الربيع العربي في طهران
الربيع العربي في طهران
● مقالات رأي ١٠ يناير ٢٠١٨

الربيع العربي في طهران

غير الإيرانيون المنطقة والعالم أيضاً منذ 1979، وربما كان «الربيع العربي» في 2011 من متواليات الثورة الإيرانية، وها هو «الربيع» يستأنف في إيران كما بدأ قبل قرابة أربعين سنة. كانت الثورة استحضاراً للدين في الصراع وتبدو الثورة اليوم لأجل الاستقلال بين الدين والسلطة، وكان الدين على مدى التاريخ مورداً سلطوياً، ثم انتزعه الثوار والمهمشون والمستضعفون لمواجهة السلطات والمتسلطين، ثم تحول اليوم إلى جوهرة ساخنة جداً لا يستطيع أحد الاحتفاظ بها ولا يريد أحد أن يتخلى عنها.

كان تديين الصراع يمنح السلطات قدرة على الهيمنة ويحرم الإصلاحيين من فرص توظيف اللحظة لأجل تغيير العلاقات المحركة الفرصَ وتوزيعها في المجتمع والدولة. ففي ظل هذه الحروب الدينية، تهيمن القلة الاحتكارية على إدارة البلاد ومواردها، وتمنحها المؤسسة الدينية فرصة الإدارة للموارد بعيداً من قواعدها الأساسية. لكن اللعبة تغيرت وصار تديين الصراع يعمل لمصلحة المتمردين والمهمشين والمعارضين.

لا تريد النخب الاعتراف بأن الأزمة الحقيقية مردها إلى الهيمنة والاحتكار والامتيازات وتفضل بدلاً من ذلك أن تشغل الناس بصراعات دينية ومذهبية وطائفية. لكن الفئات المهمشة والمحرومة وجدت أنها لن تخسر شيئاً طالما أنها خسرت كل شيء تقريباً، وتخوض هذه الحرب اليائسة متحالفة مع المتشددين الدينيين الذين هم أيضاً يمضون في طريق واحد لا خيار فيه سوى الموت. وحتى تأتي اللحظة التي تحتكم فيها الدول والمجتمعات إلى العدالة الاجتماعية وعدالة التوزيع، فستجد أنها خسرت كثيراً بلا فائدة ولا معنى.

لكن، يبدو أن الإيرانيين يغيرون المعادلة مرة أخرى، فكما انتزعوا الدين من السلطة وجعلوه إلى جانب المهمشين، يبدو أنهم يريدون اليوم أن يجعلوه محايداً ليس بيد أحد، وكان آية الله حسين منتظري يعتقد أن هذا هو هدف الثورة عندما نجحت في 1979، وكان يظن أن موقعه المتقدم في قيادة الثورة يمكنه من تحدي النظام الديني، لكنه مضى في تفكيك السلطة الدينية السياسية/ ولاية الفقيه أبعد مما يعززه، أو إلى الحد الذي يضر بها، فعزل ووضع تحت الإقامة الجبرية، عزله الناس الذين يريد أن يحررهم من الهيمنة لكنهم يريدون أن يروه معصوماً أو شبه معصوم. عصمة الإمام وولاية الفقيه وسلطة الفتوى والتحريم والدور الديني للدولة ومعاقبة العصاة والمرتدين صناعة مؤسسية للسلطة ولا يستطيع نقضها أو الإضرار بها حتى الإمام المعصوم نفسه و/ أو الولي الفقيه، كما المفتي وقاضي القضاة، ويطبقها الحاكم بالتزام عميق حتى لو لم يكن مؤمناً بها و/ أو لا يفهم الدين ولا يطبق منه شيئاً. ويتسلى اليوم مثقفون بشتم الجماعات الدينية، متوهمين أن استبعادها ينهي الدولة الدينية، الجماعات ليست بريئة بالطبع، لكنها شريك صغير ليست أكثر من شراكة بائعي الموبايلات في عالم الاتصالات وصناعتها وتجارتها وخدماتها.

ربما تفشل حركة الإيرانيين للتحرر من الهيمنة الدينية السياسية كما فشلت عام 2009، لكنها تعكس على نحو واضح الأزمة الكبيرة والعميقة في عالم الإسلام اليوم، إذ لا بديل للطغيان سواء كان حكماً فردياً أو دينياً سوى الفوضى أو مجتمعات قادرة على تنظيم ذاتها، وهو ما يبدو أصعب من الثورة نفسها، فهذا التنظيم المدني لا يتشكل في فترة قصيرة ولا تنتجه الثورات للأسف الشديد، ولا مجال سوى تسويات معقدة تبدأ بالاعتراف بالتغيير والتأثير المتبادل والمشاركة في الفرص والموارد، وصولاً إلى عقد اجتماعي يجعل من الحريات مورداً منظماً العلاقات والسلطات، ومصدراً للفهم والنظر في المسائل والتحديات، لكن التجارب والنيات السيئة التي أحاطت بجميع المحاولات والتسويات السابقة تظل تدفع بالصراع والجدال نحو الهاوية!

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: إبراهيم غرايبة
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ