أصحيح أن بوتين قادر على تنحية الأسد؟
أصحيح أن بوتين قادر على تنحية الأسد؟
● مقالات رأي ١ نوفمبر ٢٠١٥

أصحيح أن بوتين قادر على تنحية الأسد؟

تقع في فخ التبسيط المبتذل تلك الأوهام حول قدرة موسكو على ترحيل بشار الأسد، والتي رافقت التدخل الروسي المباشر، وبُنيت على ما ساهم طاقم فلاديمير بوتين في ترويجه حول الإمساك التام بقرار الأسد. الأخير، الذي لا نعلم ما قاله في مجلس «القيصر»، عاد مع التكهنات التي تدور حول موعد تنحّيه، إلى تأكيد عدم وجود حل سياسي في سورية إلا بعد القضاء على «الإرهاب»، وهو الموقف الذي ثابر عليه أربع سنوات. قبل الإعلان المنقول عن رئيس النظام، ألقى زميله في حلف الممانعة حسن نصرالله، خطاباً تصعيدياً جديداً لا يصعب فهم نبرته الموجّهة تحديداً الى من يصرّ على رحيل الأسد.

أوساط بوتين ذاتها، بدأت بالتراجع عن الجو الذي يوحي بانفراج بسيط، وعادت إلى تأكيد عدم وجود مساومة في هذه النقطة. أيضاً، من التبسيط عزو التراجع الأخير إلى تصلّب معتاد في أية مفاوضات شاقة، لأن هذه الفرضية توحي بانسجام تام بين النظام وحلفائه، واتفاقهم جميعاً على مبادئ التسوية، بما فيها تنحّي الأسد في مرحلةٍ ما كما يلوّح بذلك الروس.

بدايةً، يصعب حل التناقض في التكتيك الروسي، وهو تقوية الأسد ثم البحث في تنحيته، مثلما يصعب الاقتناع بأن الحليف الإيراني موافق على هذا التكتيك، فالأقرب إلى المنطق أن توافق طهران على الجزء الأول فقط. والأقرب إلى المنطق أن التصلّب في المواقف الذي انطلق من الضاحية الجنوبية إلى دمشق، رسالة إيرانية إلى الحليف الروسي، تنصّ على أن ملف التنحي لا يزال في عهدة طهران، ولن يستطيع الطيران الروسي انتزاعه منها بالسهولة التي يروّجها البعض.

الثمن ليس، كما قد يُفهم تبسيطاً، دعوة طهران إلى فيينا 2 والاعتراف بدورها، فحضـــور طهران مفاوضات فيينا سيعقّدها بإدخالها متاهة من الملفات الإقليمية المتشابكة. طهران ستأتي إلى الطاولة لتقلبها ما لم تكن هناك صفقة متكاملة مُرضية لها، تتضمن اليمن والملف اللبناني، وحتى ملف «داعش» في العراق الذي لا تسير فيه إدارة أوباما كما تشتهي طهران.

النظام، مع التحفّظ على التوصيف، لن يكون مستكيناً أمام محاولات الروس، إذا صدّقنا الادعاءات حول محاولاتهم تحويله إلى نظام. طوال السنوات الأربع الأخيرة، فشلت كل المحاولات الدولية لإغراء الزمرة الحاكمة بالتحوّل إلى نظام يضحّي ببعض رموزه من أجل استمراره، ودفع السوريون مئات آلاف القتلى نتيجة تسويق كذبة «النظام أو الفوضى»، وأن يأتي الروس للاستثمار فيها فذلك لا يعني تحوّلها تلقائياً إلى واقع. وهو لا يعني خصوصاً أن الزمرة الحاكمة التي طالما سارت عكس مفهوم النظام، وتبنت علانية منذ انطلاق الثورة النهجَ الميليشياوي ونهج أمراء الحرب، ستقبل صاغرة بالخروج عن النمط الملائم لبُنيتها.

التدليل على ضعف الزمرة الحاكمة لا يخدم فكرة تنحيتها إلا صورياً، إذ كما نعلم استخدمت الزمرة ضعفها لابتزاز العالم واستجداء مساعدته، بما في ذلك التلويح به للغرب كي يمنع إسقاطها. وأخيراً، عندما يأتي التدخل الروسي المباشر تلبيةً لاستغاثة الأسد، في الخطاب الذي أقرّ فيه بضعف قواته، فهذا يعني فعالية الضعف لا انعدام فعاليته، حتى لو بدا بوتين كأنه يستغل الضعف لمصالح روسيا أو لطموحاته الشخصية.

لدينا سابقة شديدة الوضوح: فالتورط الإيراني استُهلّ مع سوء تقدير لمدى ضعف قـــوات الأسد، لكن سوء التقدير لم يؤدّ إلا إلى مزيد من التورط، وحتى بعد اكتشاف حالات سوء استغلال الدعم الإيراني الواسع لم تجد طهران مفراً من استمراره. غالب الظن أن التدخل الروسي سيأخذ المنحى ذاته، وفي حال تعثّره مع مرور الوقت، كما حصل في الشهر الأول منه، ستكون العودة عنه باهظـــة الثمن لأنها إعلان خسارة لن يكون الكرملين مستعداً لتقبّلها. وبخلاف ما يُشاع عن مصلحة أميركية بتورّط روسي في سورية، فأصحاب المصلحة في التورط هم أولاً حلفـاء بوتين، لأن طهران والأسد يدركان صعـــوبة العودة عنه، وعدم قدرة بوتين على الإمساك بالورقة السورية، لأنهما سيمنعانه من ذلك. في أقصى الشقاق، لن تشنّ المقاتلات الروسية حرباً على حليفيها، ولا يستطــيع الكرملين التهديد برفع الحماية الدولية عن الأسد، لأن التهديد لا يلاقي قوى دولية متحفزة للتدخل وإسقاطه عسكرياً.

نظرياً، قد يصحّ القول أن موسكو لا تملك دوافع للتمسّك بشخص الأسد. عملياً، هذا مساوٍ لعدم تلهّفها لإطاحته، ولعدم قدرتها على إطاحته من دون تفاهم مع طهران. المضي في مفاوضات فيينا أو غيرها لا يتناقض مع تلك المقدمات، فهو يستكمل الإيحاء بوجود استراتيجية متكاملة للتدخل الروسي، وتحت ستار البحث عن تسوية تستمر الآلة العسكرية بحثاً عن انتصارات تفرض شروطاً سياسية جديدة. فإذا كان تعثر الحملة في شهرها الأول لم يمنع الترويج للانتصار، ولم يمنع أيضاً رئيس المخابرات الأميركية من التصريح بأن ميزان القوى يميل إلى الأسد الذي يسيطر فعلياً على ربع مساحة البلاد، فلنا أن نتخيل كيف سيجري التعامل مع المفاوضات في حال إحراز تقدم فعلي على الأرض.

بالاستعارة من الملف الفلسطيني، ما يريده الروس وحلفاؤهم «عملية» تسوية لا تسوية شاملة وسريعة، لأن مفهوم «العملية» يرجئ البحث في نقاط الخلاف الرئيسة. المطلوب أولاً من عملية المفاوضات، استيعاب التدخل الروسي من بعض الغرب وبعض القوى الإقليمية الداعمة للمعارضة، أي تطويق الدعم الذي قد تحصل عليه فصائل المعارضة فيما لو بقيت المسألة في حيّز الاشتباك العسكري.

إدارة أوباما لا تعارض اختبار العملية، ولا الدخول في اشتباك عسكري مع الروس قد يضطرها للذهاب بعيداً من سلبيتها، فضلاً عن أنها في طليعة القائلين بمنع إسقاط «النظام». لذا لا يُستبعد لجوء الإدارة الى الضغط على الحلفاء ولجمهم عن دعم المعارضة بذريعة إعطاء مهلة للجهود الديبلوماسية. ومثلما طوّقت إيران، عبر تصريحات نصرالله والأسد، التنازلات الروسية المنتظرة، أتى لقاء باريس والعديد من التصريحات الغربية والإقليمية لتطويق تنازلات أميركية أكثر توقعاً من نظيرتها الروسية.

في أقصى حالاتها، هذه العملية ليست بلا نهـــاية، فعين موسكو وطهران طامعة في استغلال السنة الأخيرة لأوباما، بينما أعين أخرى تتوق إلى انقضائها بأقل الخسائر.

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: عمر قدور
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ