الثورة في السبع العجاف
الثورة في السبع العجاف
● مقالات رأي ٥ مارس ٢٠١٨

الثورة في السبع العجاف

سبعة أعوام عجاف مرّت من عمر الثورة السورية، لم يكن للسوريين البسطاء لحظة اندلاعها أي مؤنة سابقة من التجارب السّمان لتعينهم على اجتيازها بسلام وصد المشاريع الدخيلة، تعمّد خلالها بعض مدّعي الصداقة للثورة بالاشتراك مع أعداءها على إهدار طاقاتها، وأكلت سِباع المشاريع الخارجية المتوحشة جلّ حصادها، وتلاشت الحرية شيئاً فشيئاً أمام المطالبين بها، وتعسّر إسقاط نظام الأسد، وتبعثرت المحاولات في إقامة دولة العدل والحرية.

ما إن بدأ الربيع العربي حتى سارع السوريون بالانضمام إليه في آذار 2011م، ومع خروج الجماهير إلى الساحات للمطالبة بالحرية وإسقاط النظام، حدثت -بفضل الله- انشقاقات كبيرة في معظم مؤسسات النظام المدنية والعسكرية، والتحق العديد منهم للعمل في الثورة إلا أن التهميش الثوري أهدر طاقات المنشقين، ولم تستثمر كما يجب.

وغادر آخرون إلى البلدان المجاورة فراراً من التجنيد مع المليشيات الأجنبية التي بدأ النظام بإدخالها لتساند عصاباته، وبين الفارين والمهمشين لم تستطع الفعاليات والتنسيقيات ومؤسسات الثورة الوليدة احتضان الطاقات للاستعانة بهم بإنشاء كيان متكامل لتشكيل بادرة دولة كبديل عن النظام في المناطق المحررة.


إعلام الثورة وهتك الستر..
سبع أعوام مضت والسوريون يصدرون مأساتهم معلبة بتطبيقات التكنولوجيا الحديثة، موثقة بالصوت والصورة، حتى ملأت رفوف وسائل التواصل الاجتماعي وأصبحت المعلومات والأخبار مباحة للجميع، ولم تعد الحقيقة غائبة عن أحد إلا أن النتائج كانت سلبية ولم تأت بنتيجة تفيد السوريين في حربهم، سوى بعض السلل الإغاثية التي لا تقدّم حلاً ولا توقف قتلاً.

بل استخدمت تلك الصور للشحن الجماهيري وإماتة الحس لدى البعض بتحول مآسينا إلى أرقام تتزايد أو تتناقص يرتفع معها الشجب والاستنكار، أما الشباب المندفع المتأثر بتلك المشاهد فزجّ به في تنظيمات أعدت خصيصاً لإقحامها في بؤر الصراع وتحويل الربيع العربي لمناطق توحش ترعب العالم وتهدد أمن المجتمع الدولي.

رفعت تلك التنظيمات رايات وشعارات براقة وعناوين عريضة مثل "الموت لأمريكا" أو "تحرير القدس" ملتحفة ببركة أرض "الشام" لتغذية الشباب واستقطاب المقاتلين الراغبين في الجهاد من شتى الدول لخلط الأوراق ودس العملاء في صفوف المهاجرين.

لكن الكارثة الحقيقية التي واجهت الثورة أن المشاريع التي انبثقت عن المناهج، لم تكن تنتمي لمشرب واحد يجمع الشباب المتحرر من ظلم النظام، ويوجه له الضربة القاضية في ساعة الصفر التي طال انتظارها ولم تأت بعد!

بل كانت المناهج متقلبة متصارعة تعتمد وتدور في الغالب حول فكر شخص "الشرعي" الذي قد يختلف كثيراً مع رفاق دربه في النوازل وتحديد الأولويات، فتتفاوت في الطرح والحكم على الحوادث المتسارعة التي تحتاج لجمهور من العلماء للبتّ فيها، وبين أخذ ورد وجائز ومنهي عنه تجدها تفتك بشباب المنطقة المحررة تحت تهم منها الفساد والردة والتبعية والخيانة والبغي والغدر. والتي دفعت المُتَهم لدفع الموت أو الأسر عن نفسه بتوجيه تهماً مقنّعة لخصومه كالتطرف والإرهاب والعمالة مما يؤدي لغرق المنطقة بمستنقع من الدماء وحرب تقطف أزهار شبابها وتزيحهم من واجهة المقاومة الحقيقية، وتحيدهم عن الثورة الحقيقية، مما يسهل للعدو لتطبيق استراتيجياتها بسهولة ويمهد الطريق لدول معادية ذات مصالح للوصول إلى منابع الثروات من نفط وغاز وفوسفات.  وتسلم المنطقة مؤقّتاً لإيران العدو القديم للمنطقة، فكانت إيران المستفيدة والمتمددة على حساب تلك الصراعات والانسحابات، التي كانت ولا تزال ترفع شعار "الموت لأمريكا" مع تنفيذ مصالحها لتلحق سوريا بأخواتها من أفغانستان والصومال والجزائر والعراق كأكثر الدول فشلاً في العالم وأكثر الدول استنزافاً للثروات.

تطبيق الحلول الخارجية التي تفرضها دول العالم الكبرى ذات المصالح المتعددة جاء بسبب وقوع البلاد تحت ظلام الجهل لقرون مضت لدولٍ تتغنى بالديمقراطية والحرية تحت حكم جبريِّ ولن يغير الصورة في المشهد سوى الوعي بتلك المشاريع وخطرها والحذر منها، والاستجابة لصوت العقل بالكف عن الانخراط الأعمى في تلك المشاريع، والالتفاف حول مشروع واحد يحافظ على ما تبقى لنا.

الكاتب: حليم العربي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ