«حزب الله» والغطاء الحكومي
«حزب الله» والغطاء الحكومي
● مقالات رأي ٣٠ أغسطس ٢٠١٨

«حزب الله» والغطاء الحكومي

لم يبقَ كثير من مرتكزات التسوية الرئاسية التي أتت بميشال عون رئيساً للجمهورية، وسعد الحريري رئيساً للحكومة. كل الشواهد تشير إلى أن التموضع خارج التسوية قائم على قدم وساق، بمعزل عن الإصرار اللفظي في تصريح هنا أو موقف هناك.

المسألة تتجاوز اتهامات الخداع السياسي الرائجة اليوم في لبنان، وتتصل أكثر بالتغيير الذي أصاب البيئة الاستراتيجية الحاضنة للتسوية. قامت التسوية أولاً على فكرة، تحتاج إلى كثير من الحظ وحسن النوايا والتفكير الرغبوي، وهي تحييد لبنان عن قضايا النزاع الرئيسية في المنطقة، تحت عنوان غامض هو «النأي بالنفس»، والاهتمام بدل ذلك بالقضايا الداخلية والخدماتية للبنانيين، بعد تراكم فضائح النفايات والكهرباء، وتفاقم المخاوف بشأن الاقتصاد.

وحملت في طياتها إعلاناً عن ضرورة طي صفحة الانقسام السياسي اللبناني، والتمترس خلف السقوف العالية لجبهتي 8 و14 آذار، باعتبار أن هذه المرحلة لم تنتج إلا خطابات متشنجة واختلالات أمنية خطيرة، فيما الحسم الحقيقي في قضايا النزاع الرئيسية، أي سلاح «حزب الله»، ستقرره نتائج المعركة الأوسع في الإقليم، مع مرجعيته الإيرانية.

زادت محفزات الرهان على التسوية الرئاسية وقابليتها للحياة، في ضوء اتفاق مناطق خفض النزاع في سوريا، بين روسيا وإدارة دونالد ترمب، بعد نحو ثلاثة أشهر على تشكل حكومة الحريري الأولى في عهد عون. وكانت الترجمة العملية لاتفاق مناطق خفض النزاع في بيروت، أن القوى الدولية لن تسمح بانتصار أي من الطرفين في سوريا، فلا روسيا ستسمح للمعارضة المسلحة بإسقاط النظام، ولا واشنطن ستسمح للنظام بأن يستعيد السيطرة على سوريا. استظلت التسوية الرئاسية هذا التوازن لأشهر قليلة، قبل أن يبدأ اتفاق مناطق خفض النزاع بالترنح بدءاً من سبتمبر (أيلول) 2017، وصولاً إلى انهياره التام مع استعادة الأسد السيطرة على الجنوب السوري بموافقة أميركية إسرائيلية روسية، مروراً باستقالة الحريري في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017.

خلال أشهر قليلة من عمر التسوية الرئاسية، وتشكل أولى حكومات العهد، بدا أن لبنان في طريق العودة إلى صلب الاشتباك الإقليمي، وأن الفكرة التي قامت عليها التسوية هزلت بالكامل في ضوء تطورات هذا الاشتباك. وتزامنت الانتخابات النيابية اللبنانية في مايو (أيار) 2018 مع انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الاتفاق النووي مع إيران، لتجد التسوية الرئاسية نفسها أمام متغيرين كبيرين: تصاعد مستوى الاشتباك الأميركي العربي مع إيران، واستعادة الأسد السيطرة على سوريا، وهو الأمر الذي وضع نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية، وفوز محور «حزب الله» فيها في سياق آخر تماماً. فلم يعد يسيراً الرهان على الفصل بين كتلة الرئيس عون النيابية وبين كتلة الفريق الذي يتزعمه «حزب الله»، مع ضيق الهوامش التي كانت متاحة أمام رئيس الجمهورية في بواكير التسوية، والتي ظن وظننا معه أنها ستدوم.

ولعل أفضل برهان على استعداد الفريق الإيراني لتوظيف نتائج الانتخابات النيابية خارج سقف التسوية وضوابطها وهوامشها، هو كلام قائد «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري، اللواء قاسم سليماني: «إن الانتخابات التي أجريت في لبنان أخيراً كانت بمنزلة الاستفتاء الشعبي، وهي تمثل انتصاراً كبيرا لـ(حزب الله) الذي تحول من حزب مقاوم إل حكومة مقاومة».

شيئاً فشيئاً يتضح أن كلام سليماني الذي أحرج «حزب الله» واستدرج رئيس كتلته البرلمانية النائب محمد رعد للقول إن الأكثرية في لبنان باتت متحركة بحسب الملف المطروح، هو الصحيح، فيما كلام نائب «حزب الله» أقرب إلى حفظ ماء وجه الحزب ورئيس الجمهورية. فما لبث أن عاد «حزب الله» إلى خطاب هجومي ضد المملكة العربية السعودية، كان عزف عنه لفترة من الزمن، ثم ذهب باتجاه استقبال وفد من ميليشيا الحوثي من دون رد فعل جدي من رئيس الجمهورية، باعتباره نقطة التوازن والمسؤول عن حماية «النأي بالنفس» من موقع استقلاليته عن القوى السياسية كافة في لبنان. ثم تولت صحيفة مقربة من «حزب الله» تسريب خبر اتصال كل من رئيس الجمهورية وقائد الجيش اللبناني بنظرائهما، في عز اشتعال معركة التطبيع مع نظام الأسد، على قاعدة منتصر ومهزوم في سوريا وفي لبنان.

لماذا إذن، وفق هذه الوقائع يستمر «حزب الله» في تغطية تكليف الحريري، ولا يذهب باتجاه حكومته؟

الجواب ببساطة أن عام 2018 هو غير عام 2011، يوم انقلب «حزب الله» على حكومة الحريري وأتى بنجيب ميقاتي رئيساً لحكومة «حزب الله» الأولى منذ نشأة الحزب.

جرى ذلك قبل الثورة السورية، وقبل وصول ترمب إلى الرئاسة وإعلانه الحرب «الدافئة» على إيران وأدواتها، ومنها «حزب الله»، وقبل أن يهتف الإيرانيون: الموت لخامنئي!

«حزب الله» يريد «حكومة ورقة توت» تعفيه من تبعات حكم لبنان وتحويله إلى دولة «حزب الله»، كما أشار سليماني. يريد لبنان دولته غير المباشرة التي يحكمها آخرون، وهو ما يوجب التفكير الجدي في منعه من هذه الرفاهية.

لنختبر تسليمهم البلد، وليذهب الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع إلى المعارضة، وبعدها لكل حادث حديث!

المصدر: الشرق الأوسط الكاتب: نديم قطيش
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ