الشباب بين مطرقة الغلاة وسندان المميعة (1)
الشباب بين مطرقة الغلاة وسندان المميعة (1)
● مقالات رأي ١٨ فبراير ٢٠١٧

الشباب بين مطرقة الغلاة وسندان المميعة (1)

تكثر في زماننا الصراعات، وتشتد المحن، وتزداد التيارات الفكرية المختلفة تضارباً وتشعباً، في خضم المجهول بل في زمن الضياع.

علت منذ عقود أصوات الغلاة في عموم البلاد، وبخاصة تلك التي تشهد ثورات أو صراعات داخلية، والدول المحيطة بها، واشتعلت الخطب على المنابر أو في وسائل التواصل تدعو وتدرس الغلو باسم الحقيقة، والطريق الوحيد لخلاص الأمة المتعبة، وتقتص لنفسها نصوصاً من القرآن والسنة -كدليل على ما تقول وتعتقد- منهم على سبيل المثال أبو محمد المقدسي (المقيم في الأردن) وأبو قتادة الفلسطيني.

البعض الآخر ذهب لأبعد من ذلك، فشرع في التدريب وتنظيم الأتباع والمريدين مثل أبو القعقاع محمود قول أغاسي من مواليد 1973، والذي انطلق عام 2001 م،  مع اشتعال الانتفاضة الفلسطينية، حيث ألهبت خطبه الحماسية نفوس رواد مسجد العلاء بحي الصاخور في حلب قبل أن يقتل بتهمة التنسيق مع المخابرات السورية.

وفي المعسكر المقابل انتبه البعض لهذا الخطر الكبير كالمسعري وحامد العلي وأبو يزن الشامي، مع جمهور علماء الشام وغيرهم، فكتبوا ووثقوا آرائهم في أحداث العراق والشام وغيرها.

لكن الكم الهائل من الإصدارات والتسجيلات والأفلام ذات الدقة العالية، والإخراج الإبداعي، التي ألقت الضوء على بطولات الشباب المنضوية في معسكر التشدد, أصمت الأسماع عن خطاب هؤلاء الكتاب، وجعلتهم في خانة الشك والعمالة, واتهموا في دينهم.

لم يستطع هؤلاء الوقوف في وجه الشارع العربي والإسلامي المتحمس، والباحث عن انتصار إسلامي في ركام الحروب الحديثة، ورغم أن الدول المسلمة تعاني من تلك الحروب وتخسر فيها مواردها وشبابها، إلا أن الإسلام يخرق كل الجدر، ويتسلل إلى قلوب الملايين في تلك الدول القوية المعادية له، في ذروة الضعف التي يعاني منها المسلمون حول العالم.

تطفو على السطح عدة دراسات غربية, وعلى رأسها دراسات رند الأمريكية التي تعود نشأتها إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتحديدا عام 1946، التي تأسست بإشراف سلاح الجو الأمريكي تحت اسم معهد راند ” RAND Institute.

وقد كتبت عن تقسيم العالم الإسلامي بداية إلى ثلاث فرق (المعتدلة والسلفية والراديكالية)، وأكدت أنه من الصعب الوقوف في وجه الإسلام والصدام معه مباشرة، فعمدت لخلق التناقض في بيته الداخلي تمهيداً للصراع.

أصدرت تلك المنظمة كتابا بعنوان “مواجهة الإرهاب الجديد” عام 1999م، وقد أعده مجموعة من الخبراء الأمريكيين،

ثم جاء تقرير راند عام 2004م بعنوان “العالم الإسلامي بعد الحـــادي عشر من سبتمبر، وقد مثل خطة محكمة لتوجيه الإدارة الأمريكية نحو التعامل مع العالم الإسلامي بذكاء وحذر.

ثم جاء تقريـــر عـــام 2005م “الإســـلام المـــدني الديمقراطي: الشركـــاء والمــــوارد والاستراتيجيات” وقد وصفت الإسلام بالحائط المنيع أمام محاولات التغيير، فقسمت فيه المسلمين إلى أربع أقسام (أصوليين وتقليديين وحداثيين وعلمانيين) ليسهل التعامل معهم فيما بعد وتوجيه الدعم وفق المعطيات والخطط المعدة لهم.

أكدت تلك الدراسات على إبادة الأصوليين عن طريق دعم معسكر التقليديين ببث التشكيك وتهم الخيانة بينهم، وعدم السماح لقيام أي تحالف بينهم، لأنهم سيشكلون معاً قوة لا تقاوم ولتدارك الأمر لابد من التحريش بينهم.

ثم ذهبت لتتكلم عن دعم الصوفية والشيعة لتشويه الإسلام، وتسلط الضوء على البدع والضلال التي يحرفون بها دينهم.

كل ذلك لإيصال رسالة للناس عامة, والمسلمين خاصة، تتحدث عن فشل الإسلاميين في حكم دولهم، وهشاشة نظرياتهم.

كما نوهت إلى دعم الصحفيين لتوثيق انتهاكاتهم وعملياتهم الإرهابية، وذلك في البحث عن جميع المعلومات بكافة الوسائل لتشويه سمعتهم، كما تسلط الضوء على نفاقهم وسوء أدبهم وقلّة إيمانهم، للتقليل من احترامهم وعدم السماح لهم بالظهور كأبطال وإنما كجبناء وقتلة ومجرمين،
فيسهل الطعن بهم ولا يسمح لأحد بالتعاطف معهم أو مساعدتهم.

وبعد هذا التقسيم تأتي مرحلة أخرى تعمل على ضرب المعسكرات ببعضها البعض، كما حدث في سوريا والعراق وليسقط الآلاف من القتلى في الحروب فيما ببينهم دون أن يخسر الغرب أي شيء.

المصدر: جريدة الأيام الكاتب: حليم العربي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ