منتخب سوريا.. منتخب وطن، أم وسيلة لتلميع النظام؟
منتخب سوريا.. منتخب وطن، أم وسيلة لتلميع النظام؟
● مقالات رأي ١٢ أكتوبر ٢٠١٧

منتخب سوريا.. منتخب وطن، أم وسيلة لتلميع النظام؟

ربما لم نر انقساما في التاريخ العربي الحديث وحتى في العالم، حول تشجيع منتخب كرة قدم كما شهدناه حول تشجيع المنتخب السوري ضد أستراليا في تصفيات التأهل إلى كأس العالم 2018. وكان سبب الانقسام الرئيسي رؤية جزء من المؤيدين للثورة السورية بأن هذا منتخب للنظام السوري ويستخدم لأغراض سياسية. أما آخرون مؤيدون للنظام، وكذلك جزء من المعارضين له، رأوا بأن هذا المنتخب يمثل سوريا ولا يجب خلط السياسة بالرياضة.

في الحقيقة، ومن ناحية المبدأ، لا يجب خلط السياسة بالرياضة وتحييدها عنها، وعادة ما تلقى المنتخبات الرياضية إجماعا من مواطني الدولة لا تلقاه الأحزاب السياسية. لكن الوضع في الحالة السورية مختلف تماما، فهو ليس خلافا سياسيا، بل جرائم إبادة ترتكب على مرأى العالم كله، ويستخدم النظام القوانين الدولية والثغرات فيها للاعتراف بالحكومة (النظام) كممثل شرعي وحيد، وزيادة الضغط على أي معارض له، وارتكاب جرائم الإبادة تحت مسميات السيادة وبأن الدولة هي الوحيد الذي يمتلك حق استخدام القوة.

مبدأ السيادة هذا استخدمه النظام في الرياضة أيضا، وحصل على تضامن الفيفا الضمني بحسب تقرير استقصائي بثته قناة ESPN الرياضية. ونشر رواد موقع التواصل الاجتماعي صورا تثبت أن سلطات الملاعب في سيدني منعت إدخال أي علم آخر غير العلم السوري المعترف به دوليا، مستثنية بذلك علم الثورة تحت نفس القانون. وبالتالي، حصل مؤيدو النظام على فرصة دولية للتعبير عن رأيهم في حين حرم المعارضون منها، في حرب غير متكافئة أخرى بين المعسكرين.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، من الذي أقحم السياسة في الرياضة؟ هل جمهور المعارضة أم النظام السوري ذاته؟ النظام السوري منع مشاركة أي لاعب في المنتخب إذا كان من المعارضة إلا إذا عاد وأعلن تأييده للنظام، وبشكل فظ، وعمر السومة الذي تشكر الأسد على دعم المنتخب وتمنى لو لم يكن لاعبا أن يكون ضابطا في الجيش، وكذلك فراس الخطيب، الذي شكر راعي الرياضة والرياضيين أبرز مثالين على ذلك. وهذا دليل على أن النظام يريد أن يذكر الجميع بأن لا مستقبل رياضيا أمام أحد، مالم يكن موقفه السياسي موافقا له. فاستثنى بذلك مشاركة الساروت حارس منتخب شباب سوريا، وخربطلي وجهاد الحسين الذي رفض الانضمام إلى المنتخب.

هناك العشرات من المعتقلين الرياضيين في سجون الأسد، لم ينبس زملاؤهم في المنتخب عنهم ببنت شفة. كجهاد قصاب الذي توالت أنباء غير مؤكدة عن وفاته في المعتقل، وطارق عبد الحق. كما ذكرت مؤسسات حقوقية عن مقتل نحو مائتين وخمسين رياضيا بسبب قصف النظام أو تعذيبهم حتى الموت، 36 من هؤلاء كانوا يلعبون في أندية الدرجة الأولى، بحسب تحقيق ل ESPN.

إذا ما أردنا تجاهل كل هذه العوامل الأخلاقية، مازال هناك جانب سياسي، فالرياضة يمكن استخدامها من قبل الأنظمة الاستبدادية في السياسة كنوع من البروباغاندا. وهي مفيدة جدا في محاولة خلط المشاعر إزاء موقف سياسي. فالمؤيد للنظام سيشجع المنتخب بأية حال، أما المعارض فسيجد نفسه يريد سببا ليشجع منتخبا يلعب باسم بلاده، وينسى فكرة أن النظام، والاتحاد الرياضي، ومدربي الفريق، واللاعبين، صرحوا جميعهم بأنهم يلعبون لرفعة اسم الأسد. ويحاول أن يبني صورة ذهنية أن ذلك قد يكون سببا للتلاقي وبناء وطن بعيدا عن السياسة.

وقد يكون الجواب متوفرا في أبرز مثال على استخدام الرياضة في البروباغاندا السياسية: أولمبياد برلين عام 1936، الذي استخدمه هتلر ليجعل ألمانيا تبدو قوية وموحدة، ولاستمالة الشباب وتلميع نظرية "العرق الآري" المتفوق على جميع الأعراق الأخرى. يقول البعض إن التاريخ كان سيسجل أن ألمانيا هي انتصرت في ذلك الأولمبياد بحصدها أكبر عدد من الميداليات، لكن انتصار ألمانيا النازية في الأولمبياد ساهم في تسويق فكرة تفوق العرق الآري.. وأدى إلى خسارة ألمانيا، بحجرها وبشرها، عام 1945. في الحقيقة لا يمكن أن يذكر أولمبياد برلين دون ذكر اسم هتلر.. ولا يمكن أن نذكر منتخب سوريا.. دون أن نذكر الأسد.

المصدر: مدونات الجزيرة الكاتب: محمود الكن
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ