الأردنيون حائرون، يفكرون.. يتساءلون
الأردنيون حائرون، يفكرون.. يتساءلون
● مقالات رأي ٢٩ يونيو ٢٠١٥

الأردنيون حائرون، يفكرون.. يتساءلون

سقط يوم الخميس الماضي طالب جامعي أردني شهيداً، في مدينة الرمثا المحاذية للحدود الشمالية مع سورية، بعد أن سقطت قذائف على سوق المدينة، وأدت إلى جرح عدد من الأشخاص أيضاً.
كانت المشاهد المحدودة المتوفرة للحظات سقوط القذائف، وما أحدثته من فوضى ودمار ودماء، صادمة للأردنيين الذين كانوا يشعرون بأنّهم بعيدون تماماً عمّا يجري في الجوار، ليشعروا، مباشرةً، بحرارة الجغرافيا المحيطة وبخطورتها. وتنتاب الحيرة الرأي العام فيما إذا كان سيدعم أي خطوات للردع أو درء الخطر خارجياً، كما يدعو بعضهم، أو إذا كان سيكتفي بالدعوات بأن تبقى المخاطر محدودة، ويلتزم الأردن بضبط النفس وعدم الانجرار إلى مواجهة كارثية في الجوار.
وجاء المشهد المؤثّر لجنازة الشهيد في مدينة الرمثا، اليوم التالي، بحضور آلاف المواطنين، بعد جدل كبير في الأوساط السياسية والإعلامية حول موقف الأردن مما يحدث من فوضى إقليمية في المنطقة، وهو جدل تفجّر بعد مقالٍ جريء لأحد الكتّاب في صحيفة شبه حكومية بعنوان مثير (مملكة عربية عاصمتها عمّان)، يُحاجّ فيه بأنّه ليس أمام الأردن إلّا خياران؛ التمدد أو التقسيم، ويسند هذا التحليل على فرضية انتهاء الدور الوظيفي الإقليمي (التاريخي) للأردن، فإمّا أن يضم أجزاء من العراق (الأنبار) وسورية (درعا)، والضفة الغربية، أو العكس تماماً، مع تلميح إلى أنّ المسار الثاني (التفكيك) قد يكون إذا ما وقف الأردن في وجه هذا السيناريو، الذي من المتوقع أن تتبناه دوائر غربية!
"كيف ستبحر السفينة الأردنية بأمان، وسط هذا البحر المتلاطم بالفوضى والدماء والدمار، وفي مناخات ضبابية غير واضحة؟"
ما أعطى هذا الجدل زخماً داخلياً كبيراً، وفجّر التكهنات والتساؤلات، تصريحات للملك (خلال تلك الفترة) خلال لقائه مع عشائر البادية الشمالية عن ضرورة دعم الأردن وإسناده عشائر سنية في العراق وسورية، ما فُهم منه، أيضاً، بالتلميح لاحتمالية تورط الأردن في الأحداث الجارية خارج الحدود. وتزامن ذلك كله مع رفع الراية الهاشمية في احتفال كبير للجيش، وتصريحات لرئيس هيئة الأركان يتحدث فيها، ضمنياً، عن التحول من مفهوم الدفاع إلى الردع، لمواجهة الأخطار الإقليمية المحدقة، متوعداً من يفكّر المساس بأمن الأردن بردٍّ قاسٍ.
استمرّ الجدل أياماً، قبل أن يتدخل وزير الدولة لشؤون الإعلام، نافياً أي توجه أردني للتمدد، والطريف أنّ الحكومة احتاجت هذه المدة الطويلة إزاء حوار ساخن احتل المناخ السياسي في البلاد، ما يعني أنّها احتاجت معلومات من جهاتٍ سيادية أخرى، لكي تطمئن لعدم وجود مثل هذا التوجّه المعلن، والإذن بمثل هذا التصريح.
المفارقة أنّ حادثة الرمثا أثبتت، بعد أيّام قليلة على هذه النقاشات والتطورات، أنّ الظروف الإقليمية معقّدة وصعبة، وأنّ سيناريو التمدد وهم كبير، وغير مطروح واقعياً، حتى لو تبنّته بعض دوائر القرار، أو مراكز تفكير غربية، ذلك أنّه يتطلب شرطين رئيسين. الأول، توفر قبول ورضا عام من الأقاليم المقترحة لهذا الضم. والثاني، قابلية الأردن اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً لمثل هذا الدور، وهذا أيضاً غير متوفر بأيّ حالٍ.
انفجرت التساؤلات الداخلية عن خيارات الأردن في التعامل مع بيئة محيطة، بدأت نيرانها تقترب من الحدود، فيما لو زادت مثل هذه الفوضى، وارتفعت وتيرة تأثيرها على الأردن، خصوصاً مع اندلاع (عاصفة الجنوب) التي تخوضها فصائل المقاومة لتحرير مدينة درعا بالكامل من جيش النظام، وفيما إذا أراد النظام السوري أن يذيق الأردن من (كأس السمّ) الذي يتهم إعلامه الأردن بـ "إعداده"، عبر غرفة عمليات مشتركة في مدينة المفرق، تقف وراء صعود "الجبهة الجنوبية" الموالية لعمّان والرياض في مواجهة النظام السوري.
إلى الآن، ما يزال الرهان المعلن لمطبخ القرار واضحاً؛ فسيستمر الأردن في دعم الجبهة الجنوبية التي باتت تسيطر على مناطق واسعة من الجنوب السوري، لكنّ هذا على المدى القصير، أمّا المدى البعيد إذا شهد مزيداً من التدهور السياسي والأمني، وتبدّت التقسيمات الطائفية، فإنّ خيار التعامل مع الجنوب السوري، وربما الشرقي أيضاً، سيحتاج إلى تصوّر استراتيجي آخر، فلا استقرار مع غياب أي دولة على الحدود، ومع تبدل وتغيّر موازين القوى الدائم بين الفصائل السورية، ما يجعل الأخطار الأمنية والهجرة مطروحة بقوة ومقلقة.
وعلى الحدود الشرقية، تبدو المسائل أكثر تعقيداً، فمشروع تسليح العشائر في مواجهة داعش يعاني من صعوبة وبطء كبير، بسبب الخلافات بين الحكومة العراقية والقوى السنية، ما أتاح لتنظيم داعش، أخيراً، السيطرة على الرمادي والتمدد في المناطق المحاذية للأردن، فإذا ما ارتفعت وتيرة الفوضى في هذه المناطق، وامتدت إلى الأراضي الأردنية، ما هي الخيارات المتاحة؟
مع بداية الحرب على الإرهاب، كان شعار مطبخ القرار "إنها حربنا" ومشاركة الأردن الرمزية في الحملة الجوية موضع جدل داخلي كبير، طالما أنّ الحديث عن مناطق بعيدة، الموصل والرقة، فلماذا الزجّ بالأردن في "حرب وكالة" دولية وإقليمية، إلاّ أنّ المعادلات على الأرض اختلفت تماماً اليوم، فالأردن لم يعد معنياً بتبرير مشاركة محدودة في حرب جوية، بل هو معنيّ بمراقبة شديدة ومتابعة يومية لتطورات الأزمتين، السورية والعراقية، ولحدود لم تعدّ آمنة بالجوار، ولحركات دينية صاعدة تحمل خصومة مع المملكة، ولتيار راديكالي ينمو في الداخل، ولعلاقات ضبابية مع كل من إيران والسعودية والحكومة العراقية.
كيف ستبحر السفينة الأردنية بأمان، وسط هذا البحر المتلاطم بالفوضى والدماء والدمار، وفي مناخات ضبابية غير واضحة؟ هذه التساؤلات لم تنفجر مع قذيفة الرمثا، بل ارتفعت وتيرتها، وأصبحت مقلقة بدرجة أكبر بكثير للأردنيين بانتظار القادم.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: محمد أبو رمان
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ