أبواب سورية المقفلة
أبواب سورية المقفلة
● مقالات رأي ١٧ سبتمبر ٢٠١٨

أبواب سورية المقفلة

من الأخبار الطريفة التي تم تناقلها أخيرا على مواقع التواصل الاجتماعي السورية، خبر إعلان وزارة الدفاع الروسية عفوا عاما عن جميع السوريين سوف يصدر قريبا في سورية! ليست الطرافة فقط في العفو العام الذي إن صدر فستكون فيه بنود مضافة ككل مرة، تستثني غالبية السوريين، أي سيكون منحةً وهبةً (رئاسية) تستعيد ذهنية الحظيرة التي لم تفارق مخيلة النظام يوما، فالمستعد للعودة إلى هذه الحظيرة هو من المشمولين بالعفو العام، ومن يرفض هذه الذهنية هو ممن توضع البنود المضافة، عادة، لأجلهم! ليست الطرافة إذا في العفو، وإنما في الإعلان الروسي عنها، إذ في الإعلان الروسي تأكيدٌ صريحٌ على وضع سورية تحت الوصاية الروسية، ومصطلح "وصاية" لطيف، كي لا نقول تحت "الاحتلال"، وهي مفردة تستفز إخوتنا في الوطن السوري السعيد الذين يرون في روسيا دولة حليفة، لا وصية ولا محتلة طبعا. وهم يغضّون النظر عن كل ما تفعله، ليس عن إجرامها بحق السوريين فقط، بل عن تولّيها الشؤون السياسية والعسكرية والمصالحات والمفاوضات في الداخل والخارج، وعن استثمارها سورية مائة عام، وعن تجنيد أطفال سورية في جيشها (العظيم) لتنشئة جيلٍ موال لها بالكامل، عن كل تصرّفاتها الكولونيالية التي يعتبرها الإخوة في الوطن تحالفا! الطرافة أيضا في أن وزارة الدفاع هي من أعلنت عن العفو، وهو إجراء عادة ما تختصّ به وزارات الداخلية. يؤكد هذا الخلط في الصلاحيات، مقصودا أم لا، مجددا أن الوصاية الروسية احتلال عسكري بالكامل، لا سياسيا ولا اقتصاديا على طريقة الاحتلالات الحديثة، لكن أشقاء الوطن لا يرون.

إذاً باب العودة إلى حضن الوطن وحظيرته مفتوح لمن يرغب، هذا ما أكّده كثيرون، حتى بعض المعارضين (الوطنيين)؛ وموضوع العودة إلى سورية يجب أن يكون هاجس الجميع، إذ لا ثورة تُنجز في الخارج، ولا تحريرَ من الاحتلال بطبيعة الحال، ووضع اللاجئين والمهجرين في المخيمات الحدودية لم يعد يحتمل المزيد، وضع كثيرين أيضا ممن يعيشون في بلاد اللجوء، وهم عاجزون عن الاندماج والاستمرار. ولكن للعودة شروط وضمانات لا يكفلها إعلان وزارة الدفاع الروسية، ولا يكفلها حتما منشورٌ على "فيسبوك" لمعارض وطني أو غير وطني. موضوع العودة يكفله المجتمع الدولي فقط، توافق هذا المجتمع على حلٍّ حاسمٍ ونهائيٍّ للقضية السورية هو ما يكفل هذه العودة، ويضمن سلامة العائدين من الأخطار المحتملة، ليس خطر الاعتقال والمعاقبة الأمنية هو الاحتمال الوحيد، بل خطر التشفّي الذي يظهر منذ الآن في خطاب أخوة الوطن، هذا التشفّي الذي يمكن أن يتحوّل، في أية لحظة، إلى انتقامٍ موصوفٍ، خصوصا مع فلتان الوضع الأمني وانتشار السلاح، انتقام من يشعر أنه منتصر على من يعتقد أنهم أدوات تنفيذ المؤامرة.

لا يزيد الإعلان الروسي السابق بطرافته عن الصور المتداولة على "فيسبوك" السوري لباب شرقي، الباب الدمشقيّ العتيق، بعد أن تم إغلاقه بالبلوكات وفتح نافذة حديدية في أعلاه، فالباب أحد بوابات دمشق القديمة السبع، وهو أشهرها، لما تتمتع به منطقته من وجود سياحي. والباب، لمن لا يعرفه، جزء من بواقي سور دمشق القديم، فإغلاقه لا يعزل أي شيء، فالشوارع خلفه مكشوفةٌ من الجانبين.. ما القصد من إغلاقه، إذا وضعت نافذة حديدية في أعلاه تشبه تماما النوافذ التي توضع على الأبواب الحديدية للسجون المعتمة؟! من فعل هذا وأغلق الباب ووضع النافذة هو نفسُه من حوّل سورية إلى سجن كبير، العقل نفسه والذهنية نفسها، العقل الذي يريد إغلاق أي منفذٍ مفتوح للسوريين، ولا مانع لديه من وضعهم جميعهم في المعتقلات في طريق تأديبهم للعودة إلى الحظيرة، هو العقل نفسُه الذي يتوعد الباقين في سورية بالاعتقال والموت، إذا ما عبّر أحدهم عن اعتراضه، والذي يتوعّد من يرغب في العودة بالاعتقال والموت إذا لم يسجل اسمه في سجل الحظيرة، العقل الذي أحرق سورية لأنها حلمت بأن تفتح على العالم، وأغرقها بالعتم والخوف، وحوّلها إلى سجنٍ ومقبرة، العقل نفسه الذي يرى في الاحتلال العسكري تحالفا، ويتحالف مع العقل الذي يرى في الحرية الفردية انحلالا، فيمعن في إغلاق كل البوابات التي أراد السوريون فتحها.

هل كان إغلاق باب شرقي عملا فرديا، وهل إعادته إلى وضعه نتيجة الرضوخ لاحتجاجات سكان المنطقة؟ يقيناً أن لا شيء يخص سورية يتم عفويا، فإعلان العفو المتناقل وإغلاق الباب ليسا سوى في إطار اختبار ردّات فعل السوريين بشأن ما يخطّط لسورية في المقبل من الأيام، إذا لم يخطئ ظنّي.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: رشا عمران
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ