عن سيناريوهات إدلب واحتمالات التدخل الأمريكي
عن سيناريوهات إدلب واحتمالات التدخل الأمريكي
● مقالات رأي ٥ سبتمبر ٢٠١٨

عن سيناريوهات إدلب واحتمالات التدخل الأمريكي

يبدو بأن ملف محافظة إدلب يزداد تعقيدا يوما بعد يوم، حيث بات يشغل حيزا كبيرا من التحركات السياسية والدبلوماسية للأطراف المنخرطة في الشأن السوري. وقد كنا في مقال سابق بعنوان "عن سيناريوهات إدلب.. هل ستحميها تركيا؟" قد تناولنا بالتحليل ما يمكن لتركيا فعله في إدلب. وقلنا بأن تركيا لا تملك حقيقة أوراقا قوية لتلعبها في هذه المحافظة سوى الورقة الإنسانية، وخاصة في ظل عدم التزام الروس والإيرانيين بتعهداتهما فيما يتعلق بمناطق خفض التصعيد الموقعة بين النظام السوري وفصائل المعارضة السورية بضمانة تركية روسية إيرانية.

وكنا قد توصلنا إلى نتيجة مفادها بأن مصير المحافظة بات أقرب إلى سيناريو العودة إلى سيطرة النظام السوري، إلا أن أسلوب استعادتها، من خلال عمل عسكري أو من خلال صفقات سياسية هو الموضوع الذي تجري عليه المفاوضات اليوم بين الأطراف الفاعلة وخاصة روسية وتركيا وإيران، بينما كانت الولايات المتحدة تراقب الوضع من القاطرة الخلفية.

إلا أن الولايات المتحدة عادت مرة أخرى لتتقدم صفوف الفعل الأمامية وتظهر اهتماما مفاجئا بموضوع إدلب. وقد تمت ترجمة هذا الاهتمام بالفعل من خلال تصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين وعلى رأسهم وزير الخارجية مايكل بومبيو الذي غرد قبل عدة أيام قائلا: "تعتبر الولايات المتحدة هذه (الحملة) على إدلب تصعيدا للنزاع الخطير أصلا". وأضاف بومبيو في تغريدة ثانية أن "ثلاثة ملايين من السوريين الذين اضطروا إلى مغادرة ديارهم وموجودين حاليا في إدلب، سيعانون من هذا العدوان.. إنه ليس جيدا.. العالم يراقب الوضع".

غني عن القول بأن هذا الاهتمام الأمريكي المفاجئ في إدلب ليس لدواع إنسانية كما يتم إظهاره، بل يندرج في خانة الاستعمال الإنساني لخدمة وتمرير أهداف سياسية. وعلى الرغم من وجود بعض المصالح الأمريكية في خلط الأوراق في ملف إدلب، وعلى رأسها إعاقة أي حل سياسي قد يقرب بين موسكو وأنقرة، إلا أننا نعتقد بأن سر هذا الاهتمام المفاجئ يأتي من زاوية أخرى وتحديدا كأحد السناريوهات التي ربما يعدها ترامب للهروب إلى الأمام من مشاكله الداخلية على خلفية سلسلة الفضائح التي ضربت دائرته المقربة وبدأت تقترب منه شخصيا مما بات يهدده بالعزل من منصب الرئيس.

جاء الرد قويا على الموقف الأمريكي الجديد من الطرف الروسي حيث صرح وزير الخارجية سيرجي لافروف أن موسكو قد حذرت دول الغرب "بوضوح وصرامة" من خطورة "اللعب بالنار" من خلال دعم استفزازات كيميائية مفبركة في إدلب وعرقلة محاربة الإرهاب هناك.. وتبعا لذلك أطلقت روسيا مؤخرا مناورات عسكرية ضخمة قبالة سواحل المتوسط لاستعراض قوتها فيما يبدو وتوجيه رسالة لمن يهمه الأمر بان روسيا مصرة على دعم النظام السوري في استعادة إدلب.

إن دخول الولايات المتحدة الأمريكية على المشهد أربك بلا شك جميع اللاعبين وأعاد خلط الأوراق من جديد. فبعدما كانت إدلب متجهة فعليا نحو استعادتها من قبل النظام السوري مهما كلف الثمن وبدعم لا محدود من حلفائه الإيرانيين والروس ورغما عن الأتراك الذين لا يملكون أوراقا كثيرة ليلعبوها في هذا الملف عداك عن الضغوط الاقتصادية التي تمارس عليهم اليوم، أصبحت اليوم السيناريوهات أكثر تعقيدا وغموضا.

المشكلة في تحليل مثل هذا المشهد هي أن تدخل الولايات المتحدة التي يمكن أن تقود تحالفا ثلاثيا أمريكا فرنسيا بريطانيا في إدلب ليس مبنيا على مخطط واضح أو مصالح محددة متعلقة بالأمن القومي الأمريكي (وهذا ليس غريبا أو مفاجئا في الحقيقة، فالسياسة الأمريكية في المنطقة باتت أقرب إلى الفوضوية والتخبط منها إلى الرصانة والعقلانية)، بل إن هذا التدخل مرتبط من حيث توقيته ومن حيث قوته، بل من حيث احتمالية وقوعه أو عدم وقوعه بمدى حاجة ترامب له لتشتيت الانتباه عن مشاكله الداخلية.

لكن لا بد من الإشارة إلى نقطة مهمة للغاية وهي أن التدخل الأمريكي فيما لو تم بالفعل فلن يكون محدودا هذه المرة. فتشتيت الانتباه الداخلي في مثل هذا السياق سيتطلب بالتأكيد ملفا مفتوحا يتجاوز مسألة إطلاق عدة صواريخ في ليلة. وهذا ما يمكن أن تؤشر عليه سلسلة من التحضيرات التي تقوم بها واشنطن في الشمال السوري وعلى رأسها ارسال حوالي 150 شاحنة محملة بأسلحة ثقيلة ومتوسطة إضافة إلى تأهيل وتوسيع مطار الشدادي وإنزال أسلحة ثقيلة فيه مؤخرا. بناء على هذا السياق يمكننا تصور مواجهة كبيرة في إدلب، أو في سوريا عموما، فيما لو تم اختيارها ككبش فداء لتوترات الداخل الأمريكي.

أما بالنسبة لمسالة الصدام مع روسيا، فالموضوع أعمق مما يتخيله كثيرون. فلو لجأ ترامب لإشعال سيناريو إدلب للهرب من مشاكله الداخلية، فأغلب الظن بأن روسيا، وعلى عكس كل المواقف المعلنة، سوف تتعاون معه بشكل أو بأخر ولو من وراء ستار نظرا لأن مصلحتها تكمن في بقائه في منصبه. فالعلاقات الروسية الأمريكية ستضرر أكثر وأكثر لو تم عزل ترامب على خلفية تدخل روسيا في الانتخابات، لأن خلفه سيتخذ بالضرورة خطوات قاسية ضد روسيا لإرضاء الرأي العام والنخبة الحاكمة في الولايات المتحدة.

في المحصلة: هل ستتدخل الولايات المتحدة في إدلب أم لا.. ما هي حدود هذا التدخل إن حصل؟ وما هي السيناريوهات التي تنتظر المحافظة؟ كل هذه الأسئلة أصبحت صعبة الإجابة الآن، وإننا نكاد نجزم بأن لا أحد يعلم إجاباتها بدقة.. ولا حتى دونالد ترامب نفسه.. فالظروف والتطورات وحدها هي الحاكمة.

المصدر: مدونات الجزيرة الكاتب: محمد العمر
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ