نهاد.. المشنوق بحبل حزب الله
نهاد.. المشنوق بحبل حزب الله
● مقالات رأي ١٧ ديسمبر ٢٠١٦

نهاد.. المشنوق بحبل حزب الله

منذ البداية قالت الثورة السورية لكل محبيها ومعاديها ومحايديها أن النيران التي اشتعلت داخل جدران البيت السوري لن تبقى حبيسة الحدود السورية, وأن امتداداتها ومآلاتها وكل من يعمل على تأجيجها وعدم نصرة الشعب السوري الحر سيناله نصيباً من مآسيها, وأن الجميع إن لم يكن عاملاً يوقف القتل عن الشعب السوري فإنه سيحترق بتشظيها وأكثر من تهددهم نيرانها هم جيرانها.

المتابع للشأن اللبناني يدرك أن سياسة "النأي بالنفس" التي طرحتها الحكومات اللبنانية المتعاقبة كانت شعاراً أكثر مما هي تطبيقاً في السياسة الداخلية والخارجية وعلى كامل مدار سنوات الثورة السورية.

فالعلاقة التي تربط لبنان بسورية هي أكثر من علاقات اقتصادية أو علاقات دبلوماسية أو حتى علاقات بلدان متجاورة بالحدود, وعلى مر التاريخ القريب والبعيد للبلدين كان الشأن اللبناني في خضم السياسة السورية والعكس أيضاً صحيح.

السفير الأسدي في لبنان "علي عبد الكريم" الذي يٌفترض أنه يقوم بمهام التمثيل الدبلوماسي لمصالح السوريين في بيروت كما تقتضي الوظيفة الموكلة إليه, لكن واقع الحال يقول أنه أضاف مهاماً أخرى لمكاتب سفارته تمثلت بمهام أمنية وملء الفراغ الذي كانت تشغله الشخصيات الأكثر تأثيراً في الشأن الداخلي اللبناني أيام الاحتلال السوري من أمثال اللواء "غازي كنعان" واللواء "رستم غزالة" مع كامل الطابور الأمني الذي تحكم بحياة اللبنانيين على مدار عقود من الزمن, وبعد طراد النظام السوري من "لبنان" يبدو أن هناك شخصيات من النظام الأمني السوري (أمثال اللواء علي مملوك) استطاعت أن تعيد بناء شبكة مصالح مع شخصيات لبنانية كي تضمن بقاء القرار اللبناني في الحضن السوري, تلك الشخصيات اللبنانية التي اعتادت أن تبقى تابعة ومن مخلفات نظام "الأسد" واعتادت أن تعيش بعبودية لعصابة "الأسد" ولتثبت مقولة: أن السماء لو أمطرت حرية لحمل العبيد المظلات.

وعبر متابعة مفاصل الثورة السورية للشأن اللبناني وفي محاولة لبناء جسر من الترابط مع الشعب اللبناني برزت قناعات من أن هناك اختراقاً أمنياً  كبيراً لبعض أعضاء تيار المستقبل من قبل الأمن "الأسدي" ومن قبل أعداء الشعب السوري في لبنان المتمثلين بحزب الله اللبناني والحزب القومي السوري أو حزب التوحيد لوئام وهاب أو التيار الوطني أو أذناب فرع حزب البعث في لبنان إضافة إلى تيار المردة, وتلك الأحزاب والتيارات لا تشغل بال المواطن السوري طالما اعتاد عليها كتوابع وأذناب لسياسة نظام "الأسد" على مر العقود في السيطرة على الشارع اللبناني وفي تمرير سياسات إيران في المنطقة.

لكن ما دخل في حيز الاستغراب أن يكون هناك وزير الداخلية "نهاد المشنوق" التابع لتيار المستقبل من حيث توزيع المحاصصة والتمثيل السياسي الذي يحكم تركيبة نظام الحكم في لبنان, والاستغراب الأكبر كان من خلال سياسة وزارة الداخلية اللبنانية التي اتضح أنها تعاني من انحراف كبير في مسيرة ونهج وطريقة تعاملها وبناءً على تعليمات الوزير وبما يخالف التوجهات السياسية لتيار المستقبل بزعامة سعد رفيق الحريري وبما يتعارض مع سياسة النأي بالنفس التي اعتمدها لبنان وبما يخالف كل التوقعات بأن تكون تلك الوزارة المحسوبة على تيار المستقبل قد أصبحت تكن العداء للثورة السورية وتضيق على اللاجئين والناشطين السوريين بل وأصبحت أحد أهم أركان "حزب الله" في الشارع اللبناني وفي تطبيق سياسة الحزب الأمنية وكأنها أصبحت أحد مكاتب إيران في لبنان.

بعض الشخصيات اللبنانية لم تٌبدِ أي استغراب بسياسة وتصريحات وعمل وزارة الداخلية في لبنان, وهم يعتبرون على حد قولهم أن الوزير "المشنوق" بحكم المنشق عن سياسة تيار المستقبل منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وأنه ساهم بوقف الكثير من الإجراءات التي تخص المحكمة الدولية وأنه تماهى لحد التطابق مع سياسة حزب الله المعادية والمعاكسة لتوجهات تيار الرئيس "سعد الحريري", وهذا الأمر كان مسار نقاش داخلي لدى كوادر المعارضة السورية ومؤسساتها الثورية التي شعرت بالغضب نتيجة ممارسات المشنوق ووزارته والتي وصلت لحد التضييق الأمني (المقصود) على نشاطات الثورة في لبنان وعلى الناشطين السوريين وأطراف المعارضة السورية خلال الأعوام الثلاث لتسلم المشنوق مهامه كوزيراً للداخلية في لبنان, وعدم قدرة أي هيئة معارضة معترف بها دولياً من افتتاح تمثيل لها في "بيروت" وخاصة فيما يتعلق بمكاتب الإغاثة أو مكاتب لمتابعة شأن أكثر من مليون ونصف سوري لاجئ في لبنان لقناعة مطلقة وصلت إليها المعارضة السورية من أن الداخلية اللبنانية لن تكون المدافعة أو الحامية لتجاوزات حزب الله (المتوقعة) على تلك المكاتب في كامل أراضي لبنان.

من خلال المتابعة يظهر للعلن مدى التورط الذي تعاني منه الداخلية اللبنانية وبتعليمات من الوزير "مشنوق", فالنشطاء السوريين الذين كانوا يتدافعون للاشتراك بأي فعالية ينظمها تيار (14 آذار) فضلوا الانزواء والابتعاد لعلمهم المسبق بتعليمات صدرت من "الداخلية" للتعامل بقسوة وخارج القانون مع أي سوري يتم ضبطه ضمن تلك الفعاليات وخدمة لمشغليه من "حزب الله" وضباط الأمن "الأسدي", بل زاد الأمر عن ذلك من خلال تسهيل الداخلية اللبنانية وبغطاء من حزب الله لشبيحة "الأسد" الذين أصبحوا يصولون ويجولون داخل شوارع لبنان وبأسلحة فردية يحملونها ويحاولون بها استفزاز أي سوري يعرفون أنه ينتمي للمعارضة السورية أو حتى لاجئ داخل الأراضي اللبنانية, إضافة إلى عشرات بل مئات المعتقلين في سجون الداخلية اللبنانية ومخابرات الجيش وبتهم أقل ما يقال عنها أنها خلبيه غايتها فقط التضييق على كل معارضين نظام "الأسد".

كل المعطيات التي توافرت لأطراف المعارضة وبكل مكاتبها تدلل وبما لا يدع مجالاً للشك أن هناك اجتماعات حصلت بين الوزير "مشنوق" وبين اللواء "علي مملوك" مدير مكتب الأمن القومي في نظام "الأسد" وصاحب السلطات الواسعة وأن هناك تنسيق عالي المستوى حصل بين الأمن "الأسدي" والوزير "مشنوق" بما يخص تبادل المعلومات ومعطيات حول تحركات وعمل المعارضة السورية أو بمراقبة تحركات الناشطين السياسيين السوريين على الأراضي اللبنانية وتنسيق عمل الخلايا الأمنية "الأسدية" داخل لبنان, والمعلومات التي أكدتها جهات مختلفة لأطراف من المعارضة السورية أن خدمات الوزير "المشنوق" للأمن "الأسدي" وصلت لحد تأمين سيالة معلومات (داتا معلومات) وتقارير تخص مراقبة تيارات وحركات سياسية وأحزاب وقيادات لبنانية مساندة للثورة السورية ومعادية لنظام "دمشق" وإرسالها لمكاتب المخابرات "الأسدية" في لبنان وفي سورية.

ما رشح من دوائر مطلعة دللت عن وساطة للمخابرات المصرية والتي ترتبط بعلاقات وثيقة مع اللواء " علي مملوك" ساهمت بتامين لقاءات (مباشرة وغير مباشرة) بين الوزير مشنوق وبين جهاز الأمن "الأسدي" جرت في القاهرة, في البداية تمت بين المشنوق والعميد في مكتب الأمن القومي سامر بريدي، والذي يعتبر اليد اليمنى للمملوك ثم توالت اللقاءات لتجمع "مملوك" بالـ"مشنوق", وهذا الأمر لم يفاجئ العارفين بنهج الوزير "مشنوق" الذي استهل عمله باستقبال القيادي الأمني في حزب الله الحاج "وفيق صفا" وبحضوره لاجتماعات أمنية رسمية مما أثار الاستياء الشديد في صفوف تيار المستقبل الشعبية لتأتي بعدها عدة تصرفات منفردة من "المشنوق" غردت خارج سرب السنة في لبنان وخارج توجهات وسياسة جمهور المستقبل سواءً كان بالترشيح المبكر للجنرال "عون" لرئاسة الجمهورية أو عبر متابعة جلسات الحوار مع "حزب الله" لدرجة أن البعض أصبح يعتبره وزيراً لحزب الله وليس لتيار المستقبل.

طعن الوزير "نهاد المشنوق" بحاضنته السنية وبتيار المستقبل ليس بجديداً على سياسته, فقد أعلن يوماً أنه ينتمي للـ"حالة الحريرية" وليس لتيار المستقبل, واستقالته من وزارة العدل كانت طعنة مفاجئة أيضاً خصوصاً أنها أتت دون تنسيق مع الرئيس "الحريري" وعلى أنقاض رفض الوزير "مشنوق" لإحالة ملف "ميشال سماحة" إلى المجلس العدلي وهو (سماحة) المدان بإدخال عشرات العبوات والمتفجرات من مكتب "علي مملوك" عبر الحدود إلى "بيروت" للقيام بعمليات اغتيال وتخريب ومن ثم الإفراج عنه لفترة قصيرة قبل أن يٌعاد سجنه لعشر سنوات تحت ضغط الحالة الشعبية.

من المؤكد أن السياسي الناجح لا يبني علاقاته على طفرات عابرة قد تزول, ومن المؤكد أن الرؤى السياسية أكثر ما تعتمد على الحالة الشعبية والاستقراء السياسي الصحيح لمآلات المستقبل, لكن من المؤكد أيضاً أن الوزير "نهاد مشنوق" لم يقرأ التاريخ جيداً وهو الحاصل على دبلوم الدراسات السياسية والذي بدأ الكتابة الصحافية في منتصف السبعينات في صحيفة "بيروت المساء" التي أسسها الراحل عبد الله المشنوق، ثم عمل في مجلة "الحوادث" الأسبوعية والكثير من الصحف وتخصص في قضايا الصراع العربي الإسرائيلي، وكان له علاقات وثيقة بالقيادات الفلسطينية وغيرها من القيادات العربية.

لقد كان على الوزير "مشنوق" ألا يمثل حالة استمرار للوصاية الأسدية على الشعب اللبناني وأن يحترم قدسية الدماء اللبنانية التي سالت في شوارع بيروت وطرابلس وصيدا والجبل وقصر بعبدا على يد عصابات "الأسد" أيام الاحتلال السوري للبنان, وكان عليه قبل أن يتموضع في حضن اللواء "مملوك", أن يعلم أيضاً أن مصير الحكومات الأمنية والديكتاتوريات إلى زوال, وأن البقاء أبداً ودائماً هو للشعوب.

التاريخ لن يرحم المتآمرين ومحكمة السماء لن تغفر لهؤلاء إن غابت محكمة الأرض, والشعب السوري الذي يٌكن كل التقدير والاحترام لكل مواطن لبناني أو عربي وغيرهم ممن يقفون إلى جانب قضيته لن يتسامح أيضاً مع عبيد ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أدوات قتل واضطهاد خدمة لأجندات "أسدية" سلطوية إجرامية.

الكاتب: العميد أحمد رحال
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ