الشباب بين مطرقة الغلاة وسندان المميعة (2).. الحرب الفكرية
الشباب بين مطرقة الغلاة وسندان المميعة (2).. الحرب الفكرية
● مقالات رأي ٢٠ فبراير ٢٠١٧

الشباب بين مطرقة الغلاة وسندان المميعة (2).. الحرب الفكرية

بعيداً عن نظريات المؤامرة التي جعلها البعض شماعة يعلق عليها كل فشله، ويربط بها كل الأحداث التي تدور من حوله، وبعيداً عن الغارقين في النوم ويصبحون على وقع الأحداث كأنها صدفة عابرة.

بعيداً عن هذه وتلك، يجلس البعض ليراقب الأحداث ويحلل الأمور، وفق مشاهداته وما جمعه من معلومات معتمدا على علمه وما قرأه عن تجارب الشعوب السابقة.

إن الحرب الفكرية من أخطر أنواع الحروب على الإطلاق، وخاصة تلك التي يُستخدم فيها الإعلام بشكل أساسي للسيطرة على الأمم، ويدفعها للسير وفق المخططات المعدة لها دون أن تجد مخرجا ينقذها.


دور الإعلام في السيطرة على العقول


تطورت الحروب اليوم واختلفت عما كانت عليه سابقاً أبان الحروب الصليبية، والفتوحات الإسلامية، ولا تشبه حتى الحروب العالمية الأخيرة في إخضاع أمة لأخرى، واقتيادها بقوة السلاح، لأن ضريبة الحروب التقليدية باهظة جداً، وغالبا ما ستخلق لدى الدول المعتدى عليها روح المقاومة، وتقود الجموعَ الغاضبةَ شخصيات قد تتحول لرموز في زمن قياسي، سرعان ما ستلتف حولها العوام لتقود على أرضها وبين أهلها هجمات عنيفة ضد المعتدي، وستكلف الدولَ الغازيةَ ضريبة كبيرة من السلاح والأرواح.

لذلك تعمد الأمم المتقدمة للغزو الفكري الحديث! لبلوغ مرادها والسيطرة على الأمم وسرقة مواردها.

فقد وقعت المنطقة العربية والشرق الأوسط في تلك المصيدة منذ زمن بعيد، عندما استسلمت للإعلام، وهي تحصد النتائج في هذا اليوم، ولا سيما أن أجيالها تتوارث الخلافات الدينية والعرقية في المنطقة الواحدة فتفككها، لأن مهمة تحويل ديانتها أو تغيير عرقها أصعب بكثير، وهذا ما بينته شاريل بينارد المشرفة على أبحاث: (الإسلام الديمقراطي المدني: الشركاء والمصادر والاستراتيجيات)،

فتقول: “إنَّ تحويل ديانة عَالَم بكامله ليس بالأمر السهل، إذا كانت عملية بناء أمّة مهمّة خطيرة، فإنَّ بناء الدِّين مسألة أكثر خطورة وتعقيداً منها”.

فركزت الأبحاث في المنطقة على تعزيز أسباب الخلاف وربطها بالدين أو الإثنية لتكون البيئة المناسبة للحروب الأهلية والطائفية القادمة.
فبعد ظهور الوهابية سابقاً كما أشارت تلك التقارير وعرفتها بأنَّه: ” نموذج متطرف ومتزمِّت وعدواني من الإسلام المتشدِّد، تأسس في القرن الثامن عشر الميلادي، وقد تبناه آل سعود دون غيره من أشكال الإسلام، مثل الإسلام الصوفي والإسلام الشيعي، والإسلام المعتدل بشكل عام، باعتبارها جميعها انحرافات غير صحيحة عن الدين الحقيقي “.

تأسس في الجهة الثانية نماذج أخرى، فانتشرت الصوفية في بلدان كالشام ومصر، ومن ثم الشيعة في العراق وإيران بعد قيادة الخميني ثورته هناك.
وجهت الدراسات في تلك التقارير لدعم ونشر فتاوى الحنفية لتقف بوجه الحنبلية المصدر المعتمد للفتاوى الوهابية، و التي بنت القاعدة عليها أفكارها.
برز الدعم واضحاً في الوسائل المسموعة والمرئية بالإضافة للمكتبات، فترى عشرات القنوات الفضائية, التي تبث فتاوى الشيعة المنحرفة على المشاهدين رغم العداء الظاهر وتهديدها المباشر لدول تبث تلك الأقمار وتملك تلك القنوات.

بالإضافة إلى التشديد على دعم الفئة المنفتحة من هؤلاء التقليديين ليسهل ضرب ومقاومة الفئات الأخرى، وبالتالي ستبدأ معارك طاحنة بين تلك النمازج كما يحدث الآن في سوريا والعراق وباقي البلاد.

لكن الأخطر بعد هذا التقسيم ما ورد في تقارير أخرى كالذي قدمته مؤسسة راند بعنوان “بناء شبكات مسلمة معتدلة”، الصادر عام 2007م، وكان يهدف إلى رسم خطة متكاملة لتعتمده السياسة الأمريكية في العالم أجمع، وخاصة منطقة الشرق الأوسط، والجديد أو الخطير فيه أنه يضع جميع تلك الحركات الإسلامية المتناقضة المتضاربة في وجه الغرب، ويتخلى عن فكرته السابقة بدعم المعتدلين في وجه المتطرفين، بل تحولهم لعدو واحد ضد العالم الغربي،

لتنتقل طبيعة المواجهة الفكرية من مواجهة بين الإسلام والغرب، لتصبح مواجهة من نوع آخر بين العالم الغربي من ناحية والعالم المسلم من ناحية أخرى، كما حدث في الحرب الباردة التي كانت بين معسكرين شرقي وغربي.

يسلط هذا التقرير الضوء على الصراع الفكري، ويعطيه من الأهمية ما يعطى للصراع العسكري أو الأمني، ويدعو للاستفادة من تجربة الصراعات الفكرية السابقة مع التيار الشيوعي خلال فترة الحرب الباردة، ويستنسخ تلك التجربة ويبحث عن أسباب نجاحها لتستخدم تلك الوسائل والأدوات والخطط والبرامج في إدارة الصراع مع التيار الإسلامي.

من المتوقع أن تعطي تلك المقدمات نتائجها قريبا في الحرب الدائرة بعد ثورات الربيع العربي، ومهما كانت النتائج في حال انتصار أحد الأطراف, أو تم تقسيم المنطقة كما يخطط لها، فالحرب ستسحق جيل الشباب قتلاً وتشريداً وضياعاً, وستحولهم من رواد البناء إلى معاول هدم لا أكثر في الصراع الأبدي الذي بدأ في بلادهم.

المصدر: الأيام الكاتب: حليم العربي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ