الجدل التركي حول تجنيس السوريين
الجدل التركي حول تجنيس السوريين
● مقالات رأي ١٧ يوليو ٢٠١٦

الجدل التركي حول تجنيس السوريين

الإدماج والديمقراطية التركية
التجنيس بين الاقتصاد والسياسة
التنافس والاستقطاب

أثارت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول تسهيل إمكانية الحصول على الجنسية التركية للاجئين السوريين الراغبين بها، جدلا كبيرا في الأوساط السياسية والإعلامية داخل تركيا وخارجها، حيث اشتعلت على مواقع التواصل الاجتماعي، موجة من الهاشتاغات الرافضة للتجنيس، والمعادية لوجود السوريين بشكل عام في تركيا.

وقد قابلتها موجة أخرى مرحبة بهذا الوجود، ومضخمة لمسألة تجنيس السوريين، مع أن حقيقة الأمر لا تتعدى تسهيل إجراءات الحصول على الجنسية التركية لذوي الكفاءات والخبرات العلمية والتقنية ورجال الأعمال المميزين، وعددهم في تركيا لا يتجاوز 50 ألف سوري، فضلا عن أن لجنة تركية مختصة، كلفت بإعداد ملف التجنيس، ورفعت تقريرا إلى رئاسة الجمهورية، يتحدث عن تجنيس الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات، ويوصي التقرير بضرورة اتخاذ إجراءات لتسهيل حصول الراغبين منهم على الجنسية التركية وعلى دفعات.


الإدماج والديمقراطية التركية
اعتبر بعض الساسة والكتاب الأتراك أن مسألة إدماج ما يقارب 2.7 مليون لاجئ سوري في المجتمع التركي اختبارا حقيقيا للديمقراطية التركية، وأن تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته لمخيم للاجئين في مدينة كيليس في الثاني من يوليو/تموز الجاري تدخل في هذا الإطار، لكنها أشعلت نقاشا وطنيا حول مستقبل اللاجئين السوريين في تركيا، ووصل الأمر إلى نشوب جدل حاد على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أطلق الرافضون لتواجد اللاجئين السوريين في تركيا هاشتاغ # لا أريد السوريين في بلدي، وتصدر موقع تويتر.

ولاشك أن اندماج اللاجئين السوريين في المجتمع التركي يتطلب إجراءات تقنية وقانونية، وهناك وعود، بل وإجراءات محدودة في هذا المجال، لكن مسألة اللاجئين السوريين، ينظر إليها من جهة اختبار النموذج التركي للديمقراطية، وتأتي قدرة الحكومة التركية على اتخاذ إجراءات، تسهل منح الجنسية للاجئين السوريين، كي تكسر الجمود في هذه الأزمة الإنسانية، التي يعاني من تبعاتها ملايين السوريين، بعد أن أجبرتهم الحرب الشاملة التي يخوضها النظام الأسدي وحلفاؤه الروس والإيرانيون ضد غالبيتهم إلى مغادرة بلادهم، وباتوا يعانون كثيرا من تبعات التهجير القسري.

وليس ثمة في الأفق ما يشير إلى نهاية مأساتهم المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات، الأمر الذي جعلهم يهيمون على وجوههم، بحثا عن ملجئ آمن، وملاذ يمكنهم من العيش والاستقرار، لذلك يشكل الحصول على الجنسية التركية، أو أي جنسية أخرى، بالنسبة إلى أغلبهم، حلما بعيد المنال.

ويجادل الباحث التركي برهان الدين دوران بأن بلاده لم تمنح حق اللجوء للسوريين بسبب الوضع القانوني للجوء، نظرا للقيد الجغرافي الذي وضعته اتفاقية جنيف حول اللاجئين في عام 1951، وأنها لو منحتهم الوضع القانوني، فإنه سيرتب عليها مزيدا من الأعباء والمسؤوليات، وخاصة تقديم المساعدات المالية وتأمين التعليم والتوظيف لهم، لذلك يعتبر أن منح الجنسية للاجئين السوريين، هو الخطوة التالية بعد نظام الحماية المؤقتة الذي تطبقه الحكومة.

ويرتبط النقاش حول منح الجنسية بالتركيز على مستقبل السوريين في تركيا من جهة كونها مسألة سياسية وإنسانية طويلة الأمد، وقد صدرت دراسات عن مراكز بحوث وجامعات تركية، حيث أوصت دراسة لجامعة "حاجي تيبه" (HÜGO) التركية، الحكومة والشعب التركي، بالاستعداد نفسيا على الأقل، على تقبل احتمال أن غالبية اللاجئين السوريين في تركيا سيبقون في تركيا ولن يعودوا إلى بلادهم. وأظهرت أن "13 في المئة من اللاجئين السوريين في تركيا يقيمون في المخيمات، أما البقية فقد اعتادت الإقامة في المدن، وأسست وسطا تعيش فيه، وعلاقات اقتصادية واجتماعية، وتقبل على تعلم اللغة التركية، وشجعهم على ذلك حسن الاستقبال الشعبي، وعدم ظهور موجة رفض اجتماعية كبيرة ضدهم".

ويرى الكاتب التركي أَسَر قرقاش، أن "القسم الأكبر والأهم من السوريين أناس متعلمون ومثقفون، ويوجد بينهم كثير ممن يتقنون اللغة الفرنسية والإنجليزية، وكثير منهم لديه مهنة واحدة على الأقل"، وبالتالي يمكن لهؤلاء العمل في تركيا، ويستطيعون تأسيس أماكن عمل وفرص استخدام للعمال. كما أن ذلك "يُخفف الضغط عن السيد أردوغان حول التناقص في عدد السكان الذي يخشى منه، ذلك أن ضمّ ما يقارب مليوني شخص إلى كثافتنا السكانية، ولغتهم الأم هي اللغة العربية سيؤثر على النظرة السيئة في مجتمعنا، حول مفهوم المواطنة العنصري الخارج عن المفهوم العام في هذا العصر، والموجود ضمن المادة 66 في الدستور الحالي، وتغيير هذا المفهوم مهم جدا، ويضغط اجتماعيا بشكل إيجابي على العنصرية والتمييز العنصري".

ويخلص قرقاش إلى أن "ضمّ مليوني مواطن عربي إلى مواطنينا، من شأنه أنّ يُؤثّر على مكانة تركيا في الشرق الأوسط بشكل كبير جدا، ويقودها إلى نقطة قوية وثابتة أكثر مما هي عليه الآن".

غير أن المعارضة التركية، لها قول مختلف تماما، إذ ترى أن تسهيل إجراءات منح الجنسية التركية للسوريين الراغبين فيها، يدخل ضمن سعي أردوغان للحصول على مليون ونصف مليون صوت إضافي كي يتمكن من تعديل الدستور وتحويل النظام من برلماني إلى رئاسي، واعتبر بعض قادة حزب الشعب الجمهوري أن الرئيس يريد توطين اللاجئين السوريين في الولايات ذات الأغلبية الكردية والعلوية ما يعني القيام بعمليات تغيير ديموغرافية في تلك المناطق.

وقد سبق أن تعهد رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم خلال حملته في انتخابات السابع من يوينو/حزيران 2015، فيما يتهم بعض أعضاء حزبه ومناصريه اللاجئين السوريين بأنهم "دواعش"، وأنهم سينجبون كثيرا من الأطفال، بما يفضي إلى زيادة عددهم ليصل إلى 20 مليون نسمة خلال العقد المقبل، وأنهم سيطالبون بحكم ذاتي في ولاية "هاتاي" (أنطاكية) وغازي عنتاب وكليس.


التجنيس بين الاقتصاد والسياسة
منذ اندلاع الثورة السورية وقفت القيادة التركية إلى جانب مطالب السوريين في الحرية والخلاص من الاستبداد، ومع الحرب التي أعلنها النظام على الثورة وحاضنتها الاجتماعية، بدأ الفارون من أتونها في اللجوء إلى تركيا التي اعتمدت سياسة الباب المفتوح إزاء جميع اللاجئين السوريين، وهناك اليوم أكثر من مليونين و700 ألف سوري يقيمون في تركيا، لكنهم لم يمنحوا صفة لاجئ، بل اعتبرتهم الحكومة التركية ضيوفا بموجب نظام "الحماية المؤقتة" الذي يتضمن إجراءات قانونية تلجأ إليها الدول لتنظيم وضعٍ تعتبره استثنائيا ومؤقتا، يختص بمنح الحماية لفئة محددة من الأجانب دون التقيد بالأحكام المتعلقة بالأجانب، والحماية الدولية في قوانينها المحلية، أو المنصوص عنها في الاتفاقيات الدولية ذات الصلة والتي صادقت عليها الدولة المعنية.

ونظام الحماية المؤقتة الذي أنشأته الحكومة التركية يتماشى مع المعايير الدولية، للتعامل مع الزيادة الكبيرة والمفاجئة لأعداد اللاجئين الذين يعبرون الحدود، ويضمن الإقامة غير المحدودة في تركيا، وحماية من الإعادة القسرية، وتوفير خدمات الاستقبال ومعالجة الاحتياجات الأساسية الفورية.

ومنذ عام 2011، يتم تقدم المساعدات للسوريين بشكل منتظم داخل المخيمات، أما بالنسبة لمن هم خارجها، فتقدم المساعدة على أسس خاصة، باستثناء الحصول على الرعاية الصحية والطبية العامة، والتي فتحت أمام جميع السوريين في تركيا. ويشمل نظام الحماية المؤقتة جميع اللاجئين، بمن فيهم الذين لا يملكون وثائق تعريف شخصية كالهوية وجواز السفر. كما يشمل أيضا الفلسطينيين من سوريا، وكذلك الأشخاص بدون جنسية القادمين من سوريا.

ويقرّ الاقتصاديون الأتراك بالإسهام الكبير للسوريين في دورة الاقتصاد التركي خلال السنوات الخمس الماضية، ورغم كونهم شكلوا عبئا على الاقتصاد التركي، فإن العائد الاقتصادي لاستثماراتهم وخبراتهم وقوة عملهم في تركيا كانت أكبر.

وقدم السوريون إلى سوق العمل التركي خبرات عديدة، وكذلك للمنشآت والمصانع التركية، فضلا عن الورش والمطاعم وسواها، إضافة إلى قوى عاملة رخيصة، واحتلت رؤوس الأموال والشركات السورية التي تم تأسيسها في تركيا خلال العام الماضي، المرتبة الأولى بين المستثمرين الأجانب في البلاد، بنسبة وصلت إلى نحو 22.3 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في البلاد، وذلك وفقا لبيان صادر عن رئاسة هيئة الطوارئ والكوارث الطبيعية (آفاد)، التابعة لرئاسة الوزراء التركية، وأسّس رجال الأعمال السوريين خلال العام الماضي ألفا و429 شركة، وليست هناك أرقام دقيقة لحجم الاستثمارات السورية في تركيا، ويقدرها بعض الاقتصاديين بحوال 10 مليارات دولار أو ما يزيد عن ذلك.

ولا شك أن تجنيس الراغبين من اللاجئين السوريين، يهدف إلى الحفاظ على الأموال والاستثمارات والخبرات، خاصة وأن الاقتصاد التركي شهد تباطؤا في النمو نتيجة أزمات عديدة.

وإن كان الاقتصاد له أسهم في مسألة تجنيس السوريين في تركيا، فإن السياسة أيضا لها ما تقول، وخاصة أن المسألة أدخلت في التجاذبات السياسية ما بين الحكومة والمعارضة، فالحكومة هي من تتولى هذا الملف، وكل ما تمارسه أحزاب المعارضة يدخل من باب ما يمكن تسميته "فقه النكاية" أو المناكفة، خاصة أن الصراع السياسي بين حزب العدالة والتنمية الحاكم، وأحزاب المعارضة الثلاث (حزب الشعب الجمهوري، والحركة القومية، وحزب الشعوب الديمقراطي)، شهد تجاذبات شتى منذ دخول المسألة السورية على خط السياسة التركية، ومرشح لمزيد من الاحتدام حال اتخاذ الحكومة التركية رسميا، إجراءات لتسهيل تجنيس السوريين.

وترى المعارضة التركية، أن التجنيس المقترح للسوريين هو "خطوة، يراد بها توفير غطاء لتحقيق أهداف سياسية"، حسبما اعتبر الأمين العام لحزب الشعب الجمهوري كاميل أوكياي سندر. وفي نفس السياق ذهب نائب رئيس حزب الحركة القومية مهميت غونال إلى التساؤل عن "خفايا" إثارة الحديث عن تجنيس السوريين في هذه المرحلة، وعما إذا كان يرتبط بـ"صفقة مع إسرائيل وروسيا"، لكنه ركز على أن مسألة تجنيس السوريين، تشكل خطوة، "يريد منها أردوغان كسب مزيد من الشعبوية".


التنافس والاستقطاب
وإذا كان الجدل حول تجنيس اللاجئين السوريين في تركيا لم يهدأ ومرشح للاحتدام، فإن التنافس التركي مع دول الاتحاد الأوروبي آخذ في الازدياد، حيث نشأ في الآونة الأخيرة تنافس ما بين الأتراك والأوروبيين لاستقطاب الكفاءات والخبرات السورية، ولم يخف المسؤولون الأتراك عزمهم على الاستفادة من طاقات السوريين، وأبدوا في أكثر من مناسبة رغبتهم في أن تهاجر هذه الكفاءات إلى الدول الأوروبية، حيث أكدوا بأن حكومتهم أخبرت أعضاء الاتحاد الأوروبي، بشكل رسمي أنها لن تسمح بأن يتم نقل اللاجئين السوريين من ذوي الخبرات والكفاءات العلمية، ضمن الاتفاق الذي أبرمته هذا العام مع الاتحاد الأوروبي.

لا شك أن الحديث عن تجنيس السوريين يراد به طمأنة السوريين، بأن التغيرات في السياسة الخارجية التركية، لن تطال الموقف التركي من المسألة السورية، فضلا عن مرام وأهداف أخرى، لكن أيا كان الجدل حول تجنيس السوريين، فإن تجنيس بعضهم لن يحل مشكلتهم، ولن ينهي معاناتهم. وإن كان ثمة حلّ، فهو في تلبية مطالب السوريين في الخلاص من نظام الاستبداد، وبناء سوريا الجديدة.

المصدر: الجزيرة الكاتب: عمر كوش
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ