العين تواجه مخرز… والغوطة انتصرت
العين تواجه مخرز… والغوطة انتصرت
● مقالات رأي ١٤ يناير ٢٠١٨

العين تواجه مخرز… والغوطة انتصرت

شكلت معركة "بأنهم ظُلموا„ التي شنتها حركة أحرار الشام وفصائل أخرى على إدارة المركبات في الغوطة الشرقية، تحولاً مفصلياً في تاريخ معارك الثوار في دمشق وريفها، ليس في حجم ردة فعل الإحتلال الروسي وتدميره للبنى التحتية واستهدافه للمراكز الحيوية، ولا في أعداد الشهداء والمصابين في صفوف المدنيين، والتي لم يتوقف حصرها حتى كتابة هذه السطور، بل فيما يتعلق بالآثار الكارثية والهزيمة التي مُنيت بها قوات الأسد، وتأثيراتها العسكرية على مؤتمر سوتشي المزمع عقده نهاية الشهر الجاري.

ففي الوقت الذي غلب على التغطية الإعلامية للحرب المعلنة على الغوطة الشرقية، آثار القصف والدمار والإبادة الجماعية والمجازر بحق عائلات بأكملها، فإن النصف الممتلئ الآخر من كأس المواجهة الدائر على أطراف الغوطة، يتمثل في مشاهد التراجع واستسلام قوات الأسد، أمام توسع رقعة "بقعة الزيت„ التي أعلنت عنها حركة أحرار الشام ضمن معركة "بأنهم ظُلموا„.

حسم ثوار الغوطة النصر العسكري قبل أن تضع الحرب أوزارها، بصمودهم طيلة مئتي يوم، وتحريرهم لمواقع إستراتيجية قرب العاصمة دمشق، وسيلحق هذا النصر انتصاراً سياسياً أظنهُ مطلع مارس القادم، ولا شك بأن الثورة في الغوطة انتصرت إعلامياً أيضاً، فقد خاض ثوارنا الأبطال معركة في عالم القيم والأخلاق على خلاف العدو المجرم الذي استخدم مختلف أنواع الأسلحة المحرمة دولياً والغازات السامة ضد الأبرياء.

نعم انتصرنا إعلامياً لأن الرواية والصورة والخبر والتحليل الإعلامي للشعب السوري كان أقوى وأبلغ من نظيره، وأزعمُ أن رجال الإعلام بكل المواقع شكلوا النظر الذي يستقي منه الإعلام العالمي كل ما يدور على هذه البقعة الجغرافية العظيمة الصامدة، حتى إعلام العدو نفسه كان يأخذ أخباره من إعلامنا الثائر.

من هذا المنطلق أتقدم بجزيل الشكر لجموع الإعلاميين الذين يدؤبون طيلة العدوان على الغوطة لإظهار الحقيقة، وأخصّ منهم الشهداء والجرحى الإعلاميين.

شكلت الحرب إستراتيجيةً في بناء الوعي وإعلاء كلمة الحق، وإعادة رسم الخارطة السياسية، وإسقاطاً لما كان يخطط له الروس في هذه المعركة، سقط مخطط المؤامرة على الشعب السوري المحاصر على وقع "الصمود البطولي" والانتصار المؤزر على أبواب العاصمة.

أبهرنا العالم بكل المستويات، رغم الحصار والإمكانيات المتواضعة انتصرنا بصمود الشعب العظيم المحاصر، انتصرنا على المستوى الإعلامي والسياسي والعسكري، هذا الشعب بمختلف نشاطاته الثورية هو كلمة السر في هذا النصر، لأن ثوارنا في خنادقهم وساحات المواجهة وعلى طاولة المفاوضات يستمدون صمودهم من هذا الشعب الأبيّ المرابط، ونفسهم من نَفَسِ الشعب.

يستغرب الكثيرون مني كيف أقول أننا انتصرنا بينما المعارك لم تحسم بعد، وبينما الطائرات والصواريخ تستهدف النساء والأطفال ليل نهار، نعم انتصرنا بصمودنا في وجه آلة القتل، وخسر العدو بفشله في تحقيق أهدافه من الحرب على غوطة الصمود وثأره من المجاهدين عبر قتل المدنيين والعزل بشكل ينم عن عقلية تعشق القتل وسفك الدماء وتتلذذ بأشلاء المدنيين.

فكيف لا نقول انتصرنا وكل ما جناه العدو من تلك الحرب هو تشويه صورته أمام الرأي العام العالمي وعدم مقدرته على تحقيق أي هدف من الأهداف التي أعلنها من حربه على الغوطة.

كيف لا نقول انتصرنا وقد تأثر الوعي العالمي إيجابياً لصالح قضيتنا بفعل الحرب التي شنها العدو على الغوطة وبدأ العالم يستفيق على أن الغوطة تعاني من الظلم والحصار وانه لا بد من فك الحصار عنها، وبدا الجميع ينظر إلى ثورتنا بنظرة غير تلك النظرة التي كانت قبل الحرب وبات الكل يدرك أن ثورتنا هي ثورة تحرر وطني لا تسعى للقتل لمجرد القتل ولا لسفك الدماء لمجرد التسلية والعبث، لكنها ثورة يقاتل أبناءها بشرف وتتقن فن الثورة من أجل أهداف معلومة وواضحة وهي تحرير الأرض والإنسان.

أكثر من 200 يوماً والعدو يواصل قصف وضرب الغوطة براً وجواً سعى خلالها بكافة الطرق للسيطرة على مناطق في غرب الغوطة لكنه عجز عن ذلك، ليبدأ بعد ذلك رحلة جديدة من الحديث عن إنهاء الحرب ووقف العمليات ليبدأ المحللون بعدها بتناول هذا الأمر بالشرح المستفيض ليجمع كل الساسة والخبراء بعد ذلك على أن صمود الثوار في الغوطة هو احد أهم أسباب قرار روسيا والطلب من تركيا (كونها الضامن عن الجيش السوري الحر) وقف العمليات العسكرية الروسية والإيرانية على الغوطة.

نعم انتصر الدم والإرادة على السيف، لمجرد المقارنة بين حال الغوطة وثوارها وبين العدو وجيشه هذا بحد ذاته نقطة تحسب لصالح شعبنا، فكيف لا نعتبر ذلك أمرا يحسب لصالحنا ونحن نقاتل بوسائل بدائية من صنع يدوي بعتاد بالكاد يستطيع الصمود في وجه أقوى دبابات في العالم فضلا عن عدم المقدرة على مجابهة الطيران بكافة أشكاله.

استهلك العدو أكثر من نصف مخزونه من الذخيرة المخصصة لسلاح الجو فضلا عن استخدام أسلحة محرمة دوليا صبت حممها على رؤوس المواطنين في الغوطة في محاولة منه لتحقيق الغايات التي وضعها من اجل تلك الحرب.

تتبع قوات الأسد نظرية "الأرض المحروقة„ في مواجهة ثوار الغوطة الشرقية، بالرغم من عدم تكافؤ القوى بين الأطراف، إلا أن ثوار الغوطة أثبتوا دهاء عسكري قل نظيره، فعلى الرغم من تدمير البنى التحتية نجح الثوار في المعارك الدفاعية والهجومية.

أبدى ثوار الغوطة الشرقية كفاءة قتالية لم تتأثر بالضغط العسكري وتميزت بالإدارة والصلابة والصمود.

إن الأداء الذي نراه في هذه المعركة كان ممتازاً، حيث أظهر الثوار كفاءة قتالية، وإعداداً جيداً وإدارة حسنة وموقفاً صلباً وصمود أسطوري أمام تفوق العدو بسلاحه وترسانته العسكرية.

ظهر الأداء الممتاز للثوار من خلال أن الضربات الجوية لم تستطع إيقاف تقدمهم، ولم تقض على قادة المعركة ولم تستطع وقف إطلاق الصواريخ من الغوطة باتجاه مواقع العدو وثكناته، كما أنها لم تستطع تدمير البنية العسكرية للثوار، وهذا مؤشر على أن قادة المعركة أعدو نفسهم إعداداً ممتازاً، وأتقنوا بالإضافة لقيادة المعركة قيادة المجتمع المدني سياسياً وعسكرياً مايدل على تلاحم وتعاضد كبير في الغوطة رغم الحصار والضغط العسكري الكبير في عدة جبهات.

من ناحية أخرى... لم يستطع كل العمل العسكري للعدو، لا عن طريق الطيران ولا الصواريخ ولا كل مرابض المدفعية ولا التقنيات ووسائل التنصت والمراقبة والاستطلاع وقف إطلاق الصواريخ والهاون من الغوطة باتجاه مواقع العدو وثكناته المحيطة بالغوطة.

وهذا مؤشر على كفاءة الثوار وأدائهم الممتاز، وإعدادهم آلية إطلاق صواريخ من خلال كيفية تخزينها ونقلها وإعدادها وإطلاقها دون أن يستطيع العدو النيل من كل ذلك، لا تدميراً لمخازنها ولا اكتشافاً لأماكن إطلاقها، وهذا ما يجعل العدو أكثر تشتتاً بعدم معرفة مكان انطلاق الصواريخ التي أرقت ضباطه وجنرالاته.

كل هذا القصف والغارات الجوية والكم الهائل جداً من الصواريخ والقذائف والحمم، مع ذلك لم تتجاوز خسائر الثوار بضع عشرات، وهذا مؤشر على أن هناك الآلاف من المقاتلين من مختلف مدن وبلدات الغوطة حملوا السلاح وانتشروا في أماكنهم ومواقعهم العسكرية والدفاعية تأهباً لأي هجوم مباغت، فكل مجموعة من الشباب لها مركز قيادة ضمن فصائل الغوطة الثلاث، تدرك جيداً ماهو المحور الذي ستقاتل عليه وكيف ستدافع

الكاتب: أسامة المصري
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ