الأحادية الروسية القاتلة
الأحادية الروسية القاتلة
● مقالات رأي ١٤ يوليو ٢٠١٨

الأحادية الروسية القاتلة

عاش العالم بعد الحرب العالمية الثانية ما تم الاصطلاح عليها بـ"الحرب الباردة" التي قامت على الثنائية القطبية، وشكل كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي مركز استقطاب لمجموعةٍ دولية من حوله. وعلى هذا الأساس، تم ترسيم حدود الأمن الدولي والمصالح في ظل استمرار مظاهر الحرب الساخنة، مثل سباق التسلح.

قسّمت الثنائية القطبية العالم، بصورة قسرية، إلى معسكرين كبيرين، غربي وشرقي. وعلى الرغم من سطوة الجبارين، فإنها تحولت إلى صمام أمانٍ للنزاعات الكبرى، وكان من أهم إنجازاتها كبح الأطراف القوية عن التحكّم بمصائر الأطراف الضعيفة، سواء باللجوء إلى الأمم المتحدة، مثلما حصل خلال أزمة خليج الخنازير بين الولايات المتحدة وكوبا، أو بواسطة الحرب المباشرة، كما حدث في فيتنام، حين دعم الاتحاد السوفياتي السابق والصين الثورة الفيتنامية ضد الاحتلال الأميركي.

حين انهار الاتحاد السوفياتي عام 1991، ووضعت الحرب الباردة أوزارها، انتهت الثنائية القطبية، وعاش العالم مرحلةً جديدةً عرفت بـ"الأحادية الأميركية" التي قامت على هيمنة الولايات المتحدة على القرار الدولي. وجرت، في هذه الفترة، سلسلة من التحولات الدولية الكبرى، أبرزها تشظي الاتحاد السوفياتي، ولم تسلم المنظومة التي كانت تدور في فلكه، وبسرعة شديدةٍ تفككت دول أوروبا الشرقية بشكل سلمي (الثورة المخملية)، باستثناء يوغسلافيا التي انتهت على نحو دراماتيكي، وعن طريق حربٍ ضاريةٍ بين مكوناتها العرقية والدينية.

وكان من الطبيعي أن تصل التداعيات إلى المنطقة العربية، حيث وجدت الدول العربية صديقة موسكو نفسها في وضع حرج، ما دفع بعضها إلى الهرولة، مقدما أوراق الطاعة لواشنطن، وبعض آخر بحث عن حلفاء جدد في الصين وأوروبا الغربية، في حين دخل آخرون في تكتلات إقليمية من أجل حماية أنفسهم.

يواجه العالم اليوم بداية مرحلةٍ من أحاديةٍ جديدةٍ، تقوم على تفرّد روسيا بعد انسحاب الولايات المتحدة من ملفات ساخنة عديدة، وتخليها عن دورها وحضورها في مناطق متفجرة من العالم، عاشت تاريخيا على التوازن بين القطبين، وأدّى التخلي الأميركي إلى انكشاف دولٍ كثيرةٍ أمام الروس الذين بدأوا هجوما كاسحا على المنطقة منذ عدة سنوات، ودخلوا طرفا في الصراعات الأهلية، كما الحال في سورية التي باتوا أصحاب الكلمة الأولى فيها، ومنها بدأوا يعدّون العدة للتوسّع على المدى المنظور.

القطبية الجديدة معكوسة، حيث تبدو مواقف الطرف الأميركي ملتبسةً حيال الملفات الرئيسية. وبدلا من أن يكون الانكفاء الأميركي نحو الانعزالية، فإنه يتجه إلى تنازلٍ ضمني للأحادية الروسية، حتى أن قمة ترامب بوتين المرتقبة يوم الاثنين المقبل تبدو أيسر من اجتماع ترامب مع زعماء حلف شمال الأطلسي في قمة منتصف هذا الأسبوع، وذلك على حد تعبير ترامب نفسه. وفي حين يعزو كثيرون الالتباس الذي يصل إلى حد الميوعة للرئيس ترامب، وظروف انتخابه، فإن التأسيس للعملية تم على يد سلفه باراك أوباما الذي مارس سياسة الانكفاء من المنطقة، وكان أبرز تجلياتها تسليم العراق لإيران، وترك الشعب السوري لمصير كارثي، ولا سيما بعد استخدام النظام السوري السلاح الكيميائي في أغسطس/ آب 2013.

تعمل روسيا على وضع أقدامها في المنطقة بقوة، وتخطط للتوسع من سورية التي سوف تكون مرشحةً كقاعدة للانتداب الجديد، نحو الأردن ولبنان والعراق، وذلك بالتفاهم التام مع إسرائيل التي نالت أكبر جائزةٍ، تتمثل في دمار المنطقة من العراق وحتى اليمن.

التدخل الروسي العسكري والمشاركة في الحرب ضد الشعب السوري سوف يجرّ على روسيا الويلات، ويعقد أساليب الوصول إلى حلٍّ ينهي الحرب والنزاع، ويسد الأفق أمام تسويةٍ داخلية بين مكونات البلد. وتشكل الفظاظة الروسية عاملا إضافيا لإدامة النزاع، وهذا هو التحدّي الأساسي للأحادية الروسية، وقد يشكل مدخل هزيمتها، مثلما كان العراق للولايات المتحدة.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: بشير البكر
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ