أحرار الشام: قيادة جديدة واختبارات صعبة
أحرار الشام: قيادة جديدة واختبارات صعبة
● مقالات رأي ١٨ أكتوبر ٢٠١٤

أحرار الشام: قيادة جديدة واختبارات صعبة

أعلنت حركة "أحرار الشام" الإسلاميّة يوم 10أيلول/سبتمبر الماضي عن تعيين هاشم الشيخ المكنى بـ"أبو جابر" أميرا وقائدا عاما للحركة، و"أبو صالح الطحان" قائدا عسكريا عاما. وجاءت هذه التعيينات بعد ساعات على مقتل قادة بارزين في الحركة من ضمنهم مؤسسها حسان عبود المكنى بـ"أبو عبد الله الحموي" وقائدها العسكري "أبو طلحة" وأعضاء بارزون في مجلس الشورى كـ"أبو يزن الشامي" و"أبو عبد الملك" في مقر اجتماعهم السريّ بالقرب من قرية رام حمدان في ريف ادلب. تعد هذه الحادثة غير مسبوقة في مشهد الأزمة السورية، فلأول مرة تفقد حركة معارضة أكثر من 30 من أهم قياداتها في يوم واحد، ما يستدعي البحث في التداعيات التي ستترتب على ذلك.

أحرار الشام: نموذج جهادي جديد
تأسست حركة (كانت تسمى كتائب) أحرار الشام يوم 11 تشرين الثاني/ نوفمبر2011 بعد انتقال الثورة السورية إلى العمل المسلح من قبل حسان عبود، وهو أحد السجناء المفرج عنهم من سجن صيدنايا بعد انطلاق الثورة. ولم يمض أشهر على تأسيسها حتى حققت أحرار الشام حضورا عسكريا وتنظيميا، فجذبت المقاتلين اليها، وزاد عدد منتسبيها لتصبح من أقوى فصائل المعارضة المسلحة. الأمر الذي شجع تنظيمات عسكرية أخرى؛ كحركة الفجر الإسلامية وجماعة الطليعة الإسلامية وكتائب الإيمان على الاندماح معها تحت مسمى "حركة أحرار الشام الإسلامية".

اتسمت حركة أحرار الشام بقدر من الانطوائيّة، إذ لم تنضم إلى أي من الأطر العسكرية والسياسية للمعارضة السورية (الجيش الحر/هيئة الأركان–المجلس الوطني/الائتلاف)، وفضلت التنسيق مع الفصائل ذات التوجه السلفي أو السلفي الجهادي. واعتبرت الحركة نفسها جزءا من ثورة الشعب السوريّ ضد الاستبداد والظلم، لكنها لم تشترك معها في جميع أهدافها ومبادئها وعلى رأسها؛ النظام الديمقراطي وآلياته كونه، وبحسب فهمها، "يتعارض" مع الشريعة وأحكامها. كما رفضت، وما تزال، الاعتراف بعلم الثورة والانضواء تحت رايتها الجامعة.

وعلى الرغم من انتمائها للسلفية الجهادية، لم تصطدم أحرار الشام، إلا في حالات قليلة، بالمجتمعات المحليّة التي توطنت واستقرت فيها نظراً لـ"مرونتها" وابتعادها عن سلوكيات متشددة. كما حرصت الحركة على تشيكل أجسام قضائية سميت "هيئات شرعية"، ضمتها وفصائل أخرى لحل الخلافات والنزاعات على المستوى الفردي والفصائلي.

وكان للحركة دور إغاثي ومجتمعي كبير إلى جانب دورها العسكريّ، واضطلعت بإدارة مدن وبلدات عدة خرجت عن سيطرة النظام وأهمهما مدينة الرقة قبل سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية عليها مطلع عام 2014. وقد ساهم نشاطها العسكري وأداء مقاتليها في مواجهة قوات النظام ونشاطها الإغاثي والمجتمعي الواسع وبنيتها التنظيمية المتينة (مقارنة بباقي الفصائل الإسلامية والجيش الحر) في جذب كثير من المقاتلين والكتائب والألوية الصغيرة للانضمام إليها والقتال تحت رايتها إلى درجة أصبحت الحركة أقوى فصائل المعارضة المسلحة وأكثرها تنظيما. وكنتيجة لذلك، ولعوامل إضافية أخرى كالتراجع المستمر لمؤسسات المعارضة السياسية والعسكريّة، وتغيير موازين القوى على الأرض بدخول حزب الله والميليشيات العراقية، وتهديد تنظيم "داعش"، اختار كل من لواء التوحيد، وجيش الإسلام، وألوية صقور الشام الابتعاد عن هيئة الأركان العسكريّة والاندماج مع أحرار الشام وفصائل اخرى في إطار سياسي وعسكري موحد سمي "الجبهة الإسلاميّة".

وقد توضح لاحقا، لاسيما بعد إصدار " مشروع أمة" (وهو ميثاق أصدرته الجبهة الإسلامية يعرف بالجبهة وأهدافها واستراتيجيتها ويحدد مواقفها من قضايا العلمانية، الديمقراطية، الدولة المدنية، القضية الكردية، المهاجرون، الأقليات) أن الحركة استطاعت فرض توجهاتها السياسية و"مواقفها الأيديولوجية" على باقي الفصائل خاصة بعد تعيين أميرها أبو عبد الله الحموي مسؤولاً للمكتب السياسي للجبهة الإسلامية. طمحت قيادة الجبهة ولاسيما بعد إصدار الميثاق إلى اندماج عسكري وتشكيل بديل سياسيّ عن الائتلاف وهيئة الأركان لكن هذه الخطوة لم تحصل لأسباب عديدة منها؛ قصور المشروع السياسي وغياب الإجماع الداخلي عليه، الاتفاق الشكلي بين القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في الأزمة السورية على استمرار الاعتراف بالائتلاف ممثلا وحيدا للمعارضة، فضلاً عن ضغوط عربية وإقليمية على قيادات الجبهة حالت دون ذلك.

ساهمت العوامل السابقة، وقابلية الحركة للمراجعات الفكرية والسياسيّة في إحداث تغييرات فكرية وسلوكية هامة خلال عام 2014 من أبزرها:

• انضمام الأحرار للمواجهة المسلحة ضد داعش مطلع عام 2014 على الرغم من تحفظات قياداتها على بعض الفصائل المشاركة، والخلاف حول هدف المواجهة النهائي، خاصة وأن قيادة الحركة كانت تفضل تحجيم التنظيم لا القضاء عليه، وإلزامه بقبول مبادرات التحكيم.
• التوقيع على ميثاق الشرف: توافقت عليه غالبية الفصائل السورية المسلحة، ويتضمن مبادئ عامة مستقاة من شعارات الثورة السورية الأولى كتحقيق الحرية والعدل والأمن للمجتمع السوري بنسيجه الاجتماعي المتنوع وبكافة أطيافه العرقية والطائفية، والمحافظة على وحدة التراب السوري مع الترحيب باللقاء والتعاون مع القوى الإقليمية والدولية المتضامنة مع الثورة.
• تأييد مبادرة " واعتصموا": أعلنت فصائل سوريّة مطلع آب/ أغسطس 2014، وبمبادرة من بعض طلاب العلم الشرعيّ في سورية، وبعد اجتماعات عدة التوقيع على مبادرة سميت " واعتصموا"، تهدف إلى توحيد الفصائل والجبهات في مجلس واحد لقيادة الثورة السورية. وقد شارك الأحرار في الاجتماعات التحضيرية، وأعلنوا تأييدهم لها في 21 آب/ أغسطس 2014 لكن مجلش شورى الحركة لم يتخذ قرارا نهائيا، وكانت هذه المسألة مدرجة على اجتماع قادة الصف الأول ومجلس الشوري يوم التفجير.

تداعيات مقتل قادة الحركة
إن خسارة حركة أحرار الشام لأكثر من 30 من قيادات الصف الأول والثاني فيها سيؤثر دون شك على وضعها الداخلي وعلى علاقاتها بفصائل المعارضة المسلحة، وخاصة الإسلامية منها، والتي تشكل معها الجبهة الإسلامية، فضلاً عن تأثيره على محاولاتها الاندماج و التوحد مع فصائل أخرى.

• التداعيات على بنية الحركة واستمراريتها:
حركة أحرار الشام هي حصيلة اندماج فصائل عدة. وقد حرص أميرها السابق أبو عبد الله الحموي ومنذ تأسيسها على أن تكون مجاميع وسرايا مقاتلة تجتمع على فكرة الجهاد وتتبع لقيادة مركزية ومجلش شورى موحد مع تمتعها بصلاحيات عسكرية وإدراية واسعة، وتستشار في تزكية "أميرها الميداني".
وتعكس البنية التنظيمية لأحرار الشام بعضا مما طرحه أبو مصعب السوري (مرجع هام للحركة) عن "سرايا المقاومة الإسلامية"؛ فهي نظام عمل جهادي مؤسساتي متعدد المستويات يجمع فصائل ومجاميع عدة، وليست تنظيما جهاديا تقليديا مرتبطا بالأمير المركزي وقد ينهار أو يضعف بمقتله كما حصل في التجارب الجهادية المختلفة. وبناء عليه، فإن الحركة وإن كانت ستتأثر بغياب أبرز قادتها العسكريين والسياسيين والشرعيين، فإنها قادرة بحكم بنيتها التنظيمية المرنة على امتصاص الصدمة واختيار قيادة جديدة تحظى بإجماع وقبول داخلي. لكن ما يخشى منه ضمن الحركة، أن لا تنجح هذه القيادة في إدارة الاختلافات والتباينات الفكرية حول مسائل وقضايا تتعلق بهوية الحركة، وحدود الانفتاح على فصائل الجيش الحر، والعلاقة مع الفصائل الجهادية، والتعاون الإقليمي، والموقف من التحالف الدولي لقتال داعش بشكل قد يؤدي إلى حصول انشقاقات أو انفصال بعض الألوية والفصائل المبايعة عنها.

• التداعيات على الجبهة الإسلامية:
طالما نظرت قيادة أحرار الشام إلى الجبهة الإسلامية على أنها مشروعها الذاتي، وظهرا صلبا يؤمن لها الحماية والتحصين ضد أخطار محتملة داخلية وخارجية لاسيما ضد تنظيم الدولة. لكن الجبهة وإن نجحت نسبيا في زيادة مستوى التنسيق بين فصائلها الأساسية على المستوى المناطقي كما جرى في حلب، أو مبادرة القضاء والقيادة الموحدة في الغوطة الشرقية، إلا أنها فشلت في مسعى الاندماج الكامل بين فصائلها كما طرح ميثاقها.

في المدى المتوسط، يبدو الحفاظ على الجبهة الإسلاميّة صعبا في ظل الظروف التي تمر بها الأزمة السورية والحراك الإقليمي والدولي المرافق لها، لاسيما بعد الإعلان عن التحالف الدوليّ وبدء عملياته في سورية، وتركيز الفصائل المسلحة على البعد المناطقي المحلي من جهة، والعلاقة مع التحالف الدولي من جهة أخرى كدافع للتوحد أو زيادة التنسيق أكثر من التركيز على التوجهات الفكرية والمشروع السياسي الموحد. وبناء عليه قد تتحول الجبهة الإسلاميّة إلى عنوان سياسي وإعلامي فقط إذا لم تنجح القيادة الجديدة لحركة أحرار الشام والتي تشكل ثقلا في الجبهة من إعادة تفعيل نشاطها العسكري. وفي هذا السياق يُنظر إلى مسعى القيادة السابقة للاندماج مع لواء التوحيد وجيش المجاهدين باعتباره خطوة هامة يقع على كاهل القيادة الجديدة إعادة طرحها لإعادة إحياء الجبهة وضم قوى جديدة إليها لمواجهة أخطار محدقة كتهديد تنظيم الدولة و قوات النظام. ويتطلب ذلك، إزالة الرواسب والتباينات السابقة حول طريقة إدارة عمل الجبهة على الصعيدين العسكري والسياسي مع باقي فصائلها وخاصة ألوية صقور الشام وجيش الإسلام وهما فصيلان رئيسان كانا قد اتخذا قرارا بداية شهر آب/ أغسطس 2014 بالاندماج الكامل سياسيا وعسكريا، لكنه ما يزال مجمدا.

والجدير بالذكر أن الزعيم الجديد للأحرار أبو جابر كان من أوائل من دخلوا في مواجهة مع تنظيم الدولة عندما عندما كان أميرا للحركة على مسكنة في ريف حلب الشرقي. وقد تعهد في كلمته عند اختياره بمتابعة قتال الدولتين في إشارة إلى الموقف من تنظيم الدولة.

• التداعيات على مبادرة واعتصموا:
شكلت مبادرة " واعتصموا" امتحانا كبيرا لحركة أحرار الشام لتحديد هويتها بشكل نهائي؛ هل هي حركة ثورية سورية أم حركة سلفية جهاديّة؟. أيدت قيادة الحركة المبادرة لكن مجلس الشورى لم ينجح باتخاذ قرار حاسم بشأن الانضمام إليها. فالمبادرة، وفق رؤية الحركة، جاءت في سياق إقليمي ودوليّ يهدف إلى تشكيل قوة تدخل بقيادة موحدة تساعد التحالف الدولي في هزيمة تنظيم الدولة والتطرف الإسلامي، وهو عنوان عريض تخشى أن تصنف الحركة تحته في ظل مساعي دولية وإقليمية سابقا لإدراجها على لائحة المنظمات الإرهابيّة. في المقابل طرح الداعية السلفي الأردني إياد القنيبي مبادرة "الاصطفاف السني"، ويطالب بضرورة اتحاد "إخوة المنهج" في إشارة إلى تنظيم الدولة والنصرة وأحرار الشام وباقي فصائل السلفية الجهادية وتجاوز خلافاتهم لقتال من "يحاربون بالوكالة عن النظام الدولي" في إشارة إلى الجيش الحر والفصائل الإسلامية الأخرى الراغبة في الانضمام للتحالف الدولي. وقد استحوذت مبادرة القنيبي، وإن رفضت ضمنيًا في مواقف وتصريحات لبعض القادة القتلى، على مساحة من النقاش ضمن أوساط الحركة.

يمكن القول إن مبادرة واعتصموا رسخت وجود تيارين متباينين داخل الحركة على قرار يعتبرونه مصيريا وفارقا. الأول: منفتح، يطالب بالانضمام للمبادرة لاحتواء التغيرات في الإقليم والنظام الدولي ولكي لا ينتهي " المشروع الجهادي" في الكهوف والجبال، ويجادل بأن الحركه هي مشروع جهادي لا تنظيم وأن التعاون مع الفصائل السورية ضد ما يسمونه "صيالة" واعتداء تنظيم الدولة هو الطريق الأفضل للحفاظ على "المشروع الجهادي في الشام" وأن سورية كساحة جغرافية متأثرة بالقوى الإقليمية تفرض على الحركة التلاقي مع هذه القوى لا بل ومع قوى دولية عبر قنوات غير مباشرة إذا ما تقاطعت المصالح. ومن أبرز شخصيات هذا التيار شرعيو الجبهة ومنهم ابو عبد الملك الشرعي و أبو يزن الشامي الذي كتب قبل مقتله " إننا نملك رصاصتين في جعبتنا: الأولى الجبهة الاسلامية وقد اطلقناها، والثانية الانفتاح على الأمة".

الثاني: منغلق؛ يرى أحرار الشام حركة سلفية جهادية تقاتل لإعلاء سلطان الله وتحكيم الشريعة وإرساء الحكم الإسلامي الراشد. لا يمانع أنصاره في المرونة والانفتاح على الآخر لخدمة المشروع الجهادي لكنهم يرفضون أي مشروع يتعارض مع مبادئ الحركة وأهدافها، والدخول في أي تحالف دوليّ وإقليمي مع قوى " يكفرونها".

لطالما سعت القيادة السابقة للأحرار التوفيق بين التيارين، لكنها عجزت عن اتخاذ قرار واضح بشأن المبادرة والتعاون مع التحالف الدولي. وبناء عليه، فإنه من المرجح أن تقلد القيادة الجديدة سابقتها في سلوكها التوفيقي دون أن تمتلك القدرة على الانضمام لهذه المبادرة خشية انشقاقات واختلالات داخل الحركة. ويعزز من هذا الموقف قيام قوات التحالف الدوليّ باستهداف مواقع جبهة النصرة في اليوم الآول من بدء الضربات الجوية في سوريّة.

بالمحصلة، ستبقى حركة أحرار الشام حتى وإن تراجعت فاعليتها العسكرية من أقوى الفصائل العسكرية السوريّة التي تواجه قوات النظام ومقاتلي تنظيم الدولة. ومن المتوقع أن تسهم مراجعاتها في إعادة النظر بتوجهاتها السياسية وطروحاتها الأيديولوجية، لتصبح على المدى المتوسط قوة ثورية مسلحة، وليست حركة سلفية جهادية. إلا أنه ونظرا لعوائق داخلية وخارجية، فإن هذا التوجه قد لا يكون ممكناً في الظروف الحالية، وستسعى الحركة ما أمكن للتركيز على احتواء خلافاتها الداخلية والحفاظ على بنيتها التنظيمية قبل الانضمام لأي مشروع قائم.

المصدر: زمان الوصل الكاتب: حمزة مصطفى
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ