المساءلة وحماية المدنيين وحدهما يجعلان الحل السياسي في سوريا ممكنًا
المساءلة وحماية المدنيين وحدهما يجعلان الحل السياسي في سوريا ممكنًا
● مقالات رأي ٥ يناير ٢٠١٦

المساءلة وحماية المدنيين وحدهما يجعلان الحل السياسي في سوريا ممكنًا

جددت محادثات فيينا أواخر العام الماضي روح التفاؤل الدولي حول إمكانية إنهاء النزاع السوري. أما بالنسبة للسوريين فهناك عديد من الأسباب المشروعة للبقاء حذرين؛ وسنبقى كذلك إلى حين معالجة ثلاث قضايا رئيسية. أولاها الحاجة الملحة إلى ضمان حماية المدنيين؛ والثانية مصير بشار الأسد المسؤول عن هذا النزاع الدموي، وعن مقتل أكثر من 300 ألف شخص، والعقبة الأساسية أمام الحل السياسي؛ والثالثة هي مساءلة مرتكبي جرائم الحرب. إن مفتاح الحل السياسي هو الوضوح والالتزام الحقيقي بهذه القضايا الجوهرية. إلا أن هذه القضايا أُغفلت بشكل كبير خلال محادثات فيينا في ظل غياب المشاركة السورية عنها حتى الآن.

بالنسبة للسوريين٬ فإنإنهاء النزاع على الأرض يعني وقف قتل المدنيين، الذين يقضي معظمهم جراء القصف الجوي العشوائي من قبل نظام الأسد، وتشاركه روسيا في ذلك الآن. وقد اتسع نطاق هذه الهجمات وازدادت كثافتها على مدى مسار النزاع. وكانت الغارات الجوية العشوائية من قبل نظام الأسد وروسيا مسؤولة عن ثلثي القتلى المدنيين في سوريا حتى الآن؛ كما أن 95% من ضحايا غارات نظام الأسد وروسيا منذ بدء النزاع في سوريا مدنيون. وبالمجمل، قُتل أكثر من 570 مدنيًا نتيجة الضربات الجوية الروسية في سوريا، غالبيتهم العظمى في مناطق يندر تواجد داعش فيها أو يغيب.

ومن المعيب أن يستمر مجلس الأمن بفشله في مساءلة أحد أعضائه على مقتل العديد من المدنيين السوريين الأبرياء. علاوة على ذلك، لم يتطرق قرار مجلس الأمن 2254 ولا تصريحات فيينا إلى هذا التهديد الرئيسي لحياة المدنيين في سوريا، والذي يستمر بتأجيج أزمة اللاجئين والدفع نحو التطرف.

إن ضمان حماية المدنيين أمر محوري لإنهاء الأزمة. وأي حل سياسي يسمح لطائرات الأسد وبوتين بالاستمرار بقصف المدنيين عشوائيًا لن يثمر. والهجمات الجوية مؤخراً؛ مثل تلك التي استهدفت خلالها القوات الجوية الروسية سوقًا شعبية في إدلب، متسببة بمقتل أكثر من 50 مدنيًا، واستخدام الأسد للبراميل المتفجرة التي تحوي غازات سامة في المعضمية؛ تهدد العملية السياسية وتجعل السلام مستحيلًا.

توجد العديد من الخيارات ذات الموثوقية لحماية المدنيين في سوريا، مثل منطقة خالية من القصف، وهي مطلب أساسي لمجموعة واسعة من السوريين داخل سوريا وخارجها؛ ومع ذلك يستمر تجاهل هذا المطلب خلال المحادثات الديبلوماسية الحالية. إن وقف القصف الجوي العشوائي سينقذ آلاف الأرواح، وسيستأصل الدافع الرئيسي لموجة هجرة السوريين، وسيواجه خطاب التجنيد الذي تستخدمه الجماعات المتطرفة؛ كما سيعزز قابلية المحادثات السياسية للنجاح، موضحًا للأسد وبوتين أن المجتمع الدولي مستعد لاتخاذ إجراءات ملموسة لإنهاء الأزمة.

الواقع بالنسبة لغالبية السوريين أن نظام الأسد، وليس داعش، هو من يرتكب معظم أعمال القتل في سوريا. وتعصب الأسد بوحشية إزاء المطالب المنادية بالحرية والديمقراطية هو ما أفضى إلى إراقة الدماء، وتسبب بالفراغ الذي تستغله داعش الآن.

لن ينتهي التهديد على السوريين وعلى الأمن الدولي طالما بقي الأسد في السلطة. وكذلك لن تكون الخطط لوقف إطلاق النار في أنحاء البلاد قابلة للتطبيق بدون مشاركة مجموعات الثوار السوريين المعتدلين-المجمعين على المطالبة برحيل الأسد.

إن إجماع المجتمع الدولي على الحاجة إلى القضاء على داعش مرحبٌ به من قبل السوريين، أول ضحايا همجية التنظيم الإرهابي، إلا أن داعش لن تُهزم بوجود الأسد، وباستمرار جرائمه من دون مساءلة. إن ضمان المساءلة ضروري لنجاح محادثات السلام، وللوصول إلى سوريا حرة وديمقراطية. ومع ذلك لم تطرح المساءلة عن جرائم الحرب الممنهجة بشكل فعليّ لا في فيينا ولا في نيويورك.

الأدلة على ارتكاب نظام الأسد لجرائم حرب واضحةٌ ودامغةٌ. إذ قامت لجنة التقصي الدولية المستقلة في الأمم المتحدة، ومنظمات حقوقية، ومجموعات رصد داخل سوريا بتوثيق استخدام الأسلحة الكيماوية، والقصف الجوي العشوائي، والتعذيب الممنهج على نحو واسع.

ويظهر تقرير قيصر، الذي أكّدت عليه هيومان رايتس ووتش مؤخرًا، استخدام نظام الأسد للتعذيب بشكل ممنهج، ويشير بوضوح إلى التسلسل القيادي للجهات المسؤولة عن تعذيب وقتل أكثر من 11 ألف معتقل. لذا ينبغي على عملية فيينا كخطوة أولى نحو مساءلة حقيقية أن تضمن العدالة لكافة السوريين ضحايا هذه الجرائم النكراء، بما في ذلك إحالة الملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية بالتوازي مع السلطات القضائية المحلية.

لا يمكن الفصل بين المساءلة والجهود الديبلوماسية، إذ أن إشراك مجرمي حرب في أي حكومة انتقالية سيودي فقط إلى تقويض مصداقيتها وتقويض الاحتياجات المشروعة للسوريين.

يمكن الحفاظ على الزخم الديبلوماسي الحالي لحل النزاع في سوريا بمشاركة السوريين أنفسهم فقط؛ وإثر الفشل في إشراكهم في محادثات فيينا كان محتمًا الإخفاق في التوصل إلى توافق حول القضايا الأساسية بالنسبة للسوريين: حماية المدنيين، ومصير الأسد، والمساءلة. وستكون الأشهر المقبلة اختبارًا حاسمًا لعزم المجتمع الدولي في تحقيق حل سياسي في سوريا. لكن الوقت يداهم السوريين؛ وفي حال كانت هنالك تسوية سياسية جادة على طريق الإنجاز، فينبغي على المجتمع الدولي أن ينصت إليهم ويتخذ خطوات عاجلة لضمان حمايتهم.

المصدر: نيو يورب الكاتب: موفق نيربية
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ