ارتباك حركة «فتح» في سورية
ارتباك حركة «فتح» في سورية
● مقالات رأي ٢٩ نوفمبر ٢٠١٤

ارتباك حركة «فتح» في سورية

المتابع لمواقف الفصائل الفلسطينية على مختلف ألوانها السياسية، من الإسلامية إلى العلمانية، تجاه الأزمة السورية الراهنة، يستطيع تحديد مواقف هذه التنظيمات بين الموالية للنظام السوري، والمتحيزة لخيار الشعب السوري في ثورته ضد الظلم.

هذه النظرية الموقفية واضحة وجلية وصحيحة اذا ما تم اسقاطها على مواقف الفصائل الفلسطينية، فهذه «الجبهة الشعبية - القيادة العامة» تقاتل إلى جانب النظام السوري في أكثر من موقعة، وكذلك «فتح الانتفاضة» و «النضال الشعبي» وما تعرف بفصائل التحالف في دمشق، كذلك حركة «حماس» أعلنت منذ البداية موقفها بدعم الشعب السوري في ثورته حتى نيل حقوقه في الحرية.

أما إذا أردنا إسقاط هذه النظرية علـــى موقف «أم الفصائل»، حركة التحرير الوطــــني الفلسطيني «فتح»، فيعجز هنا علماء السياسة في معرفة موقف «فتح» إزاء الأزمـــة في سورية، فلا هم في المنطقة البيضــــاء ولا السوداء ولا حتى الرمادية التي تحدث عنها ذات مرة رأس هرم النظام بشار الأسد، فما هي مواقف حركة «فتح» التي عجز عن فك رموزها الساسة والمحللون.

مخيم اليرموك كلمة السر في مواقف حركة «فتح» المتقلبة، فمنذ دخول قوات المعارضة السورية «الجيش الحر» إلى مخيم اليرموك جنوب دمشق في 8/12/2012 والسيطرة عليه حتى اليوم، شاركت مجموعات تابعة لحركة «فتح» في معارك طرد «الجبهة الشعبية - القيادة العامة» وعناصر النظام السوري من اليرموك، وكانت هذه المجموعات تتخذ من اسم وشعار «كتائب شهداء الأقصى» الذراع العسكري لـ «فتح» في فلسطين عنواناً لها، وحتى اللون البرتقالي نفسه الخاص بأعلام «فتح».

وعلى حين غرة تم حل هذه المجموعات العسكرية، التي كان يترأسها قيادات عسكريــــة من «فتح»، كما قضى العشرات مـــن أبناء «فتح» في سجون النظام السوري، مــنهم قياديون فيها وآخرون من نشطاء العـــمل الإغاثي والإعلامي في اليرموك، وكان لهم دور مميز في خدمة المخيم.

وعلى النقيض يأتي موقف «فتح» مؤيداً للعظم للرئيس الأسد، وربما ان الرئيس محمود عباس هو الزعيم العربي الوحيد الذي زار دمشق خلال الأزمة السورية، وأكد شرعية الأسد ونظامه، كذلك تصريحات قيادات «فتح» التي لا تزال مكاتبها في دمشق مفتوحة على رغم وجود مجموعات مسلحة لها في مخيم اليرموك المحاصر، هذه التصريحات المجحفة بحق الفلسطينيين في المخيم والذين تحملهم المسؤولية عن حصار مخيمهم للعام الثاني، من دون الحديث عن المحاصر الحقيقي، حتى أنهم يكذبون ارتقاء شهداء جراء الجوع في اليرموك.

فما هو الثمن الذي تدفعه حركة «فتح» لإرضاء النظام السوري، هذا الرضى الذي يشكل الحق الفلسطيني ومآسي أهالي اليرموك ثمناً له.

الآن من حقنا السؤال بعد أن حلت «كتائب شهداء الأقصى» التابعة لحركة «فتح» في اليرموك، إلى أين توجهت ولماذا حلت وبتعليمات من؟ هل كانت مواقف «فتح» المقطوعة الرأس سبباً في تأزم الوضع في اليرموك، وهل «فتح» مستفيدة من حصار المخيم لرمي الاتهام على أطراف فلسطينية أخرى وتشويه تاريخها النضالي.

الإجابة في هذه المعطيات:

- في خطوة مفاجئة طلب قادة «فتح» المتواجدون حالياً في مخيم اليرموك وبأوامر قيادة الخارج، طالبوا عناصرهم المسلحة بالانضمام إلى صفوف «جبهة النصرة»، كما طلبوا من مجموعات أخرى فتحاوية مبايعة «النصرة»، في سبيل الاستقواء بها وتعويضاً عن الغياب العسكري الفاعل على أرض المخيم بالمقارنة مع القوة الفلسطينية الأكبر وصاحبة النفوذ والقرار المسماة «كتائب أكناف بيت المقدس»، والتي تحسب على حركة «حماس»، فتأتي خطوة «فتح» هذه غير المحسوبة عواقبها مع النظام السوري، بالاحتماء بـ «جبهة النصرة»، وهذا يأتي من باب النكاية والمناكفة الفلسطينية الفلسطينية.

- أمـــا عن علاقة «فتح» بـ «تنــــظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، فهذه العلاقة التي ولدت قبيل أشهـــر من حملة التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة»، وبالتحـــديد خلال فترة محاصــــرة كتائب المعارضة السورية للتنظيم في منطقة الحجــــر الأسود جنوب اليرموك، حيث تؤكد المعلومات أن قياديين في «فتح» معـــروفون في اليرموك قدموا دعماً لوجستياً ومالياً لـ «داعش» خلال محاصرتهم في الحجر الأسود، وهذا ما يدل عليه من خلال العلاقات المتميزة لقيادات «فتح» مع تنظيم الدولة عقب التوقيع على اتفاق مصالحة بين كتائب المعارضة والتنظيم أخيراً.

هذا التحالف غير المعلن بين «فتح» و «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش»، هل ستكون له انعكاسات سلبية على العلاقة بين النظام السوري و «فتح»؟ وهل ستكون هذه الخطوة التي تعتبر آخر موقف سياسي لـ «فتح» على صعيد أزمة مخيم اليرموك بالتحالف مع تنظيمات «القاعدة» و «الجهاد»، هل تمثل رصاصة الرحمة لأي حل سياسي لمأساة الفلسطينيين في المخيم؟ وهل يعني هذا التحالف موقف «فتح» في نصرة الشعب السوري، أو أنه يأتي في سياق المراوغة لتحقيق المصالح الشخصية على حساب مصلحة الشعب الفلسطيني؟

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: شهبندر سعيد
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ