سورية في الباص الأخضر
سورية في الباص الأخضر
● مقالات رأي ٢٧ ديسمبر ٢٠١٦

سورية في الباص الأخضر

هل تعرفون أننا -السوريين- نتشاجر على طريقة كتابة اسم بلدنا “سوريا، سورية”، وعندما نصل إلى طريق مسدود بالنقاش الذي ينتهي سريعًا، يحذف أحدنا الآخر من حسابه في الفيسبوك، والفيسبوك يا سادة هو النافذة الوحيدة التي يطل منها السوري على بقية أبناء وطنه.

هل تعرفون أننا -السوريين- نحمل كمًا من الحقد يساوي تمامًا كم الحب للباص الأخضر، وكلما حضرت صوره هربنا منها، أو لجأنا إليها، وكلا الهارب واللاجئ إليه سوري، الأول شرده النظام وقتل عائلته، والثاني قدم له النظام المأوى وأعطاه دية قتلاه.

هل تعرفون أننا -السوريين- لبسنا جميعنا، من دون استثناء، ثيابًا داخلية من مجمع استهلاكي حكومي اسمه “سندس”، وخلعناها كلنا في لحظة واحدة، خوفًا من أن يكون العدو السوري يرتدي الثياب نفسها التي يرتديها العدو الأول، فلبس المؤيد الثياب الإيرانية والروسية، وبقي المعارض عاري الصدر، لا يستر جسده إلا دمه.

هل تعرفون أننا -السوريين- لا نعرف بعضنا بعضًا، فالشامي لا يتعامل مع ابن دير الزور، والحلبي لا يعرف الدرعاوي، والحمصي والحموي جيران، لكنهما لم يكونا قبل 2011 جيران الرضا، وفجأة -بعد 2011- بدأنا نتعرف إلى بعضنا، واكتشفنا كم نحن مختلفون ومتناقضون، وأدرك معظمنا -فجأة- أن الشامي ليس تاجرًا فحسب، وأن اللهجة الحلبية لها موسيقاها، والدرعاوي والديري والرقاوي والحموي، يا إلهي.. كم لبثنا في بلد واحد؟

هل تعرفون أننا -السوريين- أنشأنا خلال 6 سنوات ما لا يعد ولا يحصى من الدكاكين الثورية، أولها الائتلاف، وليس آخرها كيان غريب أطلق على نفسه لقب مدني، ظهر في إدلب، إدلب التي تحكمها الفصائل الإسلامية المتشددة، إدلب التي سجنت شبابًا من داريا خرجوا بالباص الأخضر لاجئين إليها؛ لأن أحدهم -بحسب قول السجانين- “أساء إلى الذات الإلهية”.

هل تعرفون أننا -السوريين- لم نسمع بتعبير “أساء إلى الذات الإلهية” إلا اليوم، ولم نكفّر بعضنا بعضًا إلا اليوم، ولم نقتل أو نرجم امرأة إلا اليوم، ولم نكتشف أن الجيش أسدي، وأن الفساد سببه الأسد، وأن الله تركنا منذ زمن بعيد إلا اليوم.

هل تعرفون أننا نحن -السوريين- اختلفنا على ألوان العلم، فصار لسورية علمان، وهل تعرفون أننا لم نشعر يومًا بأن لدينا علم، ولم نرفع التحية له من قلبنا ولا مرة، ولم يكن يعنينا أن معظم الأعلام المعلقة على المدارس مهترئة وألوانها باهتة، وأننا اليوم نحمل علمًا جديدًا يحمل نجماته الثلاث، ويتخلى عن اللون الأحمر، وأنه كلما رفعناه في إدلب نتلقى الرصاص.

هل تعرفون أننا -السوريين- نصل إلى بلد اللجوء، ونتمنى أن يغلَق الباب وراءنا، وأننا نتحدث مع أهلنا في سورية؛ فنبكي على “السكايب”، ثم نتناول العشاء مع صديق أوروبي، وأننا استخدمنا داعش وإرهابها للحصول على اللجوء، وتجاهلنا الأسد وجرائمه وإرهابه، ثم في آخر الليل وبعد كأس من الشاي أو البيرة، نعلن من خلف الشاشة الفضية أننا مستمرون حتى آخر قطرة دم؛ فداء لسورية.

هل تعرفون أننا -السوريين- نحتال على بعضنا، ونمارس كل ما تعلمناه من سنوات الصمت الأربعين من طرق تذاكي؛ لكي نسرق الفرص من أمام بعضنا، وأن من حق غضبنا التظاهر بكل أنواع الشتم والسب الجنسي؛ وأن مثقفينا سطحيون، وفنانينا يشعرون بأهمية الثورة؛ لأنهم التحقوا بها، وأن فقيرنا مهان خارج وداخل سورية، وأن تجارنا شربوا من دمنا قبل أن يشربوا الماء.

هل تعرفون أننا -السوريين- نبكي كل يوم، ونضحك كل يوم، ونبتز كل يوم، ونكتشف كم ضحك علينا سياسيون ومثقفون ومقاتلون ودول ومجالس وهيئات، وأننا في كل مرة نكتشف ذلك، نكتفي بالسباب واللعن، ونهرول إلى الضاحكين ليوظفونا بينهم.

هل تعرفون أننا -السوريين- لسنا شعب الله المختار، ولم نقم بالثورة لنموت، ولا نستمتع بمنظر الدم، ولسنا شعبًا واحدًا، ولا عَلم لدينا، ولا نشيد وطني، كل المتاح لنا اليوم هو الباص الأخضر، الذي يسعى العالم كله؛ ليضع سوريتنا برمتها فيه.

هل تعرفون أننا -السوريين- حتى اليوم لم نكتشف لماذا اختارنا الله وقادات العالم لهذه المجزرة، وأننا لن نخرج منها إلا يوم نعرف أننا لسنا طوائف وأديان وقوميات، وأن لا الباص الأخضر، ولا الذقون المرسلة هي مصيرنا، وأننا أناس عاديون نحب ونكره ونغار ونخطئ ونصيب، والثورة ليست معصومة عن الخطأ، ولسنا جلادين؛ لنمارس أحكام الإعدام على كل من يقول رأيًا مخالفًا.

المصدر: جيرون الكاتب: هنادي الخطيب
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ