السوريون وسياسة اللجوء البريطانية
السوريون وسياسة اللجوء البريطانية
● مقالات رأي ١١ سبتمبر ٢٠١٧

السوريون وسياسة اللجوء البريطانية

ربما كان من الطبيعي أن يفكر بعض السوريين، وقد غرقوا في الكارثة، وغرق بلدهم بالخراب والدمار نتيجة سياسات نظام الأسد وحلفائه باللجوء إلى بريطانيا في عداد الدول الأوروبية التي توجه إليها النازحون، وثمة كثير من الحيثيات التي تدعم رغبة السوريين في الذهاب إلى بريطانيا، الأبرز بينها هو سهولة اللغة الإنجليزية، التي تعد الأكثر شيوعاً في التعليم السوري، وهي الأكثر انتشاراً في العالم، والثاني ما شاع من مزايا إنجليزية في مساعدة اللاجئين من سكن وطبابة، ووثيقة سفر هي بين الأفضل في الوثائق العالمية، والثالث أن بريطانيا بين الدول الأولى التي تشجع توطين الوافدين لتعديل النسبة السلبية في النمو السكاني، خصوصاً إذا كان الوافدون من الشباب.

غير أن رغبة النازحين السوريين الراغبين في اللجوء إلى بريطانيا بدت أمراً مختلفاً عن سياسة لندن في هذا المجال، إذ إنه وبالإضافة إلى التشدد البريطاني في منح تأشيرات السفر للسوريين منذ بداية حرب النظام في مارس (آذار) 2011، اتخذت إجراءات من شأنها زيادة المعيقات أمام وصول ولجوء السوريين إليها، ومنها تأخير إقامات اللاجئين، وإجبارهم على العيش في أماكن لا تتناسب مع أوضاعهم كوافدين جدد، والتضييق المادي وفي الخدمات الصحية عليهم ضمن سياسة تدفعهم إلى المغادرة إلى بلد آخر مع تقديم مساعدة مالية تشجعهم على هذه الخطوة، غير أن الأهم في هذه الإجراءات كان تقليص تدخل الإدارات الحكومية المختلفة ومنظمات المجتمع المدني في ملف الهجرة واللاجئين، وحصره بوزارة الداخلية، أي جعله «ملفاً أمنياً»، بحيث صار خارج النقاش والتدخلات من أي مستوى كان.

ورغم أهمية وفعالية هذه الخطوات لمواجهة طالبي اللجوء الذين وصلوا إلى بريطانيا بشروط معينة، فقد استفادت السلطات البريطانية من حقيقة الحماية الجغرافية كونها جزيرة، ليس لها بشكل مباشر حدود برية مع أي بلد آخر، مما أعطاها مناعة نسبية، وجعلها أكثر قدرة في عدم التعرض لموجة الهجرة واللجوء، التي اجتاحت أوروبا في عامي 2015 و2016، وكان السوريون جزءاً أساسياً فيها، وقد أضافت السلطات البريطانية إلى ما سبق إظهار مزيد من التشدد حول موضوع الهجرة في علاقاتها مع شركائها في الاتحاد الأوروبي، فأصرت على إعادة كل وافد جاء من بلد عضو في الاتحاد وبصم فيه، وذلك طبقاً لاتفاقية «شينغن» التي ميزت بريطانيا نفسها بعدم القبول بفيزتها العمومية، كما نظمت السلطات البريطانية مع فرنسا مجموعة مشتركة على الأراضي الفرنسية لمنع تسلل وافدين غير شرعيين إلى بريطانيا.

لقد أحكمت السلطات البريطانية قبضتها على ملف اللاجئين الذي لا يضم سوى آلاف السوريين، ولم تحد من مجيئهم فقط، بل تتشدد بقبول وجودهم، وتقوم بترحيل بعضهم إلى جانب ممارسة سياسة التطفيش لترحيلهم بصورة غير مباشرة، وعتمت قدر المستطاع على هذه السياسة، تجنباً لإثارة مؤيدي حقوق الإنسان وداعمي حقوق اللاجئين ومنظماتهم، التي تواطأ بعضها مع سياسات الحكومة، وقلصت فرص طرح الموضوع في الصحافة البريطانية قدر المستطاع، حتى لا تتحول قضية اللاجئين إلى قضية رأي عام.

وذهبت الحكومة البريطانية لدعم سياستها المتشددة في موضوع اللاجئين إلى خطوتين محسوبتين، لتزين تلك السياسة بأقل قدر من المسؤولية، أولاها السير على طريق دول أخرى في الانخراط ببرنامج إعادة التوطين الذي تتابعه الأمم المتحدة، وهو برنامج يشمل أعداداً محدودة، ويستغرق تنفيذه زمناً طويلاً لإتمام عمليات اللجوء، وثانيتها القيام بمشاركة دول أخرى باختيار لاجئين من تجمعات اللاجئين في دول الجوار السوري ولا سيما الأردن ولبنان، والقيام بجلبهم للإقامة في بريطانيا. وإن بدا الهدف البريطاني من الخطوتين المساعدة على معالجة قضية اللاجئين السوريين، فإنه في الجانب الأهم إعلامي ودعائي، هدفه التغطية على السياسة البريطانية العميقة في هذا المجال والموصوفة بالتشدد والسلبية.

إن مئات قصص اللاجئين السوريين في بريطانيا تروي معاناتهم وظروفهم الصعبة وغير الإنسانية، التي يعيشون في ظلها، وهناك عشرات التقارير الصحافية وجزء منها منشور في الصحافة البريطانية، التي تناولت تلك الصعوبات، والتي لا تستمر فقط، وإنما تتراكم، وتترك أثرها لدى أنصار اليمين البريطاني لممارسة مزيد من التصرفات العنصرية ضد اللاجئين والسوريين منهم، فيتم الاعتداء عليهم وعلى بيوتهم، وتوجه إليهم الاتهامات بأنهم يستولون على فرص عمل البريطانيين وعلى بيوتهم، ورغم أن ذلك لا يمثل ظاهرة واسعة الانتشار في أوساط البريطانيين، إلا أنه يفسح المجال أمام نمو هذه الممارسات، إذا استمرت سياسة الحكومة البريطانية حيال اللاجئين السوريين.

ولعله لا يحتاج إلى تأكيد قول، إن ثمة حاجة لقيام الحكومة البريطانية بمراجعة سياسات وإجراءات سياسة اللجوء حيال السوريين، وتقويمها بما ينسجم مع روح الاتفاقات الدولية وشرعة حقوق الإنسان، بل ومع مشاعر وروح الرأي العام البريطاني والقيم الإنسانية التي يتبناها ويدافع عنها، ومنها حق الإنسان في الحصول على ملجأ آمن، يوفر شروطاً إنسانية للحياة.

غير أن الأهم فيما مطلوب من الحكومة البريطانية في معالجة المشكلة، هو التقدم للمساهمة الجدية والفعالة إلى جانب القوى الإقليمية والدولية في حل القضية السورية، التي تخلق مزيداً من تهجير السوريين، نتيجة استمرار نظام الأسد وحلفائه بالحرب على السوريين، وإجبارهم على وقف الحرب وتوطيد السلام والبدء في مرحلة انتقالية تعيد بناء سوريا، وتوقف هجرة السوريين، وتتيح فرصة لعودة المهجرين وبعض اللاجئين إلى بلدهم.

المصدر: الشرق الأوسط الكاتب: فايز سارة
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ