الإبادة السورية المسماة إدارة أزمة
الإبادة السورية المسماة إدارة أزمة
● مقالات رأي ٢ أبريل ٢٠١٨

الإبادة السورية المسماة إدارة أزمة

وحتى إذا بقيت الغوطة قرب دمشق خارج سيطرة النظام، فذلك لن يغير شيئا في المعادلة السورية، مثلما أن سيطرة نظام الأسد على غالبية سورية لن يغير شيئا، والمعارضة، ومنذ سنوات خرجت من كونها مصدر خطر على النظام، بعد أن تحوّلت المسألة السورية برمتها إلى شأن إقليمي دولي.

قبل سنوات من عملية اجتياح الغوطة، جرى إخراج المعارضة السورية من معادلة الصراع في سورية، بتوافقٍ ضمني بين عواصم القرار الدولي، وتم تجميد وضعها السياسي، ولم يصر إلى تطويره إلى درجة اعتمادها ممثلاً نهائيا للشعب السوري، وبالتالي التنسيق معها لترتيب السياقات ولزوميات إدارة المراحل المقبلة.

وبالتزامن، جرى تجميد وضعها العسكري، وتحديد سقف فعاليتها، بحيث لا يتجاوز عملها إطار المناوشة في سياق تراجعي، بدأ في حمص ولم ينتهِ بعد، وتحوّلت مع الزمن إلى مجموعات حراسةٍ لمناطق مشتتة من دون رؤية إستراتيجية.

ليس ما جرى مؤامرةً دولية، على ما يحلو لبعضهم تصويره، لكنه تطبيق لتقديرات دوائر القرار في مراكز القرار الدولية بضرورة إيجاد توازن معين في بيئةٍ يملك عنها أصحاب تلك التقديرات تصوراتٍ نمطية وقوالب معرفية جاهزة، بعضها تشكّل من مرحلة الاستعمار وبعضها الآخر من تجارب قريبة في المنطقة.

هي في الأغلب خلطةٌ من الخوف من سيطرة الإسلامويين على السلطة والقلق بشأن مصير الأقليات والرعب على مصير إسرائيل وسواها، وحصل أن الثورة، وبالمعطيات التي صدرتها، عملت على ترسيخ تلك الرؤى والتصورات، وإزاحة كل ما من شأنه ترجيح بدائل تصورية عنها.
هذا الكلام أصبح الآن من تاريخ الحدث السوري، بيد أنه لم يجد في الوسط أطرافا قادرة على وعيه. والغالب أن الأمور كانت قد خرجت عن قدرة أي طرفٍ على تعديله، وخصوصا أنه لم يتأخر الوقت طويلا قبل أن يجد اللاعبون أنفسهم يدورون في فلك قوى إقليمية ودولية، سيطرت على الملعب، وبدأت بتصميم اللعبة بما يتطابق ومصالحها.

على ذلك، يصح بدرجة كبيرة ربط اللعبة بإدارة دولية، والتوازن المشار إليه هنا ليس سوى توازنٍ بين هذه القوى، لأن اللاعبين المحليين استنزفوا ولم يعد بإمكان أي منهما، لا من حيث القدرة ولا من حيث الموارد، على إدارة البلاد السورية.

بيد أن ذلك وضع سورية في مأزق خطير، ذلك أن الأطراف الدولية، لا اليوم ولا في المستقبل القريب، كان، أو سيكون، لديها مقاربة موحّدة لإخراج سورية من الأزمة، وبدلاً من إدارة الأزمة، وصولاً إلى إنتاج تسويات تضع حداً للصراع، دخلت أطراف اللعبة جميعها في صراعاتٍ مع اللاعبين المحليين، كناية عن الصراع فيما بينها، كما ترجمت صراعاتها على شكل نزاعاتٍ على مناطق جغرافية، بعينها لأغراض إستراتيجية او اقتصادية.

وهذا ما يجعل الإدارة الدولية والإقليمية لسورية مختلفة عن أي تجربةٍ سابقةٍ شبيهة بهذه الحالة، سواء في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، أو في الجزيرة الكورية، منتصف خمسينيات القرن الماضي، حيث إن إدارة هاتين المنطقتين خضعت لتوافقات وتفاهمات حدّدت من خلالها أطراف اللعبة، أميركا والاتحاد السوفييتي، مجال سيطرة كل طرف وحدودها، وكان جدار برلين شاهداً على هذا التوافق.

في سورية، لا تزال المسألة قيد التشكّل، ولم يجر بعد توضيح المجالات، وثمّة تداخلات تبرز المشكلات بشأنها بين حين وآخر، وقد تحوّلت إلى عناوين لصراعات محتملة، مثل مناطق شرق الفرات، وبعضها دخل في طور ترتيبات الحرب، كما في جنوب سورية، حيث تنذر هذه المنطقة بإمكانية حصول تطورات خطيرة على مستوى حرب إقليمية.

يعني ذلك أن الأزمة السورية تنتظرها جولات من الصراع، لتحديد مواقع أطراف اللعبة وحدودها، وتنطوي كل جولة من هذه الصراعات على إمكانية تحويل مواقع جديدة "مدن وأرياف" إلى قائمة الدمار المفتوحة. وأن سورية تحولت إلى ساحة حروب مفتوحة، وكل منطقة مؤهلة لنوع من الصراعات ولاعبين مختلفين، فصراع الجنوب ليس بالضرورة أن يؤثر في صراع الشمال، والعكس صحيح.

صحيح أن الصراع المباشر بين روسيا وأميركا ممنوع، أو أنه تحت السيطرة، غير أن ذلك لا يمكن الارتكاز عليه منطلقا لصناعة التسوية في سورية. وبالعكس، فإن ترجمات التوافق على عدم الصراع بين اللاعبين الكبار نجدها في حروب الإبادة التي تشنها روسيا في الغوطة الشرقية وفي إدلب وأرياف حماة، على اعتبار أن هذه المناطق تدخل في حيز حصتها السورية حيث لا توجد قواعد لعبة تحدّد طبيعة السلوك الروسي سوى ما تحدّده روسيا نفسها.

لن تغير سيطرة منظومة الأسد شيئاً مهماً في وضع سورية، لأن الأسد ومنظومته ليسا أكثر من واجهة، تستثمر روسيا وإيران دموية هذه المنظومة، لمواجهة خصومهما الدوليين والإقليميين، في عملية ليست أكثر من عملية إبادة، يطلقون عليها مسمياتٍ من نوع صراع أو إدارة أزمة!
وليس مصادفةً ولا مبالغةً اعتبار مندوبي مجلس الأمن أن سورية باتت عاراً على المجلس، ليس لما تشكّله من إخفاق في عمله والمؤسسات الدولية، وإنما للانحطاط الذي وصل إليه العقل السياسي المعاصر، حينما قبِل أن يتحوّل شعبٌ برمته إلى مجرد مجال لاختبار فعالية الأسلحة وقياس قدرة النظام الدولي على استيعاب السياسات المارقة لأعضائه، وتصوير ذلك على أنه إدارة عمليات التوازن في هذا النظام.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: غازي دحمان
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ