«حزب الله» إذ يرهّب جمهوره
«حزب الله» إذ يرهّب جمهوره
● مقالات رأي ٣٠ أكتوبر ٢٠١٧

«حزب الله» إذ يرهّب جمهوره

غلب الترغيب على علاقة حزب الله اللبناني مع بيئته الشيعية، لاستدراج أبنائها، خصوصاً القاطنين في الأطراف، ضحايا وقرابين، لمشاريع إقليمية تديرها ولاية الفقيه في إيران، توسعاً ونفوذاً واستيطاناً، لتعميق الخراب في سوريا والعراق واليمن. والترغيب، إذ تمثل في منظومة خدمية مؤسساتية تشمل كافة مناحي الحياة، وتستوعب أكبر عدد من أبناء الطائفة، كثمن مدفوع مسبق لموتهم المحتمل، انطوى كذلك، على فساد وتأمين الخارجين عن الدولة، بتدرج مستوياتهم، بدءا من المخالفات البسيطة، وصولاً إلى تجارة المخدرات وعصابات الخطف.

وإذا كان الجانب المؤسساتي قليل التعرض للضعف، بحكم الأموال التي تضخ للحزب من إيران، فإن الفساد، شديد الهشاشة والانفضاح بحكم ارتباطه بما هو أهلي وأيضاً، بعلاقة الحزب مع الدولة، فهو عادة ما يرشي الأخيرة بمنحها سيادة مؤقتة تتسبب بانفجارات اجتماعية. وهذا ما حصل الأسبوع الماضي في حي السلم وسط الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل «حزب الله»، إذ اقتحمت القوى الأمنية فجراً المكان وأزالت «أكشاك» تجارية مخالفة، ما ولّد «ثورة» من قبل المتضررين، ترجمت غضباً وحرقاً وشتائم، نالت من أمين عام الحزب حسن نصر الله. وزاد من أثر الحدث، توثيقه تلفزيونياً، واختلاط النقد بين المعيشي والأخلاقي والسياسي، فقد اعترض أحدهم على إرسال الشباب الشيعة للقتال في سوريا، فيما تجرأت امرأة على فضح بعض قيادات الحزب، الذين يرهنون مساعدتهم للنساء المحتاجات بعقود متعة.

تصدّع صورة الحزب التي جرت على الهواء مباشرة، ومن داخله هذه المرة، وشاهدها معظم اللبنانيين، وتسربت على مواقع التواصل، مقاطع فيديو قصيرة لتصل إلى عموم العالم العربي، لاسيما الناقم على «المقاومة»، حرّضت لدى قيادة الأخيرة نازع الترهيب، لاستعادة ما فقد من معنى وهيبة. فسارع النائب عن الحزب في البرلمان والمعروف براديكاليته في الدفاع عن «الشيعية السياسية»، علي عمار إلى استرداد «هالة» نصر الله التي مرّغها المستاؤون من تضرر مصالحهم، رافعاً إياه إلى مصاف القديسين، مستعيداً حادثة تقبيله حذاء «السيد» حيث شعر بالخروج من «الناسوت» والدخول إلى «الملكوت»، كما قال.

وإن صح أن تأليه أمين عام الحزب ليس جديداً على الماكينة السياسية والإعلامية للحزب، فإن رابط ما بين كلام عمار، وحادثة حي السلم يرتسم بوضوح ليحدد مسار الترهيب الذي أعلنته «المقاومة» ضد جمهورها. فقد أراد النائب أن يوصل رسالة إلى الأهالي «المنتفضين» بأن غضبهم ممنوع تصريفه ضد «السيد» القابع في «الملكوت»، فذاك كفر، والكفر يستوجب العقاب.

وبعد ساعات قليلة على كلام عمار الذي يعيد تثبيت صورة نصر الله بوصفه أعلى درجة من البشر، خرج الذين قادوا حملة الشتم والاستياء ضد الحزب وأمينه العام ليعلنوا توبتهم، في إخراج تلفزيوني لا يقل رداءة عن ذاك الذي نراه على شاشات التلفزة البعثية في سوريا الأسد. بأصوات مبحوحة ومنكسرة وبروح ذليلة، قدموا جميعها اعتذارهم لـ»السيد» متلمسين العذر منه. ولتكتمل دائرة الترهيب، سُرب على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو تعذيب لشاب يدعى جعفر، متهم بإهانة أحد رموز الشيعة (السيدة زينب). الشاب العشريني صفع وضرب وأهين، وأجبر على الغناء والرقص وهو معصوب العينين. الفيديو الذي قيل إن تصويره تم عام 2014 داخل أحد مراكز «حزب الله»، لا يدل توقيت إخراجه إلى العلن سوى أن «المقاومة» أرادت أن تظهر لجمهورها، كيف يكون عقاب من يهين الرموز، وزينب هنا معادل لحسن نصر الله.

هكذا أصلح الحزب صورة أمينه العام، عبر كلام علي عمار، ثم أخضع المتطاولين عليه بإعادة صياغة تصريحاتهم، ليصار أخيراً إلى كشف عقاب من يكرر الفعلة عبر شريط فيديو مقزز.

صحيح أن مراحل صناعة الترهيب هذه، لا تغير شيئاً في علاقة الحزب بجمهوره، الذي ينظر إلى حسن نصر الله كأب إذا أراد، فمن حقه أن يعاقب، لكن في السياسة، يأتي ما حصل في توقيت خاص. إذ إن الحزب سيصبح قريباً في مواجهة فراغ وظيفته. فالإرهاب الذي صاغت «المقاومة»، مؤخراً، دورها على وقع محاربته، انتهى في لبنان بعد معارك الجرود، ويكاد ينتهي في سوريا والعراق. أما الداخل، الذي لجأ إليها الحزب في السابق، بعد الهدنة الصامدة مع إسرائيل، متفرغاً للاغتيالات، فمضبوط بتسوية محلية، وبقرار دولي بعدم التوتير، ما يعني أن الحزب سيعاني من العطالة مجدداً، ولن يجد بسهولة، معنى لوجوده. هذا ما سيعزز ارتفاع مستوى الترهيب من قبل «المقاومة» ضد جمهورها، وسيعزز أيضاً، وهو الأهم، إعادة النظر بصورة الأب لدى جمهور الحزب، ألم يكن من ألقاب حافظ الأسد «الأب القائد»؟

المصدر: القدس العربي الكاتب: إيلي عبدو
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ