الذرائعيون الجدد والثورة
الذرائعيون الجدد والثورة
● مقالات رأي ١١ ديسمبر ٢٠١٤

الذرائعيون الجدد والثورة

يعرّف هربرت بلومر الثورة بأنها: "تغيير مفاجئ قصدي سريع بعيد الأثر، يبتغي إعادة بناء وتنظيم النظام الاجتماعي كلياً". ولعلنا نتوقف عند جزئية من التعريف، تتحدث عن السرعة في التغيير، كما يشير بلومر، ونطرح التساؤل التالي: لقد امتدت الثورة أربع سنوات، ولم تحقق هدفها المنشود، فهل هي ثورة، كما جاء في التعريف؟
يمثل السؤال فكر "النفعيين" المؤيدين للقول إن صدق قضيةٍ ما يكمن في مدى كونها مفيدة للناس، وهو ما ظهر عكسه. وقد تناسى هؤلاء أن الثورة الفرنسية بدأت في عام 1789، وانتهت عام 1799.

حال السوريين، اليوم، وأتحدث عن "الأثرياء"، كما عن "طوائف" بعينها، ينم عن صورةٍ أقرب لهذا المفهوم. لكن، ما الذي دعا هؤلاء إلى مقاومة التغيير؟

مقاومة التغيير طبيعة بشرية تحدث في أي مكان وزمان. فالإنسان يكره، إجمالاً، التغيير، وذلك لعدة عوامل، كالخوف من فقدان مزايا خاصة، أو من التغيير بذاته، إلى غير ذلك من العوامل المختلفة.

علاوة على ذلك، تنسحب مقاومة التغيير على مناحي الحياة المختلفة، فتجدها، مثلاً، في الناحية الاجتماعية، حيث تخشى المجتمعات من التغيير، وتسعى إلى مقاومته وتجنبه، مع أنه من حقائق الحياة، ولن يستطيع أحد مقاومته أو إيقافه، وهو ما يشير له المختصون في علم الاجتماع.

الخوف، أولاً وأخيراً، يتبعه مبرر الحفاظ على المصالح، الدماء، مزايا معينة قد يفقدونها، الفوضى، وغيرها من المبررات التي تدفع هؤلاء إلى الوقوف في صف القوي، وطبعاً أعني القوي من الناحية المادية، وفقاً لرؤيتهم.

لكن، كون الثورة بعيدة الأثر، فهي الحقيقة التي يؤمن بها الثوار في سورية، ولعل الطابع الجهادي الذي تحولت له الثورة زاد من الإيمان بهذا التغيير المستقبلي.

وعلى العكس من ذلك، التشكيك في أهمية ما يحدث، والتقليل مما ستؤول إليه الأمور مستقبلاً، لم يأت من فراغ، بل يؤكد ابتعاد هذه الرؤى عن مصائر الطغاة في التاريخ، كما أنه وجه من وجوه العقيدة الإسلامية المشوهة، ويشكل بالنسبة لغير المسلمين غياب الرغبة في العيش المشترك وفق مفهوم المواطنة والشراكة في بلدٍ واحد.

تضارب المصالح وطبيعة مكونات المجتمع السوري كانت اللاعب الأساسي في تبني فكر معين وغض الطرف عن وجود الحق لدى طرف دون غيره، وبينما حارب كل مكون لغايته، بحسب مبرراته، ازدادت الأزمة الإنسانية بالتفاقم.

البراغماتية هذه لم تنشأ في مجتمعنا العربي، فضلاً عن الإسلامي، بل هي دخيلة، قد يتعامل بها بعضهم، وفقاً لمصلحتهم الآنية، ممارسةً، لا عن معرفة علمية مسبقة.

نحن، إذن، أمام ظهور طبقة غلّبت "الأنا"، وأغرقت في عالم المادية، مبتعدة عن ملامح رسمها حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي شكل لبنة المجتمع الصحيح، وحدد صفاتها بالجسد الواحد، هذا بالنسبة للمسلمين، أما غيرهم، فالتاريخ الماضي كفيلٌ بتذكيرهم بأن الوحدة الوطنية والتلاحم الاجتماعي كان قبل أن يتسلم آل الأسد السلطة.

يبدو أننا أمام اعتراف لا مفر منه، هو أن "الذرائعية" متغلغلة في المجتمع، لن ينهيها ذات يوم اتفاق طائفٍ جديد، بل على العكس سيكون ترسيخاً لها، ولبنان خير شاهد.

أما إذا تناولنا، في هذا الإطار، مواقف المسلمين، فأرجّح الابتعاد عن تعاليم الإسلام الصافي والبناء الروحي السليم طوال تلك الحقبة، بالتالي، ليس مستغرباً أن يعيش الناس في جزر منعزلة، حتى داخل البيت الواحد، ومن الطبيعي تحكيم المصلحة الفردية على حساب الجماعة.

فالذرائعية من أشكال الاحتجاج والمبرر الذي تتمسك به بعض طبقات المجتمع السوري، متوارين خلفه بغير تصريحٍ واضح، يبرر لهم مواقفهم، وفق نظرة صحيحة، إذا ما قارناها مع المشهد على الأرض، وما أصاب الشام من نكبة سببتها الحرب الدائرة، لكنها نظرة بعيدة كلياً عن الأخلاق والقيم الإسلامية.

لا يهم إن كان الاعتقاد الفكري بالذرائعية موجودا، أو نشأ مجدداً في سورية، الأهم أنه ممارسة فعلية، تمارسها طبقات من المجتمع السوري، وجب التنبه إليها، واقتلاع جذورها فكرياً، أولاً وقبل كل شيء.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: فرات الشامي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ