عذراً حمزة الخطيب.. درعا عدو!
عذراً حمزة الخطيب.. درعا عدو!
● مقالات رأي ٢١ يوليو ٢٠١٨

عذراً حمزة الخطيب.. درعا عدو!

قَتَلَ الشاعر هدبة بن خشرم رجلاً، فجيء به للقصاص، وعرض أهل الشاعر دية ضخمة لإنقاذه من القتل فرفض أهل المقتول، ولكن أحد أبناء القتيل كاد أن يوافق على أخذ الدية، وينسى دماء أبيه المهدورة، فقالت له أُمه: أُقسم بالله لئن قبلت بالدية لأتزوجنه فيكون قد قتل أباك وتزوج أُمك!.. فرفض الدية التي حدثته نفسه بها مقابل دماء أبيه، وعزموا على الْقِصَاص، الذي نُسي في حارات درعا التي خُطت جدرانها بأنامل حمزة الخطيب، دفن قصاص أهلنا مع الشهداء وكُبّل ما تبقى منه مع المعتقلين ونزف حتى الموت مع المصابين المنكوبين فأمسى جثة هامدة لا روح فيها ولا رمق حياة.

ومن يعيد الحياة لثأر ميت، لم توقده صيحات حمزة الخطيب، ولم تُزكي لهيبه أنات المعتقلين، ولن يثور بآهات المكلومين، من يقسم بالله على شرفاء درعا؟، وقد قُدّ ثوب حريتهم وخُرق لباس عزهم، ورُقِعت سماء بلدهم بالذلة والانكسار، أيُّ مبضع جراح يحيكُ ما تبقى من عزة ليستنهض ثأركم الذي مات قهراً، ونحر نفسه على أطلال مثوى (حمزة الخطيب)، (ولكن حمزة لا بواكي له).


تنحدر الأدمع وتنزوي الآهات مخنوقة بعبَرات الكلام في مشهد مهيب لأسد الله ورسوله، ترنو العيون المفجوعة لحبيب الله عليه أفضل الصلاة والتسليم موقنة بأن الألم الكبير.. يردد عليه الصلاة والسلام (لن أصاب بمثلك أبداً) المصاب جلل، فهذا أسد الله ورسوله قد التحق بركب الشهداء، لكن الجزاء الآخروي ونعيم الجنان لم يثني الصحب الكرام عن المسارعة بالأخذ بالثأر، لا بواكي على أسد الله لأن السيوف أجدى في الوفاء من دمع عين قد ثكُلت، لأن رائحة دماء المؤمنين لن تخبو حتى يُنتصر لها، من ينتصر لشبل ثورتنا (حمزة) لا بواكي عليك حمزة ولا أيد تدفع الباطل عن مثواك الطاهر.

نُسيت الدماء، وترمدت شعل الضياء في القبور، ونُزعت الصرخات من ثغور الشرفاء، وذبلت فسيلة الحرية في أيدي البقية المتبقية، لم تكن  لتنمو وتزهر بين أنفاسٍ تلفظها معنىً ومبنى، تكفر بها وبدماء سقتها فنفحت عطراً وشذى، لكن براثن الإثم كانت الأسبق نزعتها من صدور قومٍ حادوا عن الطريق، من يقيم اعوجاج الظلم بعد اليوم وقد كُسِرت عصا حرية هششتم بها على أعباء الناس حيناً مباركاً من الزمان، ولما ابتغيتم بها مآرب أُخرى، ما حملتْ وزر سعيكم للدنيا، مالت وتمايلت.

أبت عصا (حُريتنا) أن تخوض بالمساومات على أشلاء حمزة الذي شق بها يوماً من الأيام طوفان الظلم فعبر منه القوم سالمين، لكنهم انقلبوا على أعقابهم في سبيل عرض من الدنيا قليل، وباءوا بالخسران المبين، لا عزاء لمن ضحى بثوابت ثورة دُفع الغالي والنفيس في سبيل استمراريتها مع انعدام مسببات وجودها، إلا أنها ما زالت تجاهد وتنفح بأريج الحرية، ما دامت تُسقى بدماء الأحرار والحرائر من أبناء ثورتنا الأبية، رُبما تذبل وتهن، تنحسر وتقتصر على بضع مناطق، تسكن في أجواف بضع من الناس تدفئ نفسها ليلاً بنار عزيمتهم وتأخذ قبس همة من شموس نهارهم.

هم أهلها وهي سبيلهم الذي حُف بالمكاره وحوط بالابتلاء والفتن، فسقط من سقط وخاض بمستنقعات الخيانة والعمالة وتلوث بآسن الطاغوت، فخسر الدارين وساء عمله وهو يحسب أنه يُحسن صنعا، صدح أولياء المصالحات وأدعياء الثورة وحاشى (لثورتنا) أن تمت لهم بصلة، بقول من سبقهم من الطغاة (ما أُريكم إلا ما أرى)، التقمت الأعين رماد الخونة، فعميت ألبابهم وأعينهم عن الصواب، ومات السيف في غمد الكلام، وطُمست أفئدتهم عن رؤية دماء الشهداء، ونُحِرت إرادة القتال على فوهات بنادق الجبناء، وسالت الدماء تروي قصة العار الوليد من الخائن ابن الطاغوت (أحمد العودة)، سيلعن التاريخ كل متخاذل عن نصرة أهله وسترميه الحتوف على حروف صغير ثوارنا  ليروي قصة الجرح الغائر (درعا) مردداً بأسف مرير: عذراً حمزة الخطيب.. درعا عدو.

المصدر: مدونات الجزيرة الكاتب: لبابة عبد الناصر حليمة
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ