السرطان السوري الخبيث
السرطان السوري الخبيث
● مقالات رأي ١٦ أبريل ٢٠١٨

السرطان السوري الخبيث

إن مرض السرطان عرف بأنه المرض الذي ينشأ بخلية واحدة تنقسم لوحدها إلى خليتين منفصلتين وتبدأ بعدها بالتغذية على الشعيرات الدموية وفتك صاحبها شيئاً فشيئاً حتى الانهزام. إنه تماماً كَالسرطان الذي نشأ في المنطقة العربية في الآونة الأخيرة والذي تمركز في سوريا، وراح ينقسم إلى عدة خلايا، وكل خلية تتغذى على أصحابها من شتى الأطراف.

بدأ السرطان السوري الخبيث منذ ما يقارب ثمانية أعوام، وراح ضحيته مئات ألاف الضحايا، إنّه لم يفرّق بين رجل وامرأة أو شيخ وطفل. بل إنه أخذ ضحيته وأحزن عليها آلاف العائلات، ولكن الغريب في الأمر، هو ما حصل عند الناجين من السرطان. من الجدير بالذكر أن الناجين من هذا المرض الفتاك، أُصيبوا بمرض آخر، لنقول إنه مرض نفسي لا عضوي، وعلينا وضع خطين تحت كلمة نفسي لأنها أخطر مما يجول في أذهاننا. دعونا أن نقول إنه نوع من أنواع الفصام الذهنية كالبارانوية وغيرها، حيث الناجي يميل إلى العدائية والحقد وربما يدفعه ذلك إلى القتل في كثير من الأحيان.

في هذا العام رُميت الغوطة الدمشقية بغاز السارين السام وراح فيها ضحايا كثيرة، ولكن العجب أن بعض الناجين من الضحايا في البقعة السليمة في دمشق، راحوا يرقصون فرحاً وطرباً وأقاموا حفلات الشواء فرحاً بنجاتهم أو شماتة بمرضى السرطان الساريني. وبعد أيام قليلة، توجّه الأشقر الأمريكي إلى صنع مسرحيّة دراميّة من نوعها الأول، كان فيها هو السوبر مان، الذي يأتي من فوق أسطح الأبنية الممشوقة ويساعد الأبرياء والمساكين، وكانت خطته تقوم على ضرب المعامل العسكرية الفارغة وهنا أيضاً يتوجّب أن نضع خطين تحت كلمة فارغة، لأن الضربة هذه لا تسمن ولا تغني من جوع، ظهر بعد الضربة الأمريكية العديد من الشامتين، أحد أفراد الشعب كتب على صفحته الشخصية (أخيراً قد اقترب محو دمشق من الخارطة).

في محنة الغوطة وحلب وقبلها العديد، كنت أشعر بالإقياء بعد كل مرة أتصفح فيها صفحات الأخبار، وبعد الضربة الأمريكية شعرت بالإقياء أيضاً، لمن يطبّلون ويهلّلون لترمب المشاكس الذي لو أراد أن ينصرنا لجاء قبل الضربة الكيماوية الموجهة على الغوطة وليس بعدها، كيف وهو ذاته من قتل أطفال منذ أسابيع عند إعداد حفلة تخرج حفظة القرآن الكريم، فعن أي ناصر نتحدث؟

النصر من عند الله وحده، كفى سخرية وتهريجاً، كفى تصفيقاً للعدو، فأمريكا إن لم تكن العدو الأول، فهي صديق العدو.. وصديق العدو بالطبع عدو آخر. أصبح العالم السوري أو ربما ينطبق القول عن العالم العربي بشكل عام أيضاً أنه أصبح كمستشفى كبيرة للغاية، تضم مئات الألاف من المصابين بالسرطان العربي الخبيث وملايين من الشامتين وآلاف من المرضى النفسيين الذين يمارسون عدائيتهم على المرضى الآخرين، يطلقون حقدهم عبر منشورات منشودة تطالب بإبادة دمشق ومن قال أن الضربة تمسّ النظام وليس الشعب فهو كاذب، كلانا نعلم جيدا ماهيّة النظام الأمريكي وردّة فعله من منطقة الشرق الأوسط.

الشعب في حالة حرب حقيقية مع بعضها البعض، فالحروب التي تشن في التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي يجب عدم الاستهانة بها مطلقاً، فالمجرم يبدأ إجرامه بكلمة ليتبعه فعل، وما أكثر أشباه المجرمين من حولنا، جميعنا مشروع مجرم إن استمر الأمر على نحو هذا الحقد والغلّ الكامن في باطننا. الشعب السعودي يشتم القطري والإماراتي يشتم المصري والمصري يشتم الأردني والأردني يشتم الفلسطيني والفلسطيني يشتم اللبناني والسوري يشتم العالم كله ووصل لمرحلة شتم السوري أيضا، فلأي مرحلة من الانحطاط قد وصلنا؟؟

وأما عن أولئك الأطباء من أنحاء الشعوب الذين يمارسون إنسانيتهم ويفكرون بمنطق بحت ويسعون لعلاج الأطراف كلها في مستشفى الحياة الخالية من التجهيزات الحديثة والتي تحتاج إلى أرطال من التخدير والتعقيم في أدمغة المرضى ومع ذلك يعملون بشتى طاقاتهم، فلهم وحدهم ترفع القبعة.

المصدر: مدونات الجزيرة الكاتب: هيا توركو
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ