إيران وشمّاعة الوهابية
إيران وشمّاعة الوهابية
● مقالات رأي ٣٠ أكتوبر ٢٠١٦

إيران وشمّاعة الوهابية

إذا كنت ممن يتابعون الإعلام الإيراني الذي يسيطر المحافظون على غالبيته الساحقة، ويمكنك أن تضم إليه إعلام التابعية الإيرانية في الدول التي يسيطر عليها الأتباع، كما هو حال العراق ولبنان وسوريا وجزء من اليمن، فضلا عن خطاب الشبيحة المنبثين في الإعلام ومواقع التواصل.. إذا كنت ممن يتابعون ذلك كله (نفعل بحكم المهنة طبعا)، فستلاحظ أن المصطلح الأكثر ترددا في ذلك الإعلام هو مصطلح «الوهابية»، حتى لكأن معركة إيران الراهنة في المنطقة هي مع «الوهابية» دون غيرهم، ولا وجود لمعركة مع البقية الباقية من الأمة.

وإذا جئنا نحرر المصطلح بحسب السائد، فإن من يدخلون تحت مظلته هم أقلية في الأمة، أعني التيار السلفي بتجلياته المختلفة (التقليدي، والجهادي والإصلاحي)، مع العلم أن غالبية الأمة باتت تخلط في بنيانها الفقهي والاعتقادي، ولم يعد سوى القليل منها يتبع مذهبا واحدا، بما في ذلك التيارات الإسلامية المسيّسة، إذ تجد مثلا في صفوف الإخوان المسلمين، سلفيين وأشاعرة، في حين تجد أكثر الناس يتبعون رأي من يفتيهم، أو من يرتاحون إليه من العلماء والدعاة، وكثير منهم يدخل إلى «جوجل» ليسأله عن الرأي في هذه المسألة أو تلك ويختار من بين الأقوال التي يجدها ما يرتاح إليه.

لم يسبق للأمة أن حُشرت في مذهب معين، لا في الفقه ولا في الاعتقاد، بخاصة أهل السنّة الذين يمثلون غالبية الأمة، والإقصاء مشكلة وقع فيها الكثير من المذاهب في لحظات قوتها، أو انحياز السلطة السياسية إليها.

حتى في السعودية التي تحتضن المذهب السلفي الذي يسميه إعلام إيران الوهابية، يمكن العثور على طيف واسع من الآراء الفقهية والاعتقادية أيضا، وإن بدا الخط السلفي هو الأكثر حضورا.

الحقيقة أن هذا الخطاب الإيراني هو خطاب سياسي يُستخدم للتضليل ليس إلا، فمعركة إيران هي مع الغالبية الساحقة من أهل السنّة، الذي يشكلون بدورهم الغالبية الساحقة من المسلمين، وليست مع الوهابية، ولا مع السعودية، وهذه المحاولة السخيفة لحشر المعركة في فئة معينة هي محاولة مفضوحة بامتياز، ولا تمر حتى على عقول الأطفال. هل الأتراك مثلا وهابية؟ وهل أهل سوريا الذين تقتلهم إيران وهابيون؟ أم أن أهل اليمن الذين يواجهون العدوان الحوثي وهابيون؟!
إنها معركة سياسية بامتياز تنخرط فيها غالبية تعتقد أن هناك عدوانا إيرانيا يريد تغيير حقائق التاريخ والجغرافيا في المنطقة، وهي غالبية لم تكن طائفية في يوم من الأيام، والسنّة أصلا لم ينظروا إلى أنفسهم يوما كطائفة، بل اعتبروا أنفسهم الأمة التي تحتضن جميع الأقليات الأخرى.

أهل السنّة وقفوا مع الثورة الإيرانية حين واجهت الشاه، وساندوا قتال حزب الله ضد العدو الصهيوني، لكنهم غيروا موقفهم حين أسفر المشروع الإيراني عن وجهه الطائفي البشع، وهو وجه تفضحه وسائل الإعلام والتصريحات اليومية التي تنقصها الدبلوماسية، ولا يغيره بعض الكلام الدبلوماسي من هذا السياسي أو ذاك.

غالبية الأمة ترفض العدوان، ولا شأن لها بالمذهب، وإذا ما توقف العدوان، فليتبع كل أحد المذهب الذي يريد، وأي حوار ديني يكون بالحسنى، وليس بالقتل والعدوان، والسنّة لا يخشون على مذهبهم، لأنه لم يتسيّد مشهد الأمة بسطوة السلطة كما يشاع، بل بقوة الحضور والإقناع.

الخلاصة أن استخدام حكاية الوهابية من قبل إعلام التابعية الإيرانية لا يمر على عقول الناس بحال، ويجب أن يدرك حكام إيران أنهم استعْدوا الغالبية الساحقة من أهل السنّة، ولن يربحوا هذه المعركة، لأن لهذه الغالبية تراثها الطويل في صدِّ الغزوات، وهذه الغزوة لن تكون استثناءً بحال.

المصدر: صحيفة العرب الكاتب: ياسر الزعاترة
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ