أسئلة مطروحة على المعارضة السورية وعلى الجماعات الكردية
أسئلة مطروحة على المعارضة السورية وعلى الجماعات الكردية
● مقالات رأي ٣١ مارس ٢٠١٧

أسئلة مطروحة على المعارضة السورية وعلى الجماعات الكردية

كثيرة هي المسائل المسكوت عنها في الواقع السوري، ليس من باب أنها لا تقع ضمن أولويات البحث، ولكن لأن البعض يحاول التجاهل أو التأجيل، إما لإنكار هذه المسألة أو تلك، أو للحؤول دون كشف التناقضات في رؤية مختلف الأطراف إلى القضية المعنية، في حين أن الأوضاع تتطلب فتح النقاش حول مختلف المسائل، لتوضيح الاختلافات وتعميق المشتركات.

ولعل المسألة الكردية من أهم هذه القضايا المسكوت عنها أو المختلف عليها بين القوى السياسية السورية، خصوصا أنها تخضع لتجاذبات أو توظيفات متضاربة، لا تفيد الكرد، إن كجماعة قومية أو كأفراد، وتضر المسألة المحورية المتعلقة اليوم بإسقاط النظام وإرساء التحول نحو الحرية والمواطنة والديموقراطية. أي أن المسألة الكردية هي من وجهين: أولهما يتعلق بقضية المواطنة، أو غياب مكانة المواطنة في الدولة والمجتمع السوريين، بحكم طبيعة السلطة. وثانيهما يتعلق باعتبارها قضية قومية، أو قضية شعب جرى حرمانه من هويته وحقوقه، الفردية والجمعية.

يأتي هذا الكلام ونحن نشهد التجاذب الدولي والإقليمي (وحتى من طرف النظام) لتوظيف «قوات سورية الديموقراطية»، والتي عمادها «قوات حماية الشعب» الكردية (التابعة لــ «حزب الاتحاد الديموقراطي»)، في الصراع السوري، سواء ضد «داعش»، أو في إطار محاولة فرض تسوية معينة في سورية، مع النظام أو من دونه، تأخذ في عين الاعتبار إقامة منطقة حكم ذاتي للأكراد (من دون تحديد جغرافي معين)، كما يأتي هذا الكلام في ظل سعي تركيا للحؤول دون ذلك، أو لتحجيمه ما أمكن.

هذا الواقع المعقد، الذي تتضارب توظيفاته وأهدافه، يفرض على المعنيين، ومن ضمنهم الكرد، طرح أسئلة عديدة. مثلاً كيف ينظر السوريون الكرد إلى المشهد العام للحل في سورية؟ هل يعتبرون قضيتهم جزءاً من هذا المشهد؟ أم يرون أن لهم مشهداً مستقلاً تماماً؟ هل يرون أنفسهم كسوريين معنيين بالتغيير نحو المواطنة والديموقراطية في البلد؟ أم يرون أنفسهم كرداً فقط؟ أو يرون أنفسهم في تقاطع بين هاتين العمليتين، وفق صيغة دولة فدرالية أو لامركزية؟ هذه أسئلة يجب أن يجيب عليها الأكراد أنفسهم، وأن يتوافقوا عليها، وأن يقدموا رؤيتهم الخاصة إلى شركائهم السوريين، وأيضا إلى المحيط الإقليمي.

في المقابل، وبعيداً من نفي بعضهم أن للأكراد في سورية والعراق وإيران وتركيا، قضية قومية، وهي قضية محقة ومشروعة، على رغم اختلاف وجهات نظر الأنظمة الحاكمة في مقاربة عدالتها، وضرورة السعي لإيجاد حلول مناسبة لها، فإنه لا يمكن حل هذه القضية أو اختزالها بإيراد نص دستوري يتحدث عن وعد بإقامة دولة مواطنين أحرار، ودولة مؤسسات وقانون، ودولة ديموقراطية، لأن هذه الدولة ستقوم في أحد جوانبها على الأكثرية والأغلبية. لذا من حق الكرد كشعب، أو كجماعة قومية، كما من حق غيرهم، أن يحتاطوا من هذا الوضع، وأن يتحسّبوا، ومن حقهم علينا تعزيز ثقتهم بِنَا، وبالمستقبل المشترك. كما من حقنا عليهم تأكيد وحدة الأرض واعتبار التعددية القومية والدينية مصدر ثراء للدولة المدنية الديموقراطية، التي هي ليست دولة دينية ولا عسكرية ولا طائفية وإثنية.

لا أقصد التقليل من شأن المواطنة والديموقراطية وإنما اقصد أنه يجب تطعيم الديموقراطية بمبادئ دستورية عليا لا تخضع لثنائية أقلية وأكثرية، وهذا يمكن حله في ما يسمى أنظمة الديموقراطية الليبرالية، أي الأنظمة التي تقوم على أساس المواطنة الفردية، أو المواطنين الأحرار المتساوين والمستقلين. لكن هذا التحديد أيضاً لا يفي بالغرض بالنسبة إلى الأكراد، فهم شعب تعرض للاضطهاد والتجزئة عبر التاريخ، وحرم من هويته وحقه في تقرير مصيره في دولة وحتى من تنمية ثقافته. لذا يفترض بالثورة السورية، ثورة الحرية والكرامة والديموقراطية كما هو مفترض، أن تقف بجرأة لحل هذه الإشكالية التي باتت تثقل عليها، وتثير الشبهات بخصوص صدقيتها، وانسجامها مع مبادئها. وهذا يعني أن قضية الكرد، كشعب، لا يمكن اختصارها بمجرد الاعتراف بمواطنيتهم، وبمساواتهم مع المواطنين الآخرين، إذ إن ذلك يفترض أيضا الاعتراف بخصوصيتهم القومية كشعب، بلغتهم وثقافتهم، وبكل الحقوق التي تتعلق بالحق في التنظيم والتعبير، لأن ذلك يأتي من الاعتراف في الدستور بالمواطَنة الحرة والمتساوية، للجميع رجالاً ونساء، وهذا ينطبق على الأكراد، كأفراد وكجماعة قومية.

الإشكالية هنا إذن لا تتعلق بنا كسوريين، أو كمعارضة سورية، أو بأحد كياناتها، أو بالرؤيا القاصرة للمشروع الوطني الذي غاب عن معظم خطاباتنا، أو بتبعيات معارضاتنا للدول التي تدعمها، أو حتى بالمفاهيم الخاطئة التي أسسها النظام في عقول السوريين لعقود من الزمن لتغييب حقوق الكرد كمواطنين سوريين، وإنما هي تتعلق، كذلك، بالكرد أنفسهم، إذ إنهم منقسمون بخصوص ما يريدونه لمستقبلهم، بين من يرى أن الأولوية هي للمشروع القومي الكردي، العابر للبلدان، وبين من يرى أن القضية الكردية لا يمكن حلها إلا في الدول الوطنية القائمة، فضلا عن آخرين يرون أن القضية الكردية لم تعد ذات أهمية.

ما ذكرته عن اختلافات الكرد ليس للتقليل من مشروعية وعدالة قضيتهم بل للتنبيه إلى أن المسألة الكردية هي كردية أولاً. وثانياً، أن المسألة الكردية لا تتعلق بسورية وحدها، على رغم أن ما يعنيني هو الجزء المتعلق بكرد سورية، لكن في الحقيقة لا يمكن عند الحديث عن القضية الكردية تناولها ضمن حدود سورية فقط، إذ إنها تتعلق بالجماعة القومية الكردية في كل من العراق وتركيا وإيران أيضاً. وثالثاً أن قضية الكرد ذات أبعاد دولية وإقليمية وتخضع لحسابات معقدة. وعليه فهل الوضع مناسب للكرد للحديث عن دولة كردية تشمل أراض من إيران وتركيا والعراق وسورية؟ ثم كيف نحصن حلم الأكراد بدولة قومية وحق تقرير المصير من دون أن نجعل من ذلك وسيلة لهذه الدولة أو تلك لتوظيف القضية الكردية واستخدام الكرد كأداة في مشاريعها الضيقة التي لا تخدم الكرد ولا السوريين ولا العراقيين ولا الأتراك مثلاً؟

أي أن على الكرد أن يسألوا أنفسهم ماذا يريدون، وتقدير ظروفهم الذاتية ومناسبتها لذلك، وأن يتأكدوا أن العمل من أجل هذا الحلم لا يجعلهم ينفذون أو يشتغلون في خدمة أجندة إقليمية أخرى، تتلاعب بهم وتوظف قضيتهم، كما أن يتأكدوا أن ذلك لن يكون على حساب شعب سورية وثورته.

بالمقابل، إذا اختار الكرد أن الأولوية هي لانتماءاتهم في الدول الوطنية فإن من حقهم أن يطالبوا المعارضة السورية مثلا، أن تعترف بخصوصيتهم كشعب، وحقهم في التعبير عن أنفسهم، على هذا الأساس، مع تأكيد المواطنة الحرة والمتساوية، في دولة ديموقراطية. وطبعا لا أحد يمنع أحداً، وفق هذا الخيار، أن يحلم أو أن يطمح لإقامة دولة قومية مستقبلاً، لكننا نتحدث اليوم وعن الظروف الراهنة، مع تأكيد أن صيغة الدولة القومية (عربية أو كردية) باتت متقادمة وتجاوزها الزمن في عصر التكتلات الكبرى وفي عصر الدولة الأمة، أي دولة المواطنين الأحرار والمتساوين في ظل نظام ديموقراطي حيث لا توجد أقليات وأكثريات على حوامل طائفية أو دينية أو قومية.

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: سميرة المسالمة
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ