3 خيارات أمام الأسد بعد الضربة الأميركية
3 خيارات أمام الأسد بعد الضربة الأميركية
● مقالات رأي ١٣ أبريل ٢٠١٧

3 خيارات أمام الأسد بعد الضربة الأميركية

حاول النظام السوري توجيه الأنظار إلى محدودية التدمير الذي أصاب مطار الشعيرات بفعل صواريخ «التوماهوك» الأميركية، من خلال سرعة استخدامه المطار نفسه في عملياته العسكرية ضد المدن المحيطة به، وإسقاط ما استطاع من ضحايا بشرية فيها، مع تخريب عمرانها، إعلاناً منه بأن تلك الضربة العقابية لم تنجز مفاعيلها المتوقّعة شعبياً، بكف يده عن مزيد من القتل والتدمير في سورية، إلا أن ذلك لم يوقف استمرار تعاظم مفاعيل الضربة معنوياً داخل دهاليز النظام وخارجه.

لقد أحدثت الضربة الأميركية للمطار، فجر يوم الجمعة في 7 الشهر الجاري، اضطراباً عارماً في التعامل الدولي مع الصراع في سورية، إذ استطاعت من خلال 59 صاروخاً قلب موازين القوى، وتغيير المعادلات الصراعية السائدة، وتصليب مواقف بعض الدول المترددة في موقفها من نظام الأسد، وزعزعة مواقع صداقاتها مع روسيا أيضاً. هكذا عاد الحديث مجدداً عن أولوية إبعاد الأسد يتردد في الأروقة الدولية، وفي الخطط المستقبلية للعملية التفاوضية، التي ينتظر منها أن تكون عاملاً حاسماً في بلورة الانتقال السياسي من نظام بشار الأسد إلى نظام جديد، يختلف الفاعلون في الصراع على تسميته وتحديد معالمه حتى اليوم.

مع ذلك فإن افتراق المصالح الروسية- الأميركية، بسبب تلك العملية، لم يحصل، بحسب التصريحات الروسية، إذ اقتصر الأمر على مجرد تجاذبات إعلامية ودبلوماسية، هي بمثابة ردة فعل طبيعية من موسكو، التي رأت في الضربة نوعاً من هز للهيبة التي ادعتها، وانتقاصاً من مشروعية دورها في سورية، وضربة كبيرة لمحاولاتها ترويج صناعة السلاح الروسية، التي كانت اعتبرت أن وجودها في قلب الصراع العسكري داخل الأراضي السورية يشكل فرصة دعائية لها.

أما الإدارة الأميركية، فهي من جهتها وضعت حجم الخلاف مع الجانب الروسي، الذي أحدثته الضربة، ضمن حدود ضيقة تسمح لوزير خارجيتها ريكس تيلرسون بمتابعة الحديث لدى لقائه نظيره سيرغي لافروف، عن الأولويات الثلاث الجديدة التي أضحت إدارة ترامب تنتهجها، وهي: أولاً، دحر «داعش» وإبعادها من الوصول إلى «الخلافة» لأنها تشكل الخطر الأكبر، بحسب تصريحات تيلرسون. ثانياً، تحجيم نفوذ إيران ودورها في المنطقة. ثالثاً، التوصل إلى وقف إطلاق النار بين قوات نظام الأسد والمعارضة السورية، حيث مصير الأسد يحدده الشعب السوري.

وبما أن ملف مكافحة الإرهاب هو على رأس جدول أولويات ترامب ومن يدور في فلكه من دول عربية وغربية، فإن الحديث عن خلاف أميركي روسي ربما لا يعدو كونه للتداول الإعلامي فحسب، فروسيا مهمة في هذه الحرب، حتى عندما يشار إلى إمكان أن تكون قوات النظام السوري طرفاً فيها، فالمقصود هو وجود الطرف الروسي كضامن لهذه القوات والذي يوفر لها أيضا الغطاء الجوي اللازم، وخاصة من محور دير الزور حسب الترويج الروسي لهذا السيناريو المقترح. وعليه فالحرص الروسي على ديمومة العلاقة ولو كانت متأرجحة مع أميركا أكبر بكثير من التصور الذي يضخمه الإعلام ويضعه بمثابة الحرب على الوجود الروسي في سورية.

وعلى الضفة المقابلة فإن الولايات المتحدة لا تمضي قدماً في إعلان روسيا هدفاً لها في سورية، إذ أكدت ذلك أكثر من مرة، سواء بإعلامها بموعد الضربة على مطار الشعيرات، أو بحرصها على عدم التصادم مع روسيا في الأجواء السورية. أيضاً، هناك مصلحة مشتركة تجمع الطرفين، في الأهداف التي أعلنت عنها الإدارة الأميركية في ما يتعلق بتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة ومحاصرته وتقطيع أوصاله في العواصم التي امتد إليها في العراق واليمن ولبنان وسورية، وتتقاطع هذه المصلحة مع مصالح عربية وأوروبية، تجعل الولايات المتحدة تمارس دور الوسيط أحياناً في تقريب وجهات النظر الغربية- الروسية لإنتاج صفقة شاملة تعيد الإدارة الأميركية من خلالها تموضع الدول على الخريطة الدولية، وتحقق في الوقت ذاته دفعة باتجاه العودة من جديد لإنتاج وقف إطلاق نار شامل (آستانة جديدة)، ربما، ولكن على الطريقة الأميركية هذه المرة.

كل ما تقدم يضع النظام السوري أمام تحولات في واقع الصراع، وهو الذي انصبّ جهده، طوال الفترة الماضية، على عرقلة تنفيذ اتفاق وقف العمليات القتالية، الذي وضعت بنوده حليفته موسكو، وأوجدت من خلاله ثغرات كثيرة، استطاع النظام عبرها توسيع مساحات سيطرته على المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة المسلحة، كما تابع عمليات التهجير القسري والتغيير الديموغرافي، لضمان خط طريق صديق له في ما يسمى «سورية المفيدة»، والتي عمل مع إيران وميليشياتها على تنفيذها، وفي الوقت ذاته استخدم مفاوضات جنيف لكسب الوقت، وصرف الأنظار عن عملية الانتقال السياسي إلى محاربة الإرهاب.

بيد أن النظام اليوم، وعلى رغم الصمت على عنفه ضد المدن السورية، الذي مارسه بعد الضربة الأميركية، يقف أمام خيارات محدودة، أهمها:

1- المضي قدماً مع إيران في حربهما، وهو الأمر الذي يفقده حليفه الأهم، أي روسيا، التي لن ترغب في دخول مواجهة مع الولايات المتحدة ومعها أوروبا، حيث أنها أساساً دخلتها لفرض تفاهمات مع هذه الدول، تمكنها من حلحلة أو رفع العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة عليها، على خلفية قضية أوكرانيا، ومن ضمنها مشكلة طريق الغاز وأسعار النفط، والدرع الصاروخية، بحيث تعيد بذلك موقعها كقطب مقابل ولو بحدود أقل مما كانت عليه خلال الحرب الباردة.

2- الرضوخ للإرادة الدولية والمضي قدماً في عملية تفاوضية تحقّق الانتقال السياسي، الذي يضمن جملة من المصالح الدولية والإقليمية، وخاصة ما يتعلق بالحدود مع إسرائيل وأمنها القومي، الذي ترعاه كل الدول الداخلة في الصراع على سورية، وهو الأمر الذي تهرب منه النظام خلال السنوات الست الماضية.

3- الحفاظ على الواقع القائم، من خلال محاولة شراء الوقت، والتملص من الاستحقاقات المفروضة على النظام، على ما جرى في مسارات مفاوضات جنيف، بانتظار تغيير المعادلات القائمة، لكن ذلك سيبقى محفوفاً بالمخاطر، خصوصاً إذا حسمت الإدارة الأميركية أمرها.

هكذا، فإن الخيارات المطروحة لا تعطي النظام السوري فرصاً كبيرة في الحفاظ على وجوده مع كامل أركانه، ما يجعل رأس النظام اليوم، يعيش حالة قلق غير مسبوقة، إذ تهدد أي فرصة تقارب بين الإدارة الأميركية وروسيا، بالتعاون مع دول أوروبا، بإنتاج حل حقيقي وقريب للصراع في سورية، يحول دون استمرار الأسد جزءاً من الحل، كما كان ينتظر من التصريحات الأميركية السابقة، التي سمحت بتأجيل البتّ في الحديث عن مصيره إلى ما بعد وقف القتال بين قواته والمعارضة، وترك الأمر للشعب السوري، الذي لم يعد هو نفسه عدداً وتموضعاً، كما كان خلال سنوات الثورة الأولى، حيث قتل منه ما يقرب من نصف مليون وشرد نحو نصفه ودمرت معظم مدنه ولا يزال المجتمع الدولي يتذرع بإرادة هذا الشعب ذاته، الذي يعاني من الكارثة التي تسبب فيها استمرار النظام أو السماح باستمراره.

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: سميرة المسالمة
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ