الإبادة الجماعية المنظمة في سوريا
الإبادة الجماعية المنظمة في سوريا
● مقالات رأي ٢٤ ديسمبر ٢٠١٤

الإبادة الجماعية المنظمة في سوريا

أكثر من سنوات ثلاث، ولا يزال المجتمع الدولي فاقدا القدرة على لجم ارتكاب المجازر البشعة في سوريا، وعلى الرغم من عمليات التوثيق الواسعة، المتسمة بالدقة والمصداقية، فإن المنظمات الدولية المعنية بانتهاكات حقوق الإنسان، لم تستطع إقناع مجلس الأمن بضرورة اتخاذ موقف ملزم للنظام السوري، بوقف تلك الجرائم الدموية المستمر في ارتكابها.

ولعل القرار الصادر مؤخراً عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، بإدانة انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، يوضح مبلغ التهاون الدولي في قضية إنسانية كبرى، من مهامه الحيلولة دون وقوعها. وهو في الواقع مجرد قرار غير ملزم، ولا يتضمن أي آليات من شأنها حماية الحقوق والحريات، وإحالة ملف انتهاكات النظام السوري إلى مجلس الأمن، ومن ثم إلى محكمة الجنايات الدولية، أو إنشاء محكمة دولية خاصة بسوريا، نظير الجرائم والمذابح المرتكبة منذ مارس 2011، بصورة ممنهجة.

الإشكالية الأساسية تكمن في أن آليات اتخاذ القرار في مؤسسات المجتمع الدولي (الأمم المتحدة) تعتمد بدرجة كبيرة على مبدأ التوافق، خشية اصطدام أي مشروع قرار بحق النقض، ما يجعل من اتخاذ أي قرار بمعاقبة نظام بشار الأسد أو محاسبته، أمرا مرتهنا بتطورات الأزمة والصراع في سوريا، وبالتوافق الدولي، خاصة أن روسيا والصين لن تتأخرا في استخدام الفيتو دعما لنظام الأسد وحماية له.

يضاف إلى ذلك، ضعف المعارضة السورية، وعدم قدرتها، حتى اليوم، على حشد رأي عام دولي، حقوقي بالدرجة الأولى، مساند ومتبنٍّ لفكرة حماية السوريين من انتهاك الحقوق والحريات، وداعم لمسألة المحاسبة عبر المحاكم الدولية.

يكاد لا يمر يوم، منذ قرابة أربعة أعوام، دون أن تكون هناك مجزرة جديدة، والضحايا في غالبيتهم مدنيين. هذه هي الصورة الأشد قتامة في المشهد السوري الذي عمّدته دماء وأرواح ربع مليون إنسان، شكلت ذروة لا متناهية في مدى الإجرام الذي وصلت إليه عصابات الأسد، التي خيّرت السوريين ما بين حرق البلد.. أو الرضوخ لبشار الأسد.

لم تكن تلك العبارة نسج خيال، أو نتاجا لتفاعلات الصدام الذي تطور نحو التسلح، بين طلاب الحرية، ومنظومة الدكتاتورية التي تجذرت أظلافها في الجسد الوطني. لكن عبارة “الأسد أو نحرق البلد”، كانت بمثابة إطلاق لإستراتيجية المواجهة والحل الأمني، الذي التزم به النظام مدعوما من إيران وروسيا. فأعمل في حرق البلد بشكل ممنهج وفعّال، بوسائل مختلفة، من الرصاص الحيّ في البدايات، حتى استخدام الكيمياوي، مرورا بالذبح بالسكين، قبل أن تقوم بذلك “داعش” وأخواتها، بسنتين على الأقل، في البيضا وبانياس والحولة.

كانت المجازر منهجية متكاملة الأبعاد، ليس لبث الرعب، بل لمعاقبة السوريين، لخروجهم مطالبين بالحرية والكرامة، لم يكن هدفهم البحث عن رغيف الخبز، الذي صار داميا فيما بعد بأكثر من مجزرة. ولكنها أيضا أنجع وسيلة للخراب، والأهم إفراغ البلد من القدرات البشرية المهولة التي يقوم عليها عبء استنهاض سوريا وإنمائها، لما بعد الحقبة الأسدية. واليوم قرابة 40 بالمئة من السكان، هم لاجئون ونازحون مهجرون. لعبت المجازر دورا بارزا في ذلك. وهي حلقة جديدة استخدمها النظام طوال 45 عاما، في سياسة التغيير الديمغرافي للمجتمع السوري، وخاصة التجمعات المدنية الكبرى، مثل مراكز المدن السورية؛ دمشق وحمص وحلب.

في كل يوم مجزرة: تم توثيق 33 مجزرة في شهر نوفمبر الماضي، توزعت على كامل الأراضي السورية، إلى حدّ ما، كان للرقة النصيب الأكبر من حيث الوحشية الدامية وعدد المجازر وحصيلتها من الضحايا. ارتكب نظام الأسد فقط واحد وثلاثون مجزرة، فيما ارتكبت كل من “داعش” وأخواتها مجزرتين اثنتين، في الشمال السوري. وطوال سنوات المحنة السورية، اتسمت تلك المجازر بأنها موجّهة بصورة خاصة لاستهداف المدنيين، والتجمعات السكنية والأسواق الأكثر كثافة، وفي ساعات الذروة، وهو الأسلوب الذي يتماثل مع أسلوب القاعدة ومشتقاتها، مع الفارق بأن النظام يستخدم الطيران، والقاعدة (داعش والنصرة) تستخدم السيارات المفخخة. الرؤية أو العقلية الإجرامية متطابقة، ما يؤكد العلاقة مابين الطرفين، في الخبرة والهدف.

استخدم نظام الأسد، مبكرا، أسلوب مداهمة القرى والبلدات، وارتكاب المجازر بوسائل باردة غالبا: الذبح بالسكين والساطور، في صورة مشابهة لما حدث في صبرا وشاتيلا. ثم تطورت وسائله عبر الطيران، فاستخدم القذف الصاروخي، وصواريخ سكود، ثم ابتدع البراميل المتفجّرة، التي تعدّ اليوم أكثر الوسائل منخفضة التكاليف، وشديدة التأثير والتدمير. ولم يتوقف الأمر عند استخدام الأسلحة الكيمياوية، ولكنه تعداها إلى الأسلحة الفراغية. والهدف هو المدنيين في كل مرّة.

مجازر أخرى، أشد بشاعة، تتمثل في عمليات التصفية الفردية والجماعية، للمعتقلين السياسيين في سوريا. ليست هناك أرقام دقيقة، ولكنها تجاوزت الـ15 ألفا. يلجأ النظام إلى قتل النشطاء السلميين بصورة منتظمة، من ذوي الكفاءات والمتميزين، تحت التعذيب، وفي عمليات تصفية جماعية، داخل المعتقلات المتوزعة على نطاق واسع داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام، بما فيها المعتقلات المستحدثة. يستخدم النظام داخل السجون أساليب التعذيب المبتكرة الأكثر وحشية مثل التجويع، والحرمان من المداواة، وهي غالبا ما تأخذ شكل جرائم يومية، لا يحاسب عليها أحد. ثمة شبه كبير أيضا هنا، مع جرائم نظام معمر القذافي ضد المدنيين، والمعارضين وعائلاتهم. وتعيد إلينا جرائم الأسد، فداحة الإجرام التي مورست بحق سجناء أبي سليم في صيف 1996 بفظاعتها التي تجاوزت كل تصور إنساني.

تبدو جرائم الأسد المتواصلة بحق السوريين، دون أي رادع دولي أو إقليمي، يضع حدّا للجزار الذي يستغل صمت المجتمع الدولي وتواطؤه المشين، ليرتكب المزيد، دون أن يعير اهتماما بالقانون الدولي. وجميع المجازر دون استثناء، تندرج تحت بندي؛ جرائم الحرب ضد المدنيين، وجرائم الإبادة البشرية.. لكن العدالة الدولية، تبدو غير ممكنة في ظل إفلات المستبدين القتلة من العدالة.. ولكن إلى حين.

المصدر: العرب الكاتب: عبد الرحمن مطر
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ