التسوية البعيدة للحرب السورية
التسوية البعيدة للحرب السورية
● مقالات رأي ٢٠ ديسمبر ٢٠١٤

التسوية البعيدة للحرب السورية

تشير تقارير صدرت مؤخراً أن عدد ضحايا الحرب السورية قد تجاوز المئتي ألف قتيل، وأن الجرحى أكثر من ثلاثة أضعاف عدد القتلى، فيما وصل عدد المهجرين من بيوتهم، داخل سورية وخارجها، إلى حوالى عشرة ملايين مواطن، مما يعني أننا أمام مأساة إنسانية لم يعرفها العالم الحديث إلا في الحربين العالميتين. على رغم الحديث المتواتر عن ضرورة الوصول إلى تسوية تضع حداً لمعاناة الشعب السوري، إلا أن ما يدور في أروقة الدبلوماسية، والصراع المسلح الدائر على الأرض لا يشي، حتى الآن، بوجود بوادر تسوية، مما يعني أن الشعب السوري ستظل رقبته تحت المقصلة، وأن شلال الدم لن يتوقف.

لا يبدو أن أياً من القوى المعنية بالصراع مستعجلة في الوصول إلى تسوية. فالأرض السورية اليوم ملعب للقوى المتصارعة الداخلية منها والخارجية، ومكان لخوض حروب بديلة بين القوى الدولية والإقليمية. وطالما ان هذه القوى لا تدفع خسائر بشرية من مواطنيها، فلا مانع لديها من استخدام الشعب السوري وقوداً لتواصل حربها. في نظرة على لوحة الداخل والخارج، يمكن لنا أن نرى بوضوح استحالة توقف المجازر والدخول في سلام.

لا يبدو أن المندوب الأممي قادر على تقديم حلول ملموسة لوقف النار وإيجاد ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية. بعد أشهر من تكليفه، ها هو يراوح مكانه، بل يستنسخ سلفيه كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي. يشكك النظام في مسعاه على رغم أن بعض اقتراحاته تصب في النهاية في خدمته، كما تتساءل قوى المعارضة عن جدوى اقتراحاته التي ترى فيها تسليماً لمناطق معينة إلى النظام.

يمارس الأميركيون ألعاباً متناقضة تجاه الحرب السورية والموقف من النظام. كانت هناك شكوك ولا تزال حول التصريحات والمواقف الأميركية، فمن جهة نسمع كلاماً عن فقدان شرعية الأسد وضرورة رحيله، ثم نسمع كلاماً آخر عن الحاجة إليه لمنع تقسيم سورية، ولدور يمكن أن يلعبه في المعركة ضد «داعش» وأخواتها. تدير الولايات المتحدة حربها في سورية وفق منظومة سياسية وعسكرية ترى بموجبها أن هذه الحرب مفيدة جداً في إضعاف النفوذ الإيراني واستنزافه مالياً وبشرياً، وكذلك في تغطيس الروس في الأوحال السورية وتكبيدهم خسائر اقتصادية.

ترى إيران في الحرب السورية والتدخل المباشر العسكري والمالي فرصة ذهبية لتقوية نفوذها الإقليمي والامتداد نحو المياه الحارة في المتوسط. ولأنه بات لها اليد الطولى في الهيمنة على النظام السوري، فان إيران تعتبر أن حساب الخسائر والأرباح في الحرب السورية لا يزال يرجح الأرباح لموقعها ولموقع حليفها حزب الله اللبناني. إضافة إلى النفوذ الإقليمي، ترى إيران أن الموقع السوري بات داخلاً في حساب المقايضات في الملف النووي الذي تأجل البت فيه سبعة أشهر إضافية، مما يعني انتظار هذه الفترة الزمنية قبل أن تتم الصفقة.

تصر روسيا على موقف ثابت داعم للنظام، وعلى غرار إيران، ترى في الحرب موقع نفوذ تسعى من خلاله إلى المساومة مع الغرب على ملفات ذات اهتمام لروسيا، كما ترى أن هذه الحرب تعطيها موقعاً في المتوسط. تملك سلاح الديبلوماسية في تعطيل أي قرار أممي غير متوافق مع مصلحة النظام. أما تركيا، التي يمكن وصف موقفها بأنه «جعجعة من دون طحين»، حيث دأبت منذ بداية الحرب السورية على حرب كلامية عن عدم سماحها بحصول مجزرة حلب مجدداً، في وقت باتت هذه المجزرة لعبة أطفال أمام المجازر الضخمة التي ارتكبها النظام. ينتظر النظام التركي اهتراء كاملاً للقوى الداخلية، ويعمل على تشجيع وصول المتطرفين إلى الأرض السورية، ويحلم في المقابل في قطاف تؤول فيه السيطرة لتركيا على قسم من سورية، أو إعادة إلحاق أراض ترى أنها سلبت منها في القرن الماضي.

أما قوى الداخل من نظام ومعارضة، فتبدو القوى الأضعف في المعادلة. فالنظام مصر على استكمال تدمير البشر والحجر، ولا يدخل في منطقه إمكان تسوية سياسية، يعرف أنها قد تكون على حسابه في نهاية المطاف. وها هو يدخل في غزل صريح مع الإدارة الأميركية تحت عنوان مشاركته في الحرب على الإرهاب، فيما يستحيل الانتصار على هذا الإرهاب من دون إزالة هذا النظام الذي رعى وشجع انتشار «داعش» وأخواتها. أما المعارضة، فلم يعد في الإمكان معرفة طبيعتها وقواها، بعد أن باتت معارضات متعددة ترتبط كل واحدة منها بقوى إقليمية معينة. وإذا ما حصلت تسوية في يوم من الأيام، فإن النظام والمعارضة سيكونان أقل القوى تأثيراً في هذه التسوية، بل ستفرض عليهما من الخارج. لا تشير هذه اللوحة إلى فرج قريب في سورية، ولا تقدم الحرب الدائرة على الإرهاب أملاً سريعاً في الخلاص، فالمضمون والمستمر هو درب الآلام الذي على الشعب السوري أن يسير على مساميره إلى أمد غير منظور.

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: خالد غزال
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ