سوريا: هل بدأت مرحلة البحث عن بدائل لـ بشار لأسد؟
سوريا: هل بدأت مرحلة البحث عن بدائل لـ بشار لأسد؟
● مقالات رأي ١ أكتوبر ٢٠١٤

سوريا: هل بدأت مرحلة البحث عن بدائل لـ بشار لأسد؟

ثمة خيوط بدأت تتجمع في المشهد الإقليمي، تؤشر إلى ملامح مقاربة جديدة بشأن الوضع السوري، يجري فحصها واختبارها في المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، وتتزامن مع التحضيرات الجارية للحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في الجبهتين العراقية والسورية.

وتقوم هذه المقاربة -حسب مؤشرات عدة- على ترحيل الحل العراقي الذي قضى بمغادرة نوري المالكي للحكم، إلى الواقع السوري وتطبيقه عبر مغادرة رأس النظام بشار الأسد، والإبقاء على مؤسسات الدولة، ثم استتباع ذلك بإجراءات دستورية وهيكلية مؤسساتية لتتوافق مع الواقع السوري الجديد.

لقد كان لافتا الرفض الغربي لعرض النظام بالمساعدة في الحرب المتوقعة على تنظيم داعش، حيث جاء ردا قاطعا ولم يترك الباب مواربا أمام أي احتمال لدمج نظام الأسد في منظومة التعاون الإقليمية والدولية التي يجري تأسيسها للحرب، رغم أن النظام سعى إلى ترويج نفسه على أنه الطرف الأفضل في تقديم الخدمات اللوجستية التي يحتاجها الغرب في هذه اللحظة، من هيكلية لقواته بحيث يمكنها الانخراط بشكل منظم في أي مجهود دولي في هذا المجال والاندماج السوري في إطار جبهة التحالف، إلى امتلاكه للإحداثيات اللازمة التي قد تشكل بنك الأهداف المحتمل للاستهداف.

فضلا عن زعمه امتلاكه معلومات كاملة عن العناصر الأجنبية التي تنضوي في صفوف التنظيم، ولا شك أن تلك الخدمات -في الحسابات العملياتية- تشكل كنزا مهما لأي طرف يريد الحرب.

وقد راهن نظام الأسد على امتلاكه تلك المعطيات من أجل لي ذراع الغرب وإجباره على القبول بضمه إلى التحالف المنوي تأسيسه، وقد سبقت ذلك حملة إعلامية قامت بها شركات علاقاته العامة في أوروبا وأميركا بضرورة التنسيق مع نظام الأسد بوصفه أهون الشرور، غير أن كل ذلك لم ينفع في التأثير على الموقف الغربي الذي جاء صادما وقاطعا برفض التعاون مع نظام الأسد، لماذا؟

ركزت المواقف الغربية على الجانب الأخلاقي من القضية، والتي تعتبر أن نظام الأسد فاقد للشرعية وتسبب بجرائم كثيرة بحق شعبه، غير أن الوقائع تقول إن مواقف الغرب يمكن تفسيرها بشكل أكثر دقة عبر النظر لها من زوايا نفعية عملياتية بالدرجة الأولى، ذلك لأنه صار واضحا أن بقاء الأسد والتعامل معه سيزيد من حدة الإشكالية ويساهم برفع منسوب الاستقطاب حول داعش التي لن يستطيع أحد تفكيكها وتدميرها أكثر من تعاون البيئة السنية في سوريا والعراق، في حين أن التعاون مع الأسد وإعادة تعويمه من شأنها أن تعيد إنتاج الإشكالية.

من جهة ثانية، تعرف الدول الغربية جيدا أن نظام الأسد بات على درجة من الضعف بحيث لا يفيد أي تعاون معه، فعدا عن كونه لم يعد قادرا على السيطرة على أجزاء كبيرة من سوريا وصار يتراجع بدرجة ملحوظة، فإنه يخسر ركائز قوته التي تمثلت بالبيئة الحاضنة والخزان البشري جراء تذمر طائفته من سياساته وتراجع ثقتهم به، حيث أطلق ناشطون من الطائفة العلوية حملة “صرخة وطن” في قلب المناطق العلوية، ويقول شعارها الأساسي إن الأسد يحتفظ بمنصبه وأولادنا يذهبون إلى أكفانهم.. “لك القصر ولنا القبر”. كما بدأ يفقد ثقة الطوائف الأخرى من مسيحيين ودروز، والتي باتت تعبر بوضوح عن المخاطر التي جلبها نظام الأسد على كل السوريين.

تشكل هذه الحيثيات رافعة للموقف الغربي باتجاه حلفاء نظام الأسد الإقليميين والدوليين، ولعل ما يقوي من أوراق الغرب في هذا المجال توافق كل الأطراف الدولية على الخطر الذي تشكله داعش على السلم العالمي، والذي تجلى بالقرار الأممي الصادر عن مجلس الأمن رقم 2170، ولجوء العالم كله لواشنطن من أجل المساعدة على القضاء على تنظيم داعش.

والواضح أن واشنطن لن تنجز مثل هذه المهمة بدون الحصول على أثمان سياسية في المنطقة، وقد بدأت بالفعل بطرح أوراق ضغط جديدة موجهة في الغالب لحلفاء نظام دمشق، فقد كان لافتا أن تقرير لجنة التحقيق المكلفة من مجلس حقوق الإنسان بمتابعة الوضع في سوريا ركّز على أن نظام الأسد وداعش يمارسان جرائم ضد الإنسانية، وهذه رسالة لا بد أن حلفاء النظام قد وصلتهم، فليست جرائم داعش وحدها يعاقب عليها القانون الدولي.

من جهة ثانية وفي نفس السياق، بدأت واشنطن بالتصريح أنها تحتاج لبيئة عملياتية جيدة من أجل ضمان نجاح مهمتها، وأحد العناصر المهمة في هذه البيئة تسوية الوضع في سوريا على الطريقة التي أعلنت عنها واشنطن منذ أكثر من سنتين، والتي تقوم على إزاحة رأس النظام والحفاظ على مؤسسات الدولة، وتشكيل حكومة من النظام والمعارضة.

وتعتبر واشنطن أن هذه البيئة يمكن العمل من خلالها في سوريا، حيث تحاجج واشنطن بعدم امتلاكها موارد استخباراتية وشبكات على الأرض تساعدها في إنجاز مهماتها، وهو عمل لا يمكن إنجازه إلا من خلال معارضي الأسد الذين لديهم تواجد فعلي في المناطق التي تحتلها داعش ولا يملك النظام مثل تلك الميزة.

هذا يعني أن أميركا بدأت تطرح موضوع الأسد بشكل جدي في إطار التفاوض وهي تطلب مشروع رؤية أو برنامج سياسي ليتبناه التحالف الدولي عنوانه سوريا ما بعد الأسد، وما يتعلق بهذا العنوان من قضايا المصالحة وإعادة الإعمار وعودة النازحين، واللافت أن ثمة ترتيبات موازية حصلت بالتزامن مع هذه التطورات، حيث شهدت أوسلو اجتماعا سريا تضمّن معارضين وموالين للنظام ورعته حكومة النرويج، فيما كانت تعقد بالتوازي دورات في برلين وواشنطن لكوادر سورية عن كيفية إدارة الدولة.

وكشفت بعض التقارير بدء تسجيل شركات أوروبية وأميركية وخليجية لإعادة الإعمار في سوريا، حتى أن هناك من سرّب أن زيارة وفد الكونغرس الأميركي الأخيرة إلى بيروت، برئاسة السيناتور الجمهوري داريل عيسى، قد بحثت في وضع رؤية لمستقبل الاستثمار في سوريا.

على الصعيد الإقليمي ثمة مؤشرات على تحرك عربي قد يتوج بإعلان مبادرة عربية لتسوية الأزمة السورية، وفق تسريبات لصحيفة الشروق المصرية، التي تحدثت عن تكوين تكتل إقليمي ودولي لمواجهة داعش، على أن يسبق ذلك خروج بشار الأسد من السلطة، ومن المقرر أن تمرر المبادرة إلى الجامعة العربية كخطوة أولى لإقناع المجتمع الدولي بها.

ماذا عن حلفاء الأسد؟، تشير الأنباء إلى تبلّغ إيران بهذه التحركات، وخاصة العربية منها، لذا فهي تسابق الزمن من أجل طرح مشروع مضاد يقوم على فكرة مرحلة انتقالية برئاسة الأسد، حتى أن هناك من ربط زيارة نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى الرياض بهذا الحراك.

والغريب أن إيران في هذه الأثناء أوقفت مساعداتها المالية لنظام الأسد حسب قناة “سما”، فيما تؤكد بعض المعلومات الواردة من جبهة القلمون أن حزب الله يخفف من تواجده في تلك المناطق، وهو ما يجري تفسيره في إطار حالة الاستنزاف التي وصلتها إيران في الساحة السورية، وأن تحركها الدبلوماسي الحالي في الملف السوري إنما يهدف لتحسين شروطها التفاوضية لعل ذلك يمنحها ثمنا مقبولا برأس الأسد، لكن مشكلتها أن لا عروض عليه ولا أحد يتقدم لإنجاز صفقة معها بخصوصه، ربما لهذا السبب تعمل على التصعيد في ساحات أخرى، مما دفع بالرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، للتأكيد على أن طهران باتت تقايض صنعاء بدمشق.

أما روسيا، فمن الواضح أنها غارقة في الملف الأوكراني الذي بات يستنزف طاقاتها الدبلوماسية والسياسية، ولعل هذا ما بات يفسر غيابها الملحوظ عن الملف السوري بعد أن كانت حاضرة في كل تفاصيل النشاطات الدولية الخاصة به، حتى أن وزير خارجيتها سيرغي لافروف كاد أن يتحول إلى متحدث يومي في الشأن السوري.

كما أنها باتت تشعر بالخطر من المتطرفين الإسلاميين في ظل التأكيد على وجود أعداد كبيرة من الشيشانيين والقوقازيين في صفوف المقاتلين في سوريا، ولا شك أن موسكو كانت تدرك أن القرار الأممي الذي أدان داعش وشرع الحرب ضدها ينطوي على إمكانية استخدامه على نظام الأسد، فهل تكون موسكو تجرعت السم عن وعي وإدراك.

لكن ما هو أهم من كل ذلك، أن حلفاء الأسد، الدوليين والإقليميين، باتوا على قناعة تامة أن حليفهم لم تعد تنفع معه حقن المساعدات، إذ بالأمس، وفي مؤتمر جنيف وعندما قدروا أن نظام الأسد يمكنه الاستمرار، أصر حلفاؤه على عدم الضغط عليه لإنجاح الحل السياسي، بل ذهبوا إلى إقناعه بتصليب مواقفه إلى أبعد درجة، وهو ما ساهم يومها بوأد أي إمكانية للحل السياسي.

كل المعطيات تشير إلى أن النظام في دمشق فقد شبكة الأمان التي كانت تضمن عدم سقوطه بركائزها المحلية والإقليمية والدولية، وقد ساهمت داعش بدرجة كبيرة في هذا الأمر، رغم وجود مؤشرات كثيرة على استفادته من أخطائها ومساهمته في توفير مناخات مناسبة لعملها، ونتيجة ذلك أصبح يقف على أرض رجراجة يتوقع أن تطيح به في كل لحظة، وربما ذلك العنصر الأهم الذي أسس لفكرة البحث عن بديل آخر.

غازي دحمان: كاتب سوري - الجزيرة

المصدر: الشبكة العربية العالمية الكاتب: غازي دحمان
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ