٢٠١٨

الاغتيالات: فصل في الحرب السورية

طوال الأشهر الأخيرة، تتكرر كل يوم تقريباً الأخبار والتقارير عن اغتيالات تتم ضد قيادات وكوادر سياسية ومدنية وعسكرية في سوريا. ولا تنحصر عمليات الاغتيال في منطقة واحدة، بل هي حاضرة في كل المناطق، لا سيما الثلاث الخارجة عن سيطرة قوات الأسد وحلفائه، شاملة منطقة الشمال التي تضم أريافاً من حلب وحماه وحمص إضافة إلى إدلب وريفها، حيث تسيطر «هيئة تحرير الشام - النصرة» و«جبهة تحرير سوريا» وجماعات محسوبة على بقايا «الجيش السوري الحر»، كما تتواصل الاغتيالات في مناطق الشمال والشرق السوريين الواقعة تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» التي تقودها ميليشيات «حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي»، فيما تستمر الاغتيالات في منطقة الجنوب السوري، خصوصاً في درعا وأجزاء من القنيطرة، والتي تسيطر عليها تشكيلات محسوبة على «الجيش الحر»، وتشكيلات مسلحة محلية محسوبة على «داعش» و«هيئة تحرير الشام».

وظاهرة الاغتيالات في سوريا ليست جديدة؛ إذ صاحبت انطلاق ثورة السوريين ضد نظام الأسد، ولجأت أجهزة أمن النظام مباشرة أو عبر أدوات أخرى وحلفائها إلى عمليات اغتيال ناشطين وقادة ميدانيين في إطار مواجهتها حراك السوريين ضد النظام مدنياً وسياسياً، ولعل أشهر عمليات الاغتيال، التي تمت في بداية الثورة، عملية اغتيال مشعل تمو أواخر عام 2011، على يد أعضاء من «حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي» وثيق الصلة بأجهزة أمن نظام الأسد، وبين كبرى عمليات الاغتيال ما أصاب قادة «حركة أحرار الشام» في اجتماعهم ببلدة رام حمدان في 2014، حيث قتل عشرات من قيادات وكوادر الحركة بينهم حسان عبود زعيم الحركة، كم اغتيل زهران علوش قائد «جيش الإسلام» في غوطة دمشق الشرقية، والشيخ وحيد البلعوس أبرز رجال الدين في السويداء في عام 2015، واغتيل أبو جعفر الحمصي قائد «لواء شهداء الإسلام» بعد خروجه ومقاتليه إلى إدلب أواخر عام 2016.

وإذا كانت عمليات الاغتيال ليست جديدة، فإنها شهدت نمواً متسارعاً بعد سقوط حلب في عام 2016، ثم توسعت أكثر بعد الحرب على غوطة دمشق الشرقية في أبريل (نيسان) 2018، وتم فيها التركيز على القيادات المحلية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في مناطق الجزيرة وإدلب وحوران، فتم اغتيال مئات من القيادات والكوادر المحلية في التشكيلات المسلحة أو الناشطين السياسيين ومن المدنيين العاملين في الإغاثة والإعلام.

وكان من نتائج موجة الاغتيالات أن تركت بصماتها على المدنيين في مناطق وقوعها، فخلفت في أوساطهم قتلى وجرحى، وتدميراً لممتلكاتهم وقدراتهم المتواضعة، ونشرت رعباً وخوفاً، تسبب في نزوح عشرات الآلاف إلى مناطق أخرى، وعززت الفلتان الأمني في مناطق وقوعها.

وساعدت البيئة العامة السائدة في سوريا على استمرار ظاهرة الاغتيالات نتيجة التدخلات الإقليمية والدولية، وبفعل انتشار السلاح والمسلحين الملثمين والاختراقات الأمنية، وصراع الجماعات المختلفة وسط تناقض الأهداف والمصالح وحالة الفوضى السائدة، بل إن هذه البيئة، تساعد في تكريس الاغتيالات وتوسيعها.

ويقف نظام الأسد وحلفاؤه في مقدمة المستفيدين من حرب الاغتيالات، لأنها تضرب خصوصاً في المناطق الخارجة عن سيطرتهم، وتساهم في انهيارها، تمهيداً لاجتياحها وفق إعلانات النظام وحلفائه، خصوصاً في ضوء استهدافها قيادات وكوادر المعارضة أو المحسوبين عليها من فاعلين سياسيين وعسكريين ونشطاء مدنيين وإعلاميين، كما تتضمن قائمة المستفيدين من الاغتيالات مجموعة من التشكيلات والجماعات المسلحة المتنافسة والمتصارعة في إطار الصراعات الداخلية والبينية، والتي يهدف كل منها إلى إضعاف الآخرين عبر إبعاد قادة وكوادر التنظيمات الأخرى عن طريقه بتغييبهم أو إخراجهم من دائرة التأثير والفاعلية في الواقع والصراعات الدائرة فيه.

وطبقاً لدائرة المستفيدين، فإن الاتهامات توجه مباشرة إلى أجهزة النظام وحلفائه والخلايا النائمة لجماعات التطرف والإرهاب، خصوصاً «داعش» و«النصرة»، وهو ما أكدته تصريحات علنية لقادة سياسيين وميدانيين في تشكيلات المعارضة، خصوصاً في ظل حقيقتين؛ أولاهما الهدف الأمني والسياسي الذي يزيد ضعف تلك المناطق على مستوى تشكيلاتها المختلفة وعلى مستوى سكانها من المدنيين. والثانية أن الاغتيالات تتم بطريقة استخباراتية وخبرات عالية، تمنع غالباً الوصول إلى القائمين بها، وينفذها مجهولون، ودون إعلان أحد مسؤوليته عنها.

خلاصة الأمر في الاغتيالات أنها فصل من فصول الحرب الدائرة في سوريا، وهي تتجاوز ذلك في أنها تمهد لفصول أخرى أشد اتساعاً من حرب لم يعد لها هدف سوى استمرار قتل السوريين، وتدمير ما تبقى من قدراتهم البشرية والمادية.

المصدر: الشرق الأوسط الكاتب: فايز سارة
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ