«الكيماوي» ليس القاتل الوحيد للسوريين
«الكيماوي» ليس القاتل الوحيد للسوريين
● مقالات رأي ١٤ أبريل ٢٠١٨

«الكيماوي» ليس القاتل الوحيد للسوريين

سبق أن واجه العالم الوضع الذي يواجهه الآن بعد «كيماوي دوما» أكثر من مرة، على مدى الأعوام السبعة التي مرت على المجزرة السورية. وفي أكثر من مناسبة تداعت الحكومات الغربية لتدرس رد فعلها على ارتكابات نظام بشار الأسد. وطالما رسمت «خطوطاً حمراء» لإلزام هذا النظام بعدم تجاوزها، من بينها «الخط» الشهير لباراك أوباما، والخط الذي أعلن عنه الآن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي قال متحدث باسمه بعد الغارة الكيماوية على أطفال دوما: «الرئيس أكد مراراً وتكراراً أنه إذا حدث تجاوز للخط الأحمر، وثبت مَن الفاعل، فإن ذلك سيقود إلى رد». إضافة طبعاً إلى تهديدات دونالد ترمب بأن هناك «ثمناً كبيراً» لا بد أن يدفعه الشركاء في «جريمة دوما»، الذين يشملون - حسب ترمب - بشار الأسد، وفلاديمير بوتين، وقادة «الحرس الثوري» في إيران.

«الخط الأحمر» في قاموس المسؤولين في الدول الغربية، يعني تحديداً استخدام السلاح الكيماوي، المحظور استخدامه دولياً. بكلام آخر، يستطيع النظام السوري أن يقتل شعبه بالبراميل المتفجرة وأن يقصفهم بالطائرات، ويدمر البيوت فوق رؤوسهم، كما يستطيع أن يهجّرهم، ليعيد رسم الخريطة الديموغرافية للبلد كما يروق له، بحيث يحتفظ بالمناطق «المفيدة»، ويدفع المناطق الأخرى إلى المهاجر أو إلى المقابر... كل ذلك فعله بشار الأسد، وكله كان تحت عين المجتمع الدولي وسمعه، ولم يحرك أحد ساكناً... في الأسابيع الأخيرة فقط تم تهجير أكثر من نصف مليون سوري من بيوتهم في الغوطة الشرقية إلى الشمال السوري، حيث تنتظرهم بالتأكيد مجازر مقبلة.

«الكيماوي» وحده هو الذي يحرك «ضمير العالم»؛ مع أنه ليس من المبالغة القول، وبأسى بالغ، إن كثيرين من السوريين قد «يفضلون» الموت موتاً سريعاً بهذا الكيماوي، بدلاً من الوقوع في قبضة مخابرات النظام السوري، حيث يشتغل المختصون باقتلاع الحناجر والأظافر، أو بدل أن يتحولوا إلى عاهات متنقلة نتيجة القصف العشوائي الذي لم يسلم منه حي في سوريا.

صور ضحايا أطفال «الكيماوي» التي تبثها الشاشات هي التي تحرك سياسات قادة العالم الغربي. ردود فعل فورية على تلك الصور من قادة وكتّاب وأصحاب رأي؛ لكن ردود الفعل تبقى مرتبطة بحدث، أو بجريمة واحدة، مثلما حصل في دوما؛ لكنها تفتقد خطة متكاملة لمواجهة ما يجري في سوريا. أفضل مثال على التخبط في السياسات الغربية ما حصل في الفترة القصيرة الأخيرة، بين إعلان الرئيس ترمب رغبته في سحب قواته (نحو ألفين) من سوريا: «لأن لا شغل لنا هناك»، ثم انقلابه على ذلك، ورغبته في معاقبة الأسد بعد «كيماوي دوما». مع أن الكل يعرف أن الكيماوي ليس أفظع ما ارتكبه الرئيس السوري، الذي سبق منذ بداية الاحتجاجات ضد حكمه أن وصف معارضيه بـ«الجراثيم»، ودعا إلى تنظيف «المستنقعات» منهم! وكيف يمكن تنظيف «المستنقعات» إلا باستخدام الغازات السامة؟

منذ عام 2011، لم يشأ أي مسؤول في عواصم الغرب أن يرفق تهديداته لبشار الأسد بمشروع سياسي يفتح نافذة أمل في وجه السوريين، لإنقاذهم من النظام المجرم الذي ابتلوا به. هكذا سمعنا تكراراً كلاماً من نوع: «على الأسد أن يرحل»، أو: «لا يحق لنظام يقتل شعبه أن يبقى في الحكم»، وذلك على لسان رؤساء غادروا كلهم السلطة الآن، فيما بشار لا يزال مقيماً مع عائلته في قصره. من باراك أوباما إلى نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند، وصولاً إلى ديفيد كاميرون، مروراً بوزراء ومسؤولين آخرين، لم تكن المواقف المتشددة هي ما يفتقر إليه هؤلاء؛ بل كان غياب، أو عدم الرغبة، في وضع سياسة عملية تسمح بتحويل تلك التهديدات إلى واقع. وعندما أيقن النظام السوري وداعموه أن خطة إزاحته غير موجودة، انصرفوا إلى تعزيز نفوذهم ونشر هيمنة الأسد ونظامه على الأرض، فيما أخذت مساحة انتشار قوات المعارضة تتقلص. منذ «خط» باراك أوباما عام 2013، بعد هجوم على الغوطة الشرقية بغاز السارين، استخدم النظام السوري أسلحة كيماوية ضد المدنيين 85 مرة، حسب إحصاء «هيومان رايتس ووتش». ولأن الرد كان دائماً محدوداً، كما فعل ترمب بعد الهجوم الكيماوي على خان شيخون في العام الماضي، أو أن الرد لم يكن موجوداً أصلاً، أصبحنا أمام الوضع الذي نواجهه اليوم؛ نظام مستعد لارتكاب أي عمل، بما في ذلك تكرار استخدام أسلحة محرمة دولياً، لمجرد إثبات أنه قادر على فعل ذلك من دون أن يواجه أي عقوبة. ببساطة لأنه يعرف أنه باقٍ، بعدما أصبح مصيره مرتبطاً بمصير كل من روسيا وإيران. ويعرف أيضاً أنه حتى لو كانت هناك خطة جدية لإسقاطه، وهي طبعاً غير موجودة في ذهن أي مسؤول غربي، فإنها أصبحت مستحيلة التنفيذ لأنها صارت تعني مواجهة مباشرة وبالغة التكاليف مع طهران، والأخطر من ذلك، مع موسكو أيضاً. وهو ما يختلف جذرياً اليوم عما كان عليه الحال مع انطلاق الثورة من درعا عام 2011. في ذلك الوقت لم يكن هناك «داعش» أو «نصرة» أو ما يشبههما في سوريا، كما لم يكن قد تبلور قرار إيراني بدعم مسلح للنظام السوري، حتى أن وسائل الإعلام الإيرانية كانت تدعو إلى فتح قنوات الحوار بين النظام والمعارضة. ولم تكن روسيا قد اتخذت قرارها بالتدخل في سوريا، وهو القرار الذي لم يتخذه الكرملين إلا في عام 2015، عندما أصبح واضحاً أن قوة إيران وميليشياتها لم تعد كافية وحدها لإنقاذ النظام السوري.

فوتت القوى الغربية كل الفرص لإسقاط النظام السوري. لم يكن الأمر في حاجة إلى تدخل عسكري مباشر كما حدث في العراق لإسقاط نظام صدام حسين. وبالتالي فإن حجة التراجع عن دعم المعارضة السورية لأن الغرب لم يكن مستعداً لتكرار «الخطأ العراقي» ليست حجة واقعية؛ لأن المعارضة لم تكن تطالب أصلاً بتدخل عسكري مباشر. كل ما كانت تطلبه هو الدعم السياسي وتوفير الحاجات العسكرية لتتمكن من مواجهة وسائل القمع التي يستخدمها النظام... قبل أن تدخل إيران وروسيا على خط الأزمة، وتتحول من أزمة داخلية إلى حرب تهدد بمواجهة واسعة ذات أبعاد إقليمية ودولية خطيرة.

المصدر: الشرق الأوسط الكاتب: الياس حرفوش
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ