2014 عربيّاً.. تسويات وتناحر
2014 عربيّاً.. تسويات وتناحر
● مقالات رأي ٢٧ ديسمبر ٢٠١٤

2014 عربيّاً.. تسويات وتناحر

امتاز سواد العام 2014، الموشك على الانصراف، باندفاع الصراعات في منطقتنا نحو حدود قصوى، كما تجلّى ذلك بظهور داعش بقوة، واقترافها فظائع مفرطة في وحشيتها، وقيام حملة عسكرية دولية إقليمية جوية ضد مواقع هذا التنظيم في العراق وسورية، وذلك بعد أن برز هذا التنظيم قوة عسكرية منظمة ومحترفة لا يُستهان بها، مع مضيّ النظام الحاكم في دمشق في إبادة شعبه بالبراميل المتفجرة والغازات السامة.
في ليبيا، اندلعت مواجهات طاحنة بين ميليشيات إسلامية وقوات اللواء خليفة حفتر، العائد من التقاعد، وترافق ذلك مع بروز ازدواجية سلطة وتشريع في بلد عمر المختار. مع استمرار أعمال العنف في العراق على أيدي الميليشيات المتطرفة الشيعية (القريبة من الحكم) والسنّية المتطرفة، وبعضها تتبع القاعدة.
في الأراضي المحتلة، استشرت مخاطر تهديد المسجد الأقصى في القدس، مع استمرار التغوّل الاستيطاني في عموم الأرض الفلسطينية المحتلة.
وفي السودان، تواصلت المواجهات بين الحكم القائم في دولة جنوب السودان ومتمردين انشقوا عن الحكم، إضافة إلى مواجهات مع الجيش السوداني، فيما الانغلاق السياسي ظل على حاله في هذا البلد.
في اليمن، اندفعت جماعة الحوثيين، بدعم من إيران، بالاستيلاء على السلطة، مع امتناع القوات المسلحة اليمنية عن الرد، في ظاهرة لا سابق لها في اليمن السعيد.

"أقرب النماذج المرشحة للمزاوجة بين السعي إلى حل سياسي وآخر عسكري هي سورية "

وفي لبنان، ساد التوتر السياسي والأمني الشديد مناطق مختلفة في لبنان، وبالذات في طرابلس في الشمال، وفي شرق بلاد الأرز، فيما اشتدت المواجهات في بلدة عرسال على الحدود اللبنانية ـ السورية، واقتحمت مجموعة من جبهة النصرة، قادمة من الأراضي السورية، هذه البلدة التي تؤوي سكاناً من المسلمين السنّة ونازحين سوريين، وانسحبت القوات المهاجمة، بعد أن اختطفت جنوداً لبنانيين، وما زالت تختطفهم بعد أن أقدمت على قتل أحدهم، على خلفية رفض السلطات اللبنانية الإفراج عن معتقلين سلفيين، بينهم نساء. وقد ترافق ذلك مع توتر سياسي تبدّى في الحؤول دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية، من طرف مجلس النواب المُمدّد له، خلفاً للرئيس السابق، ميشال سليمان، الذي رفض الاستجابة لمطالبات بالتمديد له، ولو لسنة واحدة.
فيما امتاز هذا العام بذلك، وبسواه من مظاهر العنف الدموي العاري، فإنه، ومع اقتراب العام من نهايته، بدأت تلوح بعض مظاهر الانفراج والمصالحة، هنا وهناك. وأبرز المصالحات هي التي تمت في البيت العربي الخليجي، مع عودة سفراء السعودية والإمارات والبحرين إلى الدوحة، والتحسن المطرد في العلاقات السعودية ـ القطرية، وصولاً إلى وضع حد للقطيعة بين القاهرة والدوحة، تمثلت بتوجه موفد قطري، برفقة مسؤول سعودي، إلى القاهرة، واستقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي لهما. أجواء المصالحة أشاعت ارتياحاً كبيراً، نظراً لما يمثله تماسك مجلس التعاون الخليجي من أهمية فائقة على الأمن الجماعي العربي، وذلك لكون المجلس يمثل كتلة اقتصادية عربية كبرى، كما يعتبر هذه المجلس المؤسسة العربية الجماعية الوحيدة التي أثبتت فاعليتها، وقد لوحظ أن بعض اجتماعاتها ضمت مسؤولين من المغرب والأردن، بما يعزز انفتاح هذه المؤسسة على المشرق والمغرب العربيين. وليس من المغالاة القول إن تماسك مجلس التعاون الخليجي وديناميته قد عوّضا، بعض تعويض، انحسار دور جامعة الدول العربية، وما لحق بها من انكفاء ملحوظ في هذا العام الذي شهد إتمام المصالحة الفلسطينية بين حركتي حماس وفتح، وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة رامي الحمد الله، ومواصلة الاستعدادات لاستلام السلطة معبر رفح الدولي. وعلى الرغم من أن الأجواء لم تنقشع كلياً بين الحركتين الكبيرتين، وما زالت العلاقة بينهما تكتنفها الشكوك المتبادلة، وبعض الحوادث، كاستهداف منازل عدة مسؤولين لحركة فتح في غزة في يوم واحد في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلا أن المصالحة وضعت حداً للانقسام المؤسساتي، وازدواجية المؤسسة على المستويات العليا، إلا أن الازدواجية ظلت قائمة على مستوى الأجهزة الأمنية التي تقودها حماس في غزة، وفتح في الضفة الغربية.
في لبنان، استؤنف الحوار، في الأسبوع الأخير من هذا العام، بين تيار المستقبل وحزب الله، وهما القوتان السياسيتان المسلمتان، ولكل منهما كتلة نيابية كبيرة. كما استؤنف الحوار ضمن الصف المسيحي بين التيار الوطني الحر، برئاسة ميشال عون، والقوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع. بما يؤذن بعودة أجواء حوارية خلال العام المقبل، تسمح بانتخاب رئيس توافقي.
أفق العام 2015، الذي يهلّ الخميس المقبل، وبالنظر إلى المقدمات التي رست، في الأسابيع الأخيرة، يثير توقعات قوية بأن تتسع موجة الانفراج، ولكن، جنباً إلى جنب، مع استمرار حال التوتر الشديد. وأقرب النماذج المرشحة للمزاوجة بين السعي إلى حل سياسي وآخر عسكري هي سورية، فموسكو حريصة على بلوغ حل سياسي ما، تفادياً لأن تتسع حملة التحالف الدولي، وتشمل مواقع للنظام ومرافق له، ولأسباب أخرى، تتعلق بارتفاع كلفة دعم موسكو للنظام القائم الذي يشهد استنزافاً على غير صعيد كل يوم، والحاجة إلى منح النظام شرعية، وفرصة للبقاء من خلال مفاوضات مع قوى معارضة. والراجح أن المعارضة، ممثلة بالائتلاف والقيادات العسكرية، سوف ترفض رعاية روسية حصرية للمفاوضات، أو أن تجري المفاوضات في موسكو، أو التخلي عن مرجعية جنيف 1 و2، علماً أن المحاذير الروسية تشمل طهران وميليشياتها التي تدرك أنها إزاء حرب استنزاف يومية على الأرض السورية، بما يجعلها تنفتح على حل سياسي، يتم فيه إقصاء بعض وجوه النظام مع الإبقاء على النظام نفسه، تحت عنوان الحرص على بقاء الدولة ومؤسساتها. على أن ذلك لن يوقف دورة العنف، ومن مظاهره الاحتمال الكبير بأن تتحول الرقة، مركز داعش، إلى كوباني أخرى، تتعرض إلى قصف يومي لإخراج التنظيم منها.
وفي العراق، تقترب معركة الموصل، ومن المنتظر أن تندلع في الأسابيع الأولى من العام، لطرد داعش منها، بما يعيد هذا التنظيم إلى مناطق تمركزه الأولى في بلاد الرافدين.
وفي ليبيا، فإن دول الجوار الليبي مرشحة لمزيد من التدخل في الوضع الليبي الذي لا يني يتدهور، فيما تبرز مخاوف من ظهور القاعدة، وحتى داعش بصورة أوضح في هذا البلد، ما يفتح الأبواب أمام فرص تسويات داخلية في النصف الثاني من العام المقبل، وربما مع وساطات لأطراف عربية وإسلامية، ليست من دول الجوار.
وفيما تثور مخاوف من احتكاكات وتعديات يقوم بها ولاة الأمر الواقع الجدد في اليمن، تطاول أراضٍ سعودية، واستخدام هذه التعديات وسيلة ضغط على الرياض، لمساومتها في ملفات إقليمية، أبرزها الملف السوري، وبدرجة أقل الملف اللبناني، غير أن التكاتف الإقليمي والدولي مع الرياض، والمتاعب التي يعانها الحوثيون في الداخل اليمني، نتيجة رفض القبائل سلطتهم غير الشرعية، سوف يحِدّ من جموح هؤلاء للعب أوراق لمصلحة الغير.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: محمود الريماوي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ