الارتباك المشترك في ألمانيا
الارتباك المشترك في ألمانيا
● مقالات رأي ١٦ يناير ٢٠١٨

الارتباك المشترك في ألمانيا

تتناقض الأرقام والإحصائيات حول عدد السوريين في ألمانيا، والسبب الأساسي في التناقض هو فارق بين اللاجئين الجدد واللاجئين القدامى. وإذا كان المقصود باللاجئين الجدد الذين وصلوا إلى ألمانيا في السنوات الخمس الأخيرة، فإن أعدادهم تزيد قليلاً على 650 ألف نسمة، حسب المصادر الألمانية.

ويتوزع اللاجئون السوريون على مختلف المدن والقرى الألمانية، وإن يكن بنسب مختلفة، وهو توزع متعمد من جانب الحكومة الألمانية، هدفه كما يقول مسؤول ألماني تسريع عملية اندماج السوريين، ومنع قيام كانتونات لهم، تؤخر اندماجهم السريع عبر تعلم اللغة الألمانية وإجادتها، مما يساعدهم في الحصول على عمل، يعطيهم فرصاً أفضل للانخراط في البنية العامة للمجتمع الألماني.

ويتقاطع الهدف الألماني المعلن مع رغبات أغلبية اللاجئين في بدء حياة مستقرة، تعزز مشاركتهم في الحياة العامة، وتوفر لهم ولأولادهم مستقبلا أفضل بعد كل ما أصابهم من كوارث في السنوات الماضية على أيدي نظام الأسد وحلفائه من روس وإيرانيين، أدت بالنتيجة إلى تهجيرهم ولجوئهم إلى ألمانيا.

ورغم المشترك في هدفي الألمان واللاجئين السوريين، فإن مشكلات كثيرة تحيط بالطرفين، وتخلق صعوبات وعقبات في طريق الوصول إلى تحقيق المشترك في أهدافهما.

ولعل الأبرز في الصعوبات والعقبات على الجانب الألماني، الارتباك الواضح في السياسة الألمانية في موضوع اللاجئين السوريين خاصة، الذي يجد تعبيراته المباشرة في أمرين: الأول، التغييرات المتواصلة في القوانين الألمانية المتعلقة باللجوء والهجرة، التي تغيرت وتبدلت مراراً في السنوات الثلاث الأخيرة، والأمر الثاني الخلافات بين الجماعات السياسية وداخلها حول قضايا اللاجئين ومستقبلهم في ألمانيا، وهي خلافات أثرت على نتائج الانتخابات العامة الأخيرة، وعلى تركيب وعلاقات التحالف الحاكم، وجعلت الأطراف الأكثر تفهماً وتأييداً لسياسة إيجابية، أضعف مما كانت عليه، وإن لم تقصها عن السلطة، كما أدت تلك الصعوبات والعقبات إلى خلق تناقضات واقعية في حياة اللاجئين ومحتويات ومستويات التعامل معهم ومع مشكلاتهم في ألمانيا.

أما الأبرز في الصعوبات والعقبات لدى السوريين، فكانت أكثر لأنهم الطرف الأضعف في الثنائية الألمانية - السورية، وتظهر الصعوبات والعقبات في معطيات كثيرة لعل الأهم فيها حاجز الاندماج، وما يتصل بموضوع تعلم اللغة الألمانية، وهي لغة غير مألوفة من جانب السوريين على نحو ما هو حال الإنجليزية والفرنسية، الأمر الذي يشكل عقبة أمام متوسطي الأعمار وكبار السن، تمنع انخراطهم في سوق العمل، سواء بخبراتهم السابقة أو في موضوع اكتسابهم خبرات جديدة، لا يمكن الحصول عليها إلا عبر إجادة الألمانية حتى بالنسبة للأعمال البسيطة والهامشية.

وبين المعطيات الخاصة بالعقبات والصعوبات، ما يخص الإقامة وتأخير إجراءات الحصول عليها وعمليات لم الشمل العائلية، وقد خلق الارتباك الألماني في منح الإقامات مشكلات معقدة، خاصة إذا تم منح الإقامة لمدة عام، التي لا يجوز للحاصل عليها القيام بلم شمل أفراد أسرته، التي يكفل القانون الألماني حقهم في لم الشمل، كما أن في منح إقامات الأسر مشكلات بينها، أفراد منها يمنحون إقامات لثلاث سنوات، وآخرون لا يمنحون إلا عاماً واحداً، والبعض لا يعطى إقامة أساساً، مما يخلق أجواء من عدم الاستقرار، ويجعل من الصعوبة بمكان السير في عملية الاندماج، كما ينبغي أن تسير. كما أن شكوكاً أخذت تتنامى في صفوف السوريين ممن حصلوا على إقامة إنسانية حول مستقبل البقاء في ألمانيا في حال تحسن الأحوال الأمنية في سوريا.

وكما هو واضح في الارتباكات المشتركة، فإن نتائجها تترك آثاراً سلبية على الطرفين الألماني والسوري، حيث بدأ الأول في سنوات 2015 - 2016 شديد الحماس لاستقبال اللاجئين السوريين واستيعابهم، مضحياً بدفع أكثر من ستة عشر مليار يورو على اللاجئين (وأكثرهم من السوريين) فيما كان السورين يفضلون اللجوء في ألمانيا على غيرها من البلدان الأوروبية، قبل أن تتبدل نظرة كثيرين منهم، بل وميل بعضهم إلى مغادرة ألمانيا إلى بلد آخر.

الأهم مما سبق، أن عملية الارتباك القائمة لدى الألمان والسوريين مستمرة، بل إنها مرشحة للتصاعد مع صعود الاستياء من وجود اللاجئين، بدل أن تسير نحو معالجة جذرية، تؤدي إلى تحسين أوضاع اللاجئين وتسهيل عملية اندماجهم، وخلق ظروف أفضل لمستقبلهم في ألمانيا.

المصدر: الشرق الأوسط الكاتب: فايز سارة
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ