ما هكذا تورد الإبل في التفاوض
ما هكذا تورد الإبل في التفاوض
● مقالات رأي ٨ مارس ٢٠١٧

ما هكذا تورد الإبل في التفاوض

انبرى معارضون سوريون من الصف الأول إلى مقارنة تكتيك النظام السوري التفاوضي بالتكتيك التفاوضي الإسرائيلي مع الفلسطينيين، ما أثار أسئلة حول المغزى والجدوى.

يبدو أن وراء المقارنة مسعى لتأليب الرأي العام السوري والعربي والإسلامي على النظام بتوظيف المأساة الفلسطينية، التي تتمتع بتعاطف شعبي واسع، بتجاهل تام للتحول الذي حصل في الأوساط الشعبية إزاء القضية الفلسطينية في ضوء استخدام السلطات والأنظمة العربية للمظلمة الفلسطينية، طوال عقود، غطاءً للسيطرة والهيمنة على شعوبها وسلبها حقوقها وحرياتها بذريعة مواجهة الخطر الصهيوني، و «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، والبطش والوحشية التي واجهت بها شعوبها عندما تحركت للتعبير عن تطلعاتها وطموحاتها في حياة حرة كريمة و «تجاوزها ما فعلته إسرائيل بالشعب الفلسطيني، وهي عدو قومي، مئات المرات»، وفق تقدير لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في حديث له مع معارض سوري.

وهذا ما جعل محاولة التوظيف نافلة وفي غير محلها أولاً، لأن استخدام ورقة إسرائيل، وإن بهدف معاكس لاستخدامات السلطات والأنظمة العربية، بات غير مجدٍ، فالورقة محروقة وعديمة الفائدة، وقد سبق وحاول النظام العزف على العلاقة بين المعارضة وإسرائيل ولم تثمر المحاولة، وثانياً لأن معرفة أولية بأساليب التفاوض وخططها وتكتيكاتها كانت كافية لاكتشاف أن تكتيك النظام التفاوضي مأخوذ منها وله وصف وتسمية: تكتيك «الأسطوانة المشروخة» والذي يبقى متبعه يعيد المواقف ذاتها، حتى يدفع الخصم للتسليم بها أو ينسحب فيحقق لصاحب التكتيك هدفاً مرحلياً هو تحميل الخصم مسؤولية انهيار المفاوضات، الذي قد يكون هدفه الحقيقي من وراء استخدام هذا التكتيك، وتعريضه لضغوط داخلية وخارجية تضطره للعودة إلى المفاوضات بظروف غير مواتية قد تدفعه إلى التنازل.

والمفاوض اللماح، صاحب الخيال الواسع والخصب، قادر على إدراك طبيعة التكتيك وأهدافه والعمل على إفشال خطة الخصم بتلافي الوقوع في كمائنه.

أما المستوى الثاني من المقارنة والذي ركز على استنكار تجزئة الملفات وتمديد الزمن واستخدام القوة لإضعاف الخصم، فينم عن جهل بمجمل آليات التفاوض التي تربط بين الميدان وطاولة المفاوضات والتصرف على الطاولة، وفق مقتضيات الميدان وعلى الميدان خدمة لمتطلبات الطاولة.

لا تكمن مشكلة المعارضة السورية، بمستوييها السياسي والعسكري، في التأخر في توظيف المعطيات والوقائع، بل في التأخر في التقاط التغيرات، الإستراتيجية والتكتيكية، في معادلة الصراع كذلك، وهذا زاد صعوبة تحركها في المواجهة لأنه حد من قدرتها على الفعل في الزمان والمكان المناسبين.

بدأت مشكلة المعارضة في اللحظة التي عجزت عن إدراك طبيعة التدخل الخارجي في الصراع وحجمه، وحقيقة مواقف الدول التي تقدمت لدعمها في مواجهة النظام وهدفها من هذا الدعم: أهو لنصرة الثورة أم للإمساك بها وتسييرها نحو نهايات لا تلتقي، بل لا تتقاطع، مع هدف السوريين في الحرية والكرامة. لم تنظر في خلفيات الدول ومصالحها وأهدافها بل استسلمت لتصورات تبسيطية ومخلة وانساقت خلف هذه الدول من دون تفكير أو تقدير أو تساؤل.

وزاد الطين بلة استمراء قسم كبير من المعارضة، أفراداً وجماعات، لحالة التبعية والاستزلام على خلفية تحقيق منافع شخصية أو فئوية.

كرست هذه الممارسة معادلة سلبية: وحدة شكلية في مواجهة النظام وصراعات داخلية على خلفية التنافس غير الصحي، إما لتحقيق منافع شخصية وفئوية، أو لتنفيذ توجيهات الجهات الخارجية الداعمة، وهذا رتب أولاً انفصالاً بين المستويين السياسي والعسكري، ما أفقد المستوى السياسي فرصة الربط بين الميدان وطاولة المفاوضات خلال مفاوضات جنيف 1 و2 و3، وألغى، ثانياً، فرص توافق داخلي صلب في كلا المستويين، ما جعل المحصلة العملية لجهودهما وتضحياتهما تفاضلية أفقدت المستوى السياسي القدرة على قيادة قوى الثورة وتمثيلها في الخارج، وأفقدت المستوى العسكري القدرة على المحافظة على المكاسب الميدانية التي حققها في مراحل الصراع وتثميرها سياسياً بوضعها تحت تصرف المستوى السياسي، من أجل استثمارها في تحقيق أهداف الثورة في الحرية والكرامة. وهذا، بالإضافة إلى استسلامها لعفوية ساذجة، ما حرم المستوى السياسي من وحدة الموقف والتحرك وفق خطة مدروسة، وحرم المعارضة، بمستوييها السياسي والعسكري، من فرصة خوض التفاوض باعتماد التكتيك الفيتنامي: التفاوض تحت النار، بعد أن نجح الطرف الروسي، حليف خصمها، في استثمار الانفصال بين المستويين السياسي والعسكري وجذب المستوى العسكري إلى مفاوضات من دون مشاركة المستوى السياسي، بل من دون التنسيق معه، وحقق وقفاً لإطلاق النار، وقيّد الفصائل بالتزامات حدّت من قدرة المستوى السياسي على المناورة، وأفقدته فرصة الرفض، خوفاً من فتح المجال أمام مفاوضات منفردة بين النظام والمستوى العسكري، وهذا وضعه في موقف المضطر والمجبر على التفاوض في شروط غير مواتية، وتشجيعه (الطرف الروسي) المستوى العسكري على الانخراط في المفاوضات السياسية، تحت سقف اتفاقاته العسكرية في الآستانة، فوضع المستوى السياسي في موقف حرج، لأنه لم يتم تنفيذ حقيقي لاتفاق وقف إطلاق النار، فأصبح يتفاوض تحت نار الخصم. ولأنه غير قادر على توجيه نقد إلى المستوى العسكري، كي لا يشكك بوحدة وفده شكلاً ومضموناً.

لقد تراكمت أخطاء المستويين السياسي والعسكري ما أدخلهما في مأزق الخروج منه ليس سهلاً حتى لا نقول مستحيلاً.

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: علي العبدالله
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ