الحكومة المنصورة .... وزير بلا حقيبة
الحكومة المنصورة .... وزير بلا حقيبة
● مقالات رأي ٢١ ديسمبر ٢٠١٧

الحكومة المنصورة .... وزير بلا حقيبة

مرت على الثورة السورية منذ انطلاقتها وحتى اليوم العشرات بل المئات من الكيانات التي تبنت حراك الشارع الثائر ضد نظام الأسد، وفي كل تغير في خارطة الساسة والعسكر تتغير هذه المكونات دون ثبات، كلاً منها يدعي أنه الشرعي والممثل الوحيد للشعب الثائر المعذب المشرد داخل وخارج سوريا، لم تقدم أي من هذه الكيانات أي شيء يخفف عن هذا الشعب إلا الشعارات البراقة والوعود والتطمينات والاجتماعات لا أكثر.

الحرية التي خرج الثائرين لأجل أن ينالوها بعيداً عن تسلط العسكر وقوى الأمن المسلطة على رقابه وأن يكون صاحب القرار في اتخاذ من يمثله في أي مجال كان سياسياً أو مديناً أو عسكرياً دون أي التفاف وتزوير لم تتحقق رغم كل هذه الكيانات التي شكلت، فكل فصيل تقوى شوكته لابد ان يشكل لنفسه قيادة عسكرية ومدنية ويبني حوله هالة إعلامية تطبل وتزمر له، مكررة نهج البعث بل أكثر.

ما الذي فعله الشعب السوري طوال سنوات الحراك ليصل لهذه المرحلة من اللامبالاة بقراره والدماء التي يقدمها بشكل يومي، فتشكل الحكومات وتتصارع الفصائل على حساب معاناته وتشرده، في الوقت الذي تضيق فيه مساحة الهروب يوماً بعد يوم، وكلا يدعي تمثيله سواء في المحافل الدولية والمؤتمرات أو في الداخل وضمن الكيانات التي تبنى بتبعية فصائلية عسكرية أمنية بحتة، لم يستشار هذا الشعب المقهور ولو لمرة في تشكيل أي منها.

خلقت التطورات العسكرية الأخيرة في إدلب بدءاً من شهر تموز وحتى اليوم تغيرات كبيرة طرأت على الجانب المدني بعد صراع لسنوات بين مؤسسات أحرار الشام من جهة وتحرير الشام في الجهة المقابلة، حتى تمكنت الأخيرة من إحكام السيطرة على مفاصل القرار وتملك كل ماهو مدني وعسكري.

خطوات سريعة بدأت فور إنهاء أحرار الشام لتشكل كيانات مدنية جديدة في الظاهر أنها مبادرات لإنقاذ إدلب من القصف والتدمير، ولكن الحقيقة المرة كانت هي الالتفاف على مؤسسات الثورة وإنهاء كل مايخالف توجه العسكر، وفرض سلطة الأمر الواقع من خلال تصدير شخصيات لاتملك من القرار شيء، فكان ما سمي المؤتمر السوري العام الذي جمع شخصيات من مختلف المجالات والعشائر وصدرتهم تحرير الشام على أنهم يمثلون الشعب السوري في كل أطيافه، ولما لا فهم أصحاب القرار اليوم.

شكلت حكومة الإنقاذ واعتبرت نفسها الوصي الشرعي الوحيد على المناطق المحررة، وادعت تمثيلها لكل المناطق المحررة في عموم سوريا، في الوقت الذي لم يسمع بها أحد إلا في إدلب، لم تتأخر في إعلان حقائب وزرائها التي تسلمت من تحرير الشام مقاليد الإدارة والحكم، البعض استبشر بها خيراً وقال لعلها تكون أفضل من المؤقتة التي لم تقدم إلا الوعود والوعود، فتطلع بعين الأمل لتغير الحال وانهاء التشرد.

ولكن المفاجئة كانت في القرارات التي بدأت فيها الحكومة والتي لاحقت البسطاء والتجار وقاطني المخيمات ومؤسسات التعليم والصحة التي تخدم المدنيين كونها تابعة للحكومة المؤقتة، ولم تترك أيضاَ الأيتام والأرامل في المخيمات إلا وفرضت عليهم قراراتها، ومجالس جردت من مصادر دعمها، ومنظمات ضيق على عملها، وفي كل قرار تتكشف الفاجعة في البعد بين الوزراء عن حقائبهم وكيف أن منبع القرارات تصدر عن قيادات وشخصيات متحكمة هي بالأساس ذاتها التي كانت تدير مؤسسات تحرير الشام، وكأن الوزراء بلا حقيقة لا قرار لهم، جعلوا واجهة مدنية ليس أكثر لتنفذ الهيئة مخططها وتحقق مرادها.

خلال الأيام الماضية لم تكن حكومة الإنقاذ هي من أغلقت مكاتب المؤقتة والتربية والصحة وصولاً لجامعة حلب بل عناصر وأمني هيئة تحرير الشام ذاتهم هم من أوصل الإنذارات وتواصل وهدد وتوعد واقتحم وصادر، في الوقت الذي يقف فيه وزراء الحكومة عاجزين حتى عن إبداء الرأي، و يا ليت  الحكومة بدأت بما ينفع المدنيين وعملت في صالحهم وخففت من معاناتهم بدل فرض القيود والرسوم والتضييق والمتاجرة بقضيتهم.

وفي خضم كل هذا الحراك تبقى المعضلة في أن حكومة الإنقاذ باتت تعتبر نفسها الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل حراك الجماهير، لم ينتخبها أحد ولم تمثل إلا بقعة جغرافية تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، ولكن تبقى هي الشرعية وهي صاحبة القرار والسياسية فهي "الحكومة المنصورة" بنظرهم ومن غيرها ....

الكاتب: فجر الدين الأموي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ