السؤال الأردني الأكبر: حربنا أم لا؟
السؤال الأردني الأكبر: حربنا أم لا؟
● مقالات رأي ٢٩ ديسمبر ٢٠١٤

السؤال الأردني الأكبر: حربنا أم لا؟

"نحن الآن في حالة حرب، إن لم تكن مع الوطن فأنت خائن"، بهذه الكلمات علّق أحد المواطنين الأردنيين على النقاش الذي لم يهدأ، وأعيد فتحه بعد أسر الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، على يد تنظيم داعش، بعد سقوط طيارته في الرقة في أثناء تنفيذ عملية جوية هناك.

المهم أنّ هذا التعليق الموجز القصير يعكس، بالفعل، مزاجاً سياسياً، رسمياً وشعبياً، يسير وراءه في جدلية "هل هي حربنا؟" أم "ليست حربنا"، وهي قضية، وإن كانت تقسم الأردنيين، فعلاً، بين مؤيد لدخول الأردن في التحالف الدولي ومعارض له، إلاّ أنّها لا تنطبق على الموقف من أسر معاذ الكساسبة، والموقف من داعش، فهنالك حالة عامة من التعاطف مع الطيار الأسير، توحّد الأردنيين فعلاً، وهنالك مؤشرات في أغلبية عظمى من استطلاعات الرأي ضد تنظيم داعش، بوصفه مصدر تهديد للأمن الوطني، وتنظيماً إرهابياً.

منذ إعلان الأردن المشاركة في التحالف الدولي ضد التنظيم، وتبنّى بصورة واسعة عنوان "الحرب على الإرهاب" ومواجهة التطرف، بدأت عملية التخوين والتشكيك في المواقف المتحفظة، أو المتشككة في جدوى انخراطنا في الحرب الراهنة وضرورته، ثم هدأت الموجة، على أمل أنّ الطلعات الجوية لن تكون مصحوبة بخسائر بشرية أردنية، حتى وقعت حادثة سقوط طائرة الكساسبة، وفجّرت معها النقاشات الداخلية مرّة أخرى، في ظل "حفلات" من الترهيب السياسي والإعلامي الحقيقي لكل مَن يناقش في موضوع الحرب، الذي من المفترض أن يكون مدعوماً بإسناد شعبي وسياسي كبير، وليس محلاً للانقسام والتجاذب والاختلاف في وجهات النظر، كما هو واقع اليوم!

أوساط الدولة قدّمت مقاربة متماسكة للمشاركة في الحرب، فيها حجج قوية فاعلة، تستند إلى ثيمة "الحرب الوقائية"، إذ إنّ هذا التنظيم الذي يتمدد في الجوار، ويكاد يصل إلى الحدود الشرقية والشمالية، مصدر تهديد أمني حقيقي للأردن، ومن الأفضل للأردن أن يذهب إليه ليضعفه في أرضه، قبل أن يتمكن من أن يصبح أكثر قوة ورسوخاً، فيضطر الأردن، حينها، ليتعامل مع خطر محدق وتهديد أكبر، في ظل، أيضاً، تنامي حالة داخلية متعاطفة مع التنظيم، من أبناء السلفية الجهادية، فهناك أرقام تتحدث عن قرابة ألفي أردني يقاتلون، اليوم، مع داعش والنصرة، فيما هنالك 300 يحاكمون في محكمة أمن الدولة، بتهمة ترويج التنظيم والتجنيد له، بالإضافة، بالطبع، إلى مئات ممّن يحاكمون على خلفية محاولة اللحاق بهذه التنظيمات، أو العودة من هناك!

على هذه القاعدة الصلبة، بنت الرواية الأردنية الرسمية شرعية المشاركة في الحرب، فهي، وفقاً لذلك، "حربنا"، ونحن أولى بها من الأميركيين والغرب، ولا يجوز أن يتنصّل العرب من مسؤولياتهم في مواجهة الإرهاب والتطرف، الذي يهددهم، أولاً قبل غيرهم.

وعلى الرغم من وعي الأردن إلى أنّ داعش نتاج أزمة سنية حقيقية في العراق وسورية، وأنّ قوته محصّلة أخطاء وسياسات طائفية داخلية وإقليمية، وعلى الرغم، كذلك، من أنّ المقاربة الأردنية تتضمن التحالف مع العشائر السنية في العراق وسورية، في مواجهة داعش، ودعم مطالب السنة في العملية السياسية، إلاّ أنّ الأولوية الواضحة، أردنياً، تكمن في مواجهة داعش، بوصفه مصدر تهديد حقيقي وجوهري ومباشر، فضلاً عن أنّ الخطوات العسكرية تجاوزت كثيراً المقاربة السياسية التوافقية، التي من المفترض أن تجترح الحل السياسي المنشود، ما جعل من عنوان الحرب على داعش هو الأساس، فيما تراجع كثيراً الحديث السابق عن دور النظام السوري والنفوذ الإيراني في منح التنظيم أسباب القوة والصعود، عبر تبني خطاب هويّاتي، يقتات على أزمة السنة، ومأساتهم الكبيرة الراهنة!

على الطرف الآخر تبنّى التيار الذي يعارض داعش، ويقف في خندق معادٍ لها، سياسياً وأيديولوجياً، لكنه يتحفّظ على الحرب الراهنة، خطاباً يستند إلى جملة أساسية، تتمثل في أنّ ما يحدث في سورية والعراق "حرب بالوكالة" (Proxy War)، بين أطراف محلية وإقليمية ودولية، وأنّ المشهد أكثر تعقيداً ممّا يبدو في الواقع، فهنالك ميليشيات شيعية متطرفة، بقيادة قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، تقاتل ميليشيات سنية، ودول داعمة لهؤلاء وأخرى للطرف الثاني، ما يجعل من الحرب الراهنة في خدمة طرف ضد الآخر، فهي، كما اعترف وزير الدفاع الأميركي السابق، تشاك هيغل، تخدم نظام بشار الأسد بصورة واضحة، فيما تعلن الأردن والدول العربية، وتقف دولياً مع المعارضة السورية، وضد الأسد، ما يجعل الموقف العربي والغربي على السواء متناقضاً!

" هناك أرقام تتحدث عن قرابة ألفي أردني يقاتلون، اليوم، مع داعش والنصرة، فيما هنالك 300 يحاكمون في محكمة أمن الدولة، بتهمة ترويج التنظيم والتجنيد له "

لا يرى هذا التيار في داعش، إقليمياً، مصدر تهديد مباشر للأردن، فصعوده مرتبط بالظروف الاستثنائية في كل من سورية والعراق وشروط الحرب الداخلية والطائفية وحالة الفوضى والانهيار الكامل، وهي حالة تختلف جذرياً عن الوضع الأردني.

لذلك، ومع إقرار هذا التيار المعارض للحرب بتنامي التيار الداعشي في الأردن، إلاّ أنّه يرى خطأً، بل خطيئة كبيرة، في الخلط بين الحالتين، الداخلية والإقليمية، فمعالجة هذا التيار داخلياً تتم عبر استراتيجية مختلفة عن الاستراتيجية الإقليمية، فالمطلوب جهود أمنية وسياسية وثقافية وتنويرية، تتعامل مع أسباب ذلك الصعود ومدخلاته، وتحاصر "نموذج" داعش، بينما الحالة الإقليمية ذات مقاربة مختلفة تماماً.

إذاً، التيار المعارض للحرب هو يرى، في نهاية اليوم، بأنّها حربنا، لكنه يضيف كلمة "لكن" على ذلك، فما نراه اليوم من حملة دولية وإقليمية، فيه قدر كبير من التخبط وغياب الأفق الاستراتيجي والتناقضات الهائلة.

بغض الطرف، قال الأردنيون إنها حربنا أم لا، فإنّ أحد الدروس المهمة في أعقاب أسر الطيار الكساسبة، وما أحدثه ذلك من صدمة كبيرة لدى الرأي العام، واهتزاز في خطاب الدولة، هو أن يتم التعامل باحترام مع حرية التعبير والرأي، وألا يتم خلق أجواء من الترهيب السياسي والتخوين، فهنالك انتقادات هائلة في أميركا للحرب الراهنة، وفي ذروة الحرب الإسرائيلية على غزة كانت المقالات تتحدث بلغة نقدية حادة ضد الحرب.

للمرّة الألف، الحرية والتعددية والديمقراطية والمناخ الصحيّ هي السلاح الفتّاك في مواجهة صعود التنظيمات الإرهابية، فالمعادلة الداخلية أساسية، وليست ثانوية، في سؤال "الحرب على الإرهاب" في مقابل الاعتبارات الخارجية!

المصدر: العربي الجديد الكاتب: محمد أبو رمان
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ