أهمية علم السياسة و تأثيره في حياة الدول و المجتمعات
أهمية علم السياسة و تأثيره في حياة الدول و المجتمعات
● مقالات رأي ٢١ نوفمبر ٢٠١٦

أهمية علم السياسة و تأثيره في حياة الدول و المجتمعات

    تأتي أهمية السياسة من كونها المؤثر بحياة الدول منذ نشأتها , و الإنسان منذ ولادته و حتى وفاته . فكل ما يتعلق بحياة الإنسان يسيس أو تشرف عليه السلطة السياسية . حتى غدت هذه الأخيرة  تتدخل بجميع مفاصل الحياة البعيدة كل البعد عن السياسة و معتركاتها .
       فالزراعة , و الرياضة , و الموسيقا ؛ تُعد من أبعد الأنشطة الحياتية عن السياسة . و مع ذلك نرى أن السلطة السياسية هي التي تشرف عليها و تمولها و توجهها بالشكل الذي تريد . ففي الكثير من الأحيان تحولت ساحات الملاعب الرياضية لساحات شبه معارك تُرفع فيها الرايات و الأعلام و الصور و الافتات , و تتعالى الهتافات بتمجيد الدولة أو رمزها . و الدولة التي تنتصر في نهاية المباراة تعتبر نفسها قد حققت نصراً سياسياً و عسكرياً على خصومها . كذلك الأمر بالنسبة للموسيقا التي ترعاها السلطة السياسية و تشرف عليها و توجهها و تسيسها بالشكل الذي تريده عبر برامج تلفزيونية , و محطات إذاعية و صحف محلية مسيسة تهدف لإيصال فكرة ما للجمهور عبر هذه الوسائل .
       من هذا المنطلق فقد أولت الكثير من الدول الأوروبية خاصةً بُعيد الحرب العالمية الثانية أهمية كبرى للعلم السياسي الذي ما هو إلا أحد مؤسسات و مرتكزات السلطة السياسية و التي تعني الهيئة العليا القائدة في الدولة . لهذا ؛ فقد اعتمدت هذه الأخيرة على عباقرة و فقهاء السياسة في تثبيت حكمها من جهة , وعلى فقهاء و خبراء القانون الدولي العام و الخاص لتحديد علاقاتها بالدول الأخرى من جهة ثانية . و بما أنَّ للسياسة الباع الأكبر , و التأثير الأقوى في حياة المواطنين و تثبيت حكم الدول ؛ فقد أنشأت أفرع جديدة في جامعاتها يسمى ( علم السياسة ) بدأ يُدرَّس في بعض الجامعات الأوروبية . و كان شبه حكراً على أولاد المسؤولين و أغنياء أوروبا . ما لبث أن انتشر في العديد من الدول النامية نظراً لما له من شأن و تأثير في حياة الدول و المجتمعات . حيث أن الكثير من فقهاء علم السياسة اعتبر أن ميزان قوة الدول تُبنى بالدرجة الأولى على قوة السياسة للدولة . بالإضافة إلى حنكة و قدرة الأشخاص القادرون على الإمساك بدفة الحكم . فقادة و حكام الدول ؛ هم الأشخاص الذين يمتلكون الحذاقة السياسية , و المناورة مع أخصامهم , و القدرة على ضم العديد من هؤلاء إلى جانبهم . فالسياسية هي الدماغ السليم الذي يعرف كيف يخطط , و يتعامل , و يناور , و يهدم , و كيف يبني .
        في العصور الحديثة ؛ أصبح كل شيء مسيس . و كل شيء تشرف عليه السلطة السياسية . حتى أصبحت القرارات العسكرية لا تتخذ من قبل القيادة العسكرية إنما تتخذ من قبل سلطة سياسية . و السماح باستخدام الأسلحة النووية و أسلحة الدمار الشامل لا تتخذ من قبل قيادة عسكرية ؛ إنما تتخذ من قبل سلطة سياسية . و إعلان السلم و الحرب و الاتفاقات و الهدن و تسليح الجيش جميعها تشرف عليها السلطة السياسة  و تصدر منها القرارات .
      لا نغالي كثيراً إذا قلنا أن الثورة السورية تأثرت كثيراً بغياب و فراغ الأدمغة السياسية منها , عن طريق التصفيات , أو الاعتقالات . بل و تهميش أغلب نشطائها السياسيين و الحقوقيين الذين ربما كان لبقائهم في سورية و أخذ دورهم المكان الرائد في تنسيق العمل السياسي , و توفير الكثير من الدماء و التضحيات , بل و توجيه الثوار على الأرض لما يخدم مصالح ثورتنا المباركة و يحقق لها النصر المؤزر القريب , و اختصار الوقت لتحرير سورية و إسقاط النظام المغتصب للسلطة . فعندما يأخذ سياسيينا مواقعهم , و يقومون بالتنسيق السوي مع بعضهم , و يتبعون سياسة ( الاستراتيجيا ) مع الضباط الأحرار ؛ لما آل إليه ملف ثورتنا المباركة إلى ما آل إليه . و لما أصبح ملف الثورة السورية من أعقد الملفات الدولية و في قمة الملفات الشائكة في القرنين العشرين و الواحد و العشرين . فنحن الآن أحوج ما نحتاجه هو عودة عباقرة السياسة الثوريين المخلصين إلى الساحة الثورية من جديد . المتواجدون في سورية و في المعارضة للمساعدة بالتخلص من أعداء الثورة و إعادتها إلى مرحلتها الذهبية . و هذا لا يعني الانبطاح , أو المهادنة , أو الاستسلام لدول الخارج . أو الدلالة على الاستعانة ببعض السياسيين المنبطحين و الذين يُحسبون على الثورة السورية . إنما يعني تحصيل حقوق الثورة , و انتزاع قرارتها من الذين تخاذلوا عن نصرتها , و ابتعدوا عن منهجها , و تكلموا باسمها . من هنا يكمن دور السياسيين المؤثرين بإعادة تنظيم صفوف الثورة الداخلية و إدارتها بالتعاون مع شرفاء سورية في الداخل و الخارج . و تسخير هذه الجهود لخدمة قضيتنا التي حاول البعض حرفها عن مسارها الذي حدده نشطاء الثورة و قادتها منذ أن انطلق أول هتاف في درعا و تبعه في حمص . لأن مصالح الدول في الحقيقة تكمن بمن يستطيع من أبناء سورية و قواها الثورية  استقطاب القاعدة الشعبية , و يسعى لتحقيق أهدافها , و توطيد أمانها , و تأمين سبل دعمها و صمودها . عندها تقوم هذه الدول بتقديم المساعدة . و يتحدد نوع هذه الأخيرة وفقاً لقوة السياسيون , و وفقاً لقوة التنظيم و الإدارة اللذان ينبعان من احتضان المواطنين للثورة و قادتها و رموزها .
      نوجه رسائلنا إلى المجتمع الدولي و نقول له : أن الثورة تمتلك من هو أثمن من المال السياسي و السلاح العسكري لتحرير الأرض من رجس الطغاة و المحتلين و المرتزقة . ما يمتلكه أهلنا و أخوتنا هو الكوادر القادرة على التنظيم و الإدارة عن طريق نشطائها السياسيين و ضباطها العسكريين و مثقفوها و مخلصوها في كافة المجالات , القادرون على العودة بها لمرحلتها و نقائها الأولي .

 

المصدر: شبكة شام الاخبارية الكاتب: مرهف الزعبي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ