التدخل الروسي في سوريا، عراقيا
التدخل الروسي في سوريا، عراقيا
● مقالات رأي ٨ نوفمبر ٢٠١٥

التدخل الروسي في سوريا، عراقيا

إن أهم ما ينبغي الحديث عنه من تطورات القفزة (الطيرانية) البوتينية في سوريا هو موقف المعسكر العراقي الإيراني الذي أثبت في هذا الموضوع، كما في مواضيع عديدة أخرى، مدى تورطه في التبعية لنظام الولي الفقيه وغوغائيته وسطحيته في تقدير الظروف واختيار المواقف.

فزعماء هذا المعسكر ما زالوا إلى الآن يكابرون ويتجاهلون حقيقة أن التدخل الروسي هو إعلان رسمي مجلجل عن الفشل العسكري الإيراني في سوريا، ومحاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل فوات الأوان، بعد أن عجز قاسم سليماني، بكل ما حشده من حرسه الثوري ومن قوات رديفة لبنانية وعراقية وأفغانية ويمنية عن وقف انتصارات المقاومة السورية وتقدمها المتلاحق، وتساقط المدن والقرى، واقتراب النار من حيطان القصر الجمهوري.

من أول دخول الطيران الروسي إلى ميدان المعركة ومباشرته بقصف المعارضة السورية في حلب وحماة ودرعا والغوطة، بذريعة محاربة داعش، خرج فرسان المعسكر العراقي الإيراني إلى الشوارع مهللين على شاشات فضائياتهم للمارد الروسي العظيم الذي جزموا بأنه سيقلب الدنيا في أيام. حتى أن هادي العامري وأبو مهدي المهندس وواثق البطاط تشفوْا علنا بهزيمة أوباما والسعودية وتركيا، وطالبوا حيدر العبادي بترك الحليف القديم والاستدارة نحو الحليف الجديد على أساس أن حبيب حبيبي حبيب. وقد لخص النائب عن منظمة بدر حسن الساعدي، في تصريح لقناة الغدير التابعة للمنظمة، موقف الميليشيات الشيعية العراقية مجتمعة من التدخل الروسي، فوصف بوتين بأنه “الحليف القوي الثابت الذي لم يخن حلفاءه، ولم يغير التزامه بالدفاع عنهم، رافضا مقايضة مواقفه الشريفة بأيّ ثمن”.

واعتبر تدخله في سوريا ردا على تفرد أميركا في محاربة داعش، والتي ثبت فشلها، وفقا لرأيه، على الرغم من مرور نحو عام كامل على الإعلان الأميركي عن الحرب ضد داعش في العراق.

وعلى وسائل التواصل الاجتماعي رحب كثيرون منهم بهذا “الفارس البطل” المعادي لأميركا. وذكرت وكالة (فرانس برس) أن البقالين في الأسواق الشعبية العراقية أعلنوا عن أنواع من الأطعمة قالوا إن بوتين يستخدمها في غذائه، وهي التي مكنته من الوصول إلى هذه الحنكة العسكرية.

وحين كتبتُ هنا، في الأسبوع الماضي، مقالا عن قفزة بوتين (الطيَرانية) السورية التي فاجأ بها العالم، وشبّهتها بدخول صدام الكويت، وقلت إنها مقامرة غير محسوبة النتائج، لأنها ترى الربح فقط ولا ترى الخسارة المحتملة، انتقدني كثير منهم.

ويومها توقعتُ أن يعيد بوتين، بسرعة، حساباته وأن يدرك أن الخروج العاجل من سوريا بأقل خسارة ممكنة وبأيّ ربح ممكن، أسلم له وأنفع وأضمن للكرامة. وقلت إنه سيبدأ الافتراق عن الإصرار الإيراني على الحل العسكري، على مضض، وينفرد بالمداولة حول الملف السوري مع الولايات المتحدة وحلفائها، ويقبل، أخيرا، بالحل الذي يبغضه الوليّ الفقيه وحسن نصر الله وبشار الأسد والمعسكر العراقي الإيراني. ولم يطل الزمن، حتى تخلى وزير خارجية روسيا، سيرجي لافروف، عن عناده ومكابرته وإنكاره لوجود معارضة سورية معتدلة، وراح يُكثر من مكالماته ومداولاته مع وزير الخارجية الأميركي من أجل التوافق على حل وسط يسمح ببقاء الأسد فترة (معينة)، حفظا لماء الوجه وترضية لإيران.

ليس هذا وحسب، بل إن الكرملين سارع إلى دعوة عناصر من المعارضة السورية والنظام السوري إلى اللقاء في موسكو للبحث عن صيغة الحل المنشود، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة الأميركية تسخر من تخبط الروس وتستهجن تسرعهم غير المبرر في الدعوة لهذا اللقاء، وتعتبره بداية فشل تدخلهم في سوريا.

وبحسب تصريحات لخبراء أمنيين في واشنطن وتقرير صادر عن فريق من جهاز الاستخبارات الأميركية يعمل في المنطقة فإن روسيا فشلت في تحقيق مكاسب ميدانية ذات قيمة لمصلحة بشار الأسد، على الرغم من حملتها العسكرية المكثفة على مدى أكثر من شهر. وقال التقرير إنه “كلما طال زمن التدخل العسكري الروسي في سوريا زاد الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإيجاد خيارات بديلة”.

إلى هنا والمسألة تبقى مجرد توقعات وتكهنات قد تكون مصيبة في تقدير الورطة الروسية في سوريا، وقد لا تكون.

ولكن الذي فضح إدراك النظام الإيراني لورطة (الرفيق الشمالي) في سوريا وخيانته لحلفائه هو القائد العام للحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري الذي هاجم الموقف الروسي بشأن مستقبل بشار الأسد، متهما روسيا التي وصفها بـ(الرفيق الشمالي)، بالبحث عن مصالحها في سوريا، حسب وكالة فارس القريبة من الحرس الثوري الإيراني.

وقال جعفري إن أغلبية الشعب السوري موالية لبشار الأسد، إلا أن “الرفيق الشمالي الذي جاء مؤخرا إلى سوريا للدعم العسكري يبحث عن مصالحه، وقد لا يهمه بقاء الأسد، كما نفعل نحن”.

وقال إن إيران لا ترى أيّ بديل للأسد، مؤكدا أن هذا الموقف هو موقف المرشد الأعلى والحرس الثوري، مؤكدا أن “(البعض) لا يفهم هذا، لذلك يتحدث عن بديل للأسد”.

وسؤالي المهم في ختام هذا المقال هو هل سيستمر فرسان المعسكر العراقي الإيراني برؤية الحليف فلاديمير بوتين بطلا وحليفا لا يخون حلفاءه ولا يقايضهم بمصالحه؟ وهل سيواصلون الترويج لأصناف الطعام الذي يتناوله والذي جعل منه بطلا لا يشق له غبار؟

المصدر: العرب الكاتب: إبراهيم الزبيدي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ