السوريون في كندا
السوريون في كندا
● مقالات رأي ٢٥ سبتمبر ٢٠١٦

السوريون في كندا

في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، رحّب رئيس الوزراء الكندي جستن ترودو، مجدداً بالتعددية في بلاده واعتبرها مصدر إثراء للثقافة الكندية. ويحاول السوريون الذين يفرون إلى أميركا ويطلبون حق اللجوء السياسي هناك، متابعة طريق الرحلة إلى كندا. صديق قديم لي جاء إلى الحدود الكندية في بوفالو، وهناك تقدم بطلب اللجوء السياسي، فأدخلوه وأكرموه، ويبدو أن من عنده قرابة أو كفالة في كندا يلج إليها ويحظى بالإقامة، ليبدأ رحلة الاندماج الكبيرة في هذا البلد البعيد والبارد، لكن الآمن المستقر.

حالياً، مَن يسير في شوارع مونتريال، يسمع اللغة العربية أينما اتجه. دخلت المركز الطبي لابن سينا في شارع بوراسا في مونتريال وقابلت الطبيب «بشار الصلح» في استشارة طبية. الرجل مستقر في كندا منذ فترة طويلة. وهناك في القسم الصيدلي اجتمعت بمصري وجزائرية وعراقية وسورية.. وكلهم يرطنون بلغة الضاد التي فرقتهم في أرجاء المعمورة!

ما يجري في الوعر بحمص من تفريغ للسكان، كما في داريا بغوطة دمشق.. كله يؤشر على تحول عميق في البنية السكانية لسوريا، ولعله خير من جانب. في القرآن الكريم سورة كاملة عن سبأ اليمنية، وإشارة إلى «بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ»، لكن أمراً لا نعرفه تسبب في انهيار الحضارة التي كانت تعتمد على السد والري، فأبدلهم عن الجنتين ببقايا من أثل وخمط وشيء من سدر قليل. شخصياً مررت على المنطقة ورأيتها وقرأت سورة «سبأ»، وعندها فهمت ما جاء في القرآن الكريم حول قصة أهلها.

وحالياً، فإن ما يحدث للسوريين يذكرني بصورتين من التاريخ، الأولى قديمة من سبأ، والثانية حديثة من البلاشفة البيض.. ولعل ما يجمعهما هو ذلك التدفق الهارب من الجحيم. يتحدث القرآن عن قوم لا نعرف من هم، ولا أين عاشوا، وما الذي دفعهم للفرار، أكانت مصيبة طبيعية أم حرب أهلية؟ قال: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ». فلا نعرف صورة الموت ولا الحياة بعد ذلك.

أما الصورة الثانية للتمزق الاجتماعي فهي مصير البلاشفة البيض الذين ودعوا روسيا بغير رجعة، وبلغوا 25 مليوناً، وهو في الغالب ما سيحصل للسوريين المتناثرين في صفحة الأرض حالياً، من تركيا إلى لبنان واليونان والمجر وألمانيا والسويد وكندا، فالحرب الأهلية المدمرة في روسيا مزقت الشعب الروسي وحصل اقتتال شديد، ودفعت أوروبا كل شيء كي لا تقع روسيا في قبضة البلاشفة الحمر، وحوصر تروتسكي ولينين في مربع صغير، لكن سرعان ما هُزم البلاشفة البيض فتناثروا في أوروبا وأميركا، كما يتناثر السوريون اليوم في أقطار المعمورة.

لكن من معين المحنة تولد الأمم، كما في القرآن عن الموت ثم الانبعاث من جديد. وحالياً، وفي مونتريال ترى المحجبات من النساء المسلمات في كل ركن، بل إن ضابطة هجرة استقبلتني في مطار ترودو وهي بحجابها، والتحدي المهم أمام السوريين حالياً هو استيعاب التحول الهائل في العالم، فعليهم أن يتعلموا أساليب الحياة العصرية والنظام الصارم والدقة في العمل والدأب بدون تذمر.

في المحنة السورية صور إيجابية كثيرة رأيناها، فمقابل جثة الطفل إيلان على الساحل، رأينا السبّاحة السورية التي دخلت سباقاً دولياً في ألمانيا، وذلك السوري الذي فتح مطعم شاورما وفلافل وتحدث عنه الإعلام. السوريون مبدعون، وهذا الفزع الأكبر الذي نالهم سيكون مصدر يقظة لهم وولادة جديدة من رحم عقيم لعالم سديم.

المصدر: الاتحاد الكاتب: خالص جلبي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ