الحيرة الروسية
الحيرة الروسية
● مقالات رأي ٢٧ مارس ٢٠١٧

الحيرة الروسية

رغم ما يبدو من حضور روسي قوي في القضية السورية، يتجلى بظهور روسيا، باعتبارها المتصرف الرئيسي بواقع سوريا ومستقبلها، وتأثيرها متعدد الأبعاد في المستوى المحلي على نظام الأسد والمعارضة السياسية والعسكرية، وتزعمها للحلف الذي يجمعها مع إيران ونظام الأسد وأدواتهما وبروزها قوة رئيسية في عداد الدول المؤثرة والفاعلة في القضية السورية، فإن روسيا اليوم في حيرة، قد لا توازيها حيرة منذ اختارت الوقوف إلى جانب نظام الأسد في عام 2011، مروراً بتدخلها العسكري الواسع في سوريا أواخر عام 2015 منعاً لسقوط نظام الأسد أمام معارضيه.

الحيرة، ليست ناتج ضعف فقط، بل قد تكون نتيجة قوة. وبالأساس تعود الحيرة إلى تعدد الخيارات والتباساتها، وهذا ما يجعل روسيا في حيرة، لا تبدو موسكو قادرة على تجاوزها في الوقت الحالي، وقد يمتد زمن الحيرة الروسية لوقت أطول، طالما أن موسكو، لم تحسم أمورها، وتذهب إلى قرارات واضحة، توظف في خدمتها المعطيات السياسية والعسكرية المتاحة لها حالياً.

وقبل الذهاب إلى خيارات موسكو، التي يمكن أن تحسم حيرتها، لا بد من رؤية حجم الحضور الروسي في سوريا وحولها، حيث تتجمع مجموعة من المعطيات، لعل الأبرز فيها، أن موسكو هي الأكثر حضوراً من الناحيتين السياسية والعسكرية في سوريا، إذن هي من الناحية الأولى حليف لنظام الأسد وإيران، وما يتبع الاثنين من أدوات، وخصوصاً الميليشيات الشيعية وبينها حزب الله اللبناني، وقد بنت روسيا من خلال ضباطها المتخذين من قاعدة حميميم مركزاً لهم في سوريا، علاقات مع بنى وشخصيات محلية مؤثرة في العامين الماضيين، ثم أقامت وصلات مع قوى معارضة للنظام أو محسوبة في هذا الإطار منها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، قبل أن تمد أيديها بمشاركة تركيا لإقامة وصلات مع قوى أساسية في المعارضة المسلحة والسياسية، وبهذا أصبحت أكبر صاحب علاقات مع المتصارعين في سوريا.

وفي المستوى العسكري، تبدو موسكو بمكانتها وقوتها صاحبة أكبر تأثير في الواقع السوري، وبصورة مباشرة، فإن لموسكو قاعدة جوية في حميميم، وحضوراً في كل القواعد الجوية التابعة لنظام الأسد، ولها قاعدة بحرية في طرطوس، تدعمها قطع من الأسطول الروسي، تتوزع قبالة الساحل السوري، ويضاف إلى ذلك كله مجموعة قواعد عسكرية روسية صغيرة، تتوزع من شمال إلى جنوب المنطقة الساحلية، فيها خبراء وجنود من النخبة الروسية، وقد أثبت الوجود العسكري الروسي قوة تدمير هائلة في حربه الأخيرة للاستيلاء على حلب وإعادتها إلى سيطرة نظام الأسد أواخر العام الماضي.

وبموازاة الحضور الروسي في الوضع السوري، فإن لموسكو تأثيراً كبيراً في المحيط الإقليمي. وعدا عن العلاقات الوثيقة التي تربطها بإسرائيل، التي تجعل منهما حليفين ينسقان بصورة مباشرة ويومية مواقفهما في سوريا وحولها، فإن لموسكو روابط قوية مع الأردن في الجنوب، والعراق في الشرق، ولبنان في الغرب، تكفل في كل الأحوال، أخذ الموقف الروسي بعين الاعتبار، بل وضعه في حسابات السياسة والأمن لهذه الدول، والإبقاء على بوابات فاعلة وعاجلة لتشاور عواصم تلك البلدان مع موسكو بصدد ما يجري في سوريا وحولها، وقد طورت موسكو علاقاتها مع تركيا في الأشهر الأخيرة بعد فترة شد عنيف في علاقات الطرفين بسبب إسقاط الأتراك قاذفة روسية بعيد التدخل الروسي في سوريا عام 2015، وطور الطرفان تعاونهما في الموضوع السوري رغم اختلاف مواقفهما، الأمر الذي يعد في النهاية دعماً لموسكو المصرة على البقاء طرفاً داخلياً في الصراع السوري، وبالإجمال فإن الروس أغلقوا الدائرة المحيطة بسوريا لصالحهم، وإن كان في الإغلاق بعض الثغرات في مكان أو أكثر.

النقطة الثالثة والأخيرة بموقع موسكو في سوريا وحولها، يتصل بعلاقاتها الدولية ولا سيما مع الدول الكبرى والمؤثرة بالسياسة الدولية. فموسكو على تقارب مؤكد مع الصين في الموضوع السوري، وعبّر التقارب عن نفسه في عمليات الـ«فيتو» المزدوجة في مجلس الأمن الدولي، وآخرها كان قبل أسابيع. والآن بدا الموقف الأميركي في الموضوع السوري مختلفاً عن موقف موسكو، فإن واشنطن سكتت عن التدخل العسكري في سوريا، وما أدى إليه من نتائج سياسية وميدانية، وأعطت تفويضاً للروس في سوريا، استتبع صمتاً أوروبياً، طبقاً لنمط التبعية الأوروبية، التي لا تفعل شيئاً دون إشارات أو تصريحات أميركية بصدد ما ينبغي القيام به، أو اتخاذ قرار بصدده، ولا شك أن الصمت الأوروبي الراهن في سوريا وحولها مرده، أن إدارة الرئيس ترمب لم تعلن موقفها الواضح في سوريا، رغم بعض مؤشرات توحي باحتمالات تغيير كبير في الموقف، كما رسمته سياسات عهد أوباما الطويل.

موسكو حققت الأهم في أهدافها السورية/ الإقليمية من حضورها في سوريا، وبينها تثبيت نظام الأسد (بدرجة ما) واتفاقات تضمن نفوذها، وقواعد عسكرية، وتغلغل في بنية الداخل السوري، ولا سيما على الصعيدين السياسي والأمني، لكنها في الوقت ذاته متخوفة من وضع حلفائها سواء في منافستهم، كما يبدو عليه حال حليفها الإيراني الراغب في هيمنة مطلقة على سوريا، أو في الخوف من المستقبل، كما هو حال نظام الأسد إذا غير الروس سياساتهم الداعمة بكل قوة لوجوده.

روسيا في مرتبة الحيرة بين البقاء، حيث هي طرف إلى جانب إيران ونظام الأسد في أتون الصراع السوري، أو الذهاب إلى خط جديد ينتج تسوية تحفظ مصالحها، التي تحققت مع مراعاة تلك المصالح من أطراف خارج حلفها، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق دون أخذ مصالح الآخرين بعين الاعتبار، ولأن الأمر على هذا النحو، فإن الحيرة الروسية لا يمكن أن تستمر، خصوصاً إذا استكملت واشنطن موقفاً جديداً وجدياً في الموضوع السوري.

المصدر: الشرق الأوسط الكاتب: فايز سارة
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ