إلى أين ستعيد مركل مليون لاجئ سوري؟
إلى أين ستعيد مركل مليون لاجئ سوري؟
● مقالات رأي ١ يوليو ٢٠١٨

إلى أين ستعيد مركل مليون لاجئ سوري؟

أطلق نشطاء «الإنترنت» وشبكات التواصل الاجتماعي في لبنان نكتة ظريفة أثناء زيارة المستشارة الألمانية أنغيلا مركل، هذا نصها: مركل واقفة على شرفة القصر الجمهوري في بعبدا، وهي تنظر إلى بيروت وتسأل باستغراب رئيس الحكومة سعد الحريري: «كل شيء ممتع وجميل من هنا، ولكني أتساءل عن سبب ترك مصابيح الكهرباء مضاءة في النهار... وأنتم تقننون ساعات توزيع الكهرباء؟»

وردّ عليها الحريري مطمئناً: «كوني على ثقة أن هذه المصابيح المشتعلة في النهار، ستطفأ في الليل!»

العبرة المستقاة من هذه النكتة المركبة التي توزعت على آلاف الهواتف الجوالة في لبنان والخارج، يسعى مطلقوها إلى إظهار الحكومة بمظهر القوة الجاهلة التي تستخدم الكهرباء لإنارة المنور... أو التي تحجب عن المواطنين ما يحتاجون إليه عند الحاجة!

ويبدو أن الجهة التي أطلقت هذه النكتة الهادفة حرصت على استغلال زيارة مركل للتعبير عن بعض هموم اللبنانيين مع حكومتهم. في حين أن المستشارة الألمانية جاءت إلى لبنان بغرض طلب مساعدة حكومته على حل مشكلتها في ألمانيا، ومع دول الاتحاد ألأوروبي.

وبما أن الوفد المرافق للمستشارة كان يضم اختصاصيين من مختلف قطاعات الاستثمار، فقد اختار مؤلف النكتة قطاع الكهرباء ليجعل منه عرضاً ساخراً يشكك في مبدأ الاستثمار في لبنان.

ويُستدَل من مراجعة وقائع اجتماعات مركل في بيروت أن الوفد الألماني المرافق لها لم يكن أكثر من ستارة تمويه لصرف الأنظار عن الهدف الأساسي المتعلق بمصير مليون وثمانمئة ألف لاجئ سوري في لبنان. وقد تبيّن من محادثاتها أنها تلتقي مع الدولة اللبنانية في الحرص على نقل اللاجئين إلى وطنهم، مع استعدادها لدفع تكاليف الجزء الأكبر من هذه العملية المعقدة. وقد شجعها الرئيس ميشال عون على استعجال تنفيذ تلك الخطة، عندما قال لها: «لا نريد أن نموت قبل أن نرى النازحين عائدين إلى بلادهم.»

وقد أصغت مركل باهتمام إلى التعقيدات السياسية التي ترافق عملية التنفيذ، لأن المال وحده ليس كافياً لتحقيق المرام. ذلك أن مشروع إعادتهم إلى سورية متوقف على مدى استعداد بشار الأسد لاستقبالهم. خصوصاً أنهم ينتمون إلى طائفة السنّة التي يسعى الأسد إلى تفريغ سورية الجديدة منها.

صحيح أن «حزب الله» يفضل إخراجهم من لبنان لأسباب تتعلق بالتوازن الطائفي الداخلي... ولكن الصحيح أيضاً أنه لا يستطيع إعلان موقفه الصريح إلا إذا وافقت الدولة اللبنانية على فتح حوار مباشر مع الأسد ونظامه. وكان زعماء من السنّة والموارنة والدروز قد أعربوا عن تخوفهم من تدخل سورية في شؤون لبنان السياسية، ومن عودة «دولة عنجر» لتحريك الدمى اللبنانية!

وفي محصلة الزيارة لم تحصل مركل على مبتغاها من إبقاء الحصار الأمني مضروباً حول مخيمات لبنان، ومن احتمال تكرار ما حدث في صيف 2015. مطلع تلك السنة كانت مركل قد أنهت سنتها العاشرة في الحكم كمستشارة لألمانيا الموحدة، وكزعيمة للاتحاد الأوروبي الذي استقطب عدداً كبيراً من دول الاتحاد السوفياتي السابق.

ومع أن «اليورو»، العملة التي يتعامل بها الألمان، كادت أن تهدد وحدة الدول الأوروبية بسبب انهيار الوضع المالي في اليونان، إلا أن اقتصاد ألمانيا المزدهر أعان مركل على تسوية تلك الأزمة المكلفة.

الأزمة الثانية التي احتوتها المستشارة باندفاع غير مسبوق كانت أزمة اللاجئين السوريين إلى أوروبا. وقد حدث ذلك الانتشار عقب ارتفاع متفاقم في أعداد الذين يفرون باتجاه البحر هرباً من القصف والدمار والفقر. وكان من الطبيعي أن تعاني إيطاليا واليونان وإسبانيا والبرتغال من تبعات تلك الموجات المتدفقة بمراكب مطاطية أو زوارق صغيرة كثيراً ما تغرق بركابها.

وبدلاً من مواجهة عمليات وصول الأغراب بتنظيم وتفهم، قامت النمسا وتشيخيا وسلوفاكيا والمجر وسلوفينيا بنشر سياج من الأسلاك الشائكة بغرض منع دخول آلاف اللاجئين. وبخلاف أعضاء الاتحاد الأوروبي، قررت المستشارة الألمانية استقبال مليون لاجئ غالبيتهم من السوريين. وكان هذا القرار سبباً في تدني شعبيتها وارتفاع شعبية منافسيها في اليمين المتطرف. وقد دافعت عن موقفها بالادعاء أن بلادها استقبلت آلاف الشبان الأتراك من الذين ساهموا بعد الحرب العالمية الثانية في التعويض عن غياب آلاف الجنود الذين قتِلوا على الجبهات. وكان رد خصومها الحزبيين محصوراً برفض هذا المنطق لأن ألمانيا في نظرهم لم تعد في حاجة إلى غرباء جدد. والسبب أن عملية اندماجهم في المجتمع الألماني تبدو شبه مستحيلة بسبب اللغة والدين وكل ما تفرقه الثقافات المختلفة.

في مؤتمر حزبي أقيم في ميونيخ، قالت مركل إنها كانت في السابعة من عمرها عندما أمرت موسكو ببناء جدار الفصل في برلين. وبما أنها كانت متأثرة بتعاليم القس والدها، فقد اختارت جامعة ليبزيغ لتدرس العلوم التطبيقية، تحاشياً لدروس الإلحاد الشيوعي. كذلك تزوجت عالماً اختصاصياً في علم الطاقة، يدعى أولرخ مركل. ومع أنها طلقته بعد خمس سنوات إلا أنها ظلت تحمل اسمه.

تعترف مركل بأن تدمير جدار برلين (9 تشرين الثاني- نوفمبر 1989) كان المؤشر العملي لنهاية مرحلة وبداية أخرى. وقد استعارت من الأديب التشكيلي الرئيس فاكلاف هافل وصفه لجدار سميك يمثل جرحاً كبيراً في جسد أوروبا (طوله 28 ميلاً) لتتحدث عن سقوط جمهورية استخبارات «ستاسي»، وتتهيأ للعمل السياسي. وقد وجدت الرعاية لدى المستشار هيلموت كول الذي وصلت بفضل إرشاداته ومساندته إلى القمة. وفي 2015 ظهرت صورتها على غلاف مجلة «تايم» الأميركية، مع عنوان بارز يقول: «شخصية العام.»

ويرى المراقبون أن اختيار المجلة لها جاء كاعتراف بالجميل للقرار الذي اتخذته المستشارة باستقبال مليون لاجئ سوري بينهم عراقيون وأفغان. وهو قرار مخالف لموقف غالبية دول الاتحاد الاوروبي التي حذرت من زرع جسم غريب داخل مجتمع لا يرحب بالغرباء.

يزعم أنصار مركل أنها ازدادت قناعة بصواب موقفها بعدما ظهرت في برنامج تلفزيوني بعنوان: «هل تتمتع بالراحة في ألمانيا؟» واستضافت المحطة لاجئات من فلسطين وسورية والعراق. وفجأة، وقفت صبية قدمت نفسها باسم «ريم»، وراحت تستعطف المستشارة بلغة ألمانية سليمة، مؤكدة لها أنه سيتم ترحيلها قريباً إلى مخيم للاجئين في لبنان... وأنها استغلت هذه المناسبة لإظهار اندماجها في مجتمع تتقن لغته. ثم انفجرت بالبكاء. وما كان من مركل إلا أن تقدمت منها وراحت تشاركها البكاء وتربت على كتفها مطمئنة.

وبعد انصرافها من الاستديو، أسرّت المستشارة أمام مرافقيها بأن هذا المشهد العاطفي المؤثر أعاد إلى ذاكرتها كل ما اختزنته من خوف وكوابيس مزعجة كانت تؤرقها أثناء وجودها في ألمانيا الشرقية.

بعد مرور أكثر من سنتين ونصف سنة على تنفيذ قرار التحدي، تتعرض المستشارة مركل لحملة سياسة شرسة يمكن أن تسقطها من الحكم. وقد باشر في افتتاح الحملة وزير داخلية الحكومة الائتلافية التي ترأسها، معلناً معارضته لطالبي اللجوء إلى ألمانيا. ويُستدَل من نتيجة استطلاع للرأي أجرته شركة «يوغوف» أن ما نسبته 43 في المئة من المشاركين في الاستطلاع يريدون أن تستقيل المستـــشارة من منصبها. وقد وظف وزير الداخلية هورست زيهوفر نتائج الاستطلاع ليطالب باسم «الحزب الاجتماعي المسيحي» الذي يتزعمه بضرورة خروج ألمانيا من الاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 دولة. وهو يقدم الخلافات القائمة بين ايطاليا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا حول الحلول المطروحة كمَثل على التعاطي مع ملف الهجرات المتدفقة باتجاه أوروبا. وعليه يتبنى موقف مجموعة «فيزغراد» الرافضة لاستقبال المهاجرين من أي جهة، وتأتي في طليعة هذه الدول المجر وبولندا وتشيخيا وسلوفاكيا.

وقد بادر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مساندة مركل ومنع سقوطها عبر زيارة مفاجئة قام بها لبرلين. كل هذا قبل الاجتماعات الطارئة التي دعت إليها المفوضية الأوروبية في بروكسل هذا الأسبوع، بهدف صوغ حلول عاجلة تمنع تدفق اللاجئين إلى القارة العجوز، وتحول دون تنامي الخلاف الألماني- الألماني. ويرى ماركون أن الفشل لا يحصد ثماره سوى دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، الرئيسين اللذين يهمهما انفراط عقد الاتحاد الأوروبي!

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: سليم نصار
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ