الفرصة الأخيرة لسلام سورية؟
الفرصة الأخيرة لسلام سورية؟
● مقالات رأي ١٨ سبتمبر ٢٠١٦

الفرصة الأخيرة لسلام سورية؟

على رغم أن الاتفاق الأميركي - الروسي المتواضع في شأن التهدئة في سورية جاء متأخراً كثيراً لخمس سنوات ونيف، فإن الواقعية تقتضي القول إنه من الأفضل أن يأتي متأخراً من ألا يأتي أبداً. فالبديل سيكون كارثياً ويزيد من الدمار ويؤدي إلى مزيد من القتال والدم والتشريد والمآسي والقضاء على سورية التي أحببناها وعرفناها واحة أمن وأمان وموئلاً للحضارات ورمزاً للتعايش والمحبة على امتداد عصور التاريخ.

ويعترف عرابو الاتفاق بأنه لم يكن بالإمكان (إمكانهم بالطبع) أفضل مما كان، بكل أسف علينا وعلى القوتين «العظميين» اللتين تعترفان بالفشل وتتفرجان على أكبر جرائم التاريخ وأكثرها وحشية ودموية وتتشاركان في تعميق المأساة، ثم تتحدثان عن «الفرصة الأخيرة» مع أننا نعرف أنهما تستطيعان بقرار حاسم واحد وقف الحرب وفرض السلام بالقوة إذا توافرت لديهما النيات الحسنة والإرادة الصادقة.

أما التهديد بفزاعة الفرصة الأخيرة، فلا يُفهم إلا بمعناه الحقيقي، وهو أن روسيا وأميركا ستنفضان أياديهما من الحل في أي لحظة والاتجاه إلى كتابة فصل آخر من فصول المؤامرة الخبيثة على حساب دماء الأبرياء السوريين المجنى عليهم الذين دفعوا أثماناً باهظة بسببها.

ومن يتابع دقائق الأمور يصدم بالصراحة المطلقة، إن لم نقل الوقحة، في الحديث عن صفقات تحت الطاولة ومحادثات حول قضايا وخلافات ثنائية، مثل وضع القرم وأزمة أوكرانيا ومصالح في النفط والغاز وتقاسم المنافع، حتى أن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أكد بصراحة أن روسيا ترفض الهيمنة الأميركية في النظام العالمي، وأنه كلما أسرع الجانب الأميركي في إدراك هذه الحقيقة وبدأ تغيير موقفه، أمكن تسوية الخلافات بين الدولتين في شأن ملفات مختلفة ومنها النزاع السوري.

نعم هذا ما قاله بالحرف الواحد، أي أن دماء السوريين النازفة لا اعتبار لها في الصفقات المطلوبة، وأن مصير سورية أخذ رهينة لتحقيق المآرب وترتيب أمور النظام العالمي الجديد وتأمين المصالح والمطامع التي اكتمل جزء منها بإقامة القواعد العسكرية الأميركية والروسية داخل الأراضي السورية وتقاسم النفوذ في شكل سافر.

ونظرة سريعة على الاتفاق الأميركي - الروسي تسجل ملاحظات وتساؤلات وشكوك عدة حول الغموض والسرية والجداول الزمنية منها:

- إن التفاؤل المفرط غير وارد بسبب الألغام الكثيرة المزروعة وغموض الصيغة، فالاتفاق ما هو إلا هدنة محدودة وهشة تتضمن استثناءات وتعقيدات قد تفجر الوضع برمته، ما يدعو إلى التساؤل عن أسباب عدم التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار ووضع صيغة واضحة لمواجهة أي خرق.

- إن موضوع استثناء «جبهة النصرة» التي تراجعت عن مبايعتها لتنظيم «القاعدة» وغيرت اسمها إلى «جبهة فتح الشام» سيؤدي إلى تعقيدات ومشاكل قد تنسف الاتفاق كله، إضافة إلى علامات استفهام كثيرة، مثل التداخل في الجبهات وانتشار مسلحيها من الحدود اللبنانية إلى الحدود الأردنية والتركية. كما أن إعلان «حركة أحرار الشام» بعدم الالتزام بالاتفاق يدق مسماراً في نعشه على رغم أن المراقبين يعتبرون أن الرفض مجرد موقف مبدئي ولا يتوقعون أن تعمد الحركة إلى خرق الهدنة لأنها ستتعرض للتصفية، إلا إذا اضطرت للرد على هجوم مؤكد.

- الشكوك المطروحة تشمل الأطراف كلها، بدءاً من العرابين اللذين يعترفان بالاختلافات والخلافات، وصولاً إلى المتحاربين، فالنظام السوري يخشى أن تستغل الفصائل العسكرية الفرصة لتعيد تنظيم صفوفها وتعزيز قدراتها التسليحية، فيما تعبر الفصائل عن مخاوف من أن تضرب الواحدة بعد الأخرى بعد تصفية التنظيمين الرافضين، ما يؤكد غياب الثقة بين الطرفين وهي أهم عوامل نجاح أي تسوية.

- كما أن هناك تفسيراً يختلف بين فريق وآخر بالنسبة إلى توصيف الخرق وأسلوب الرد عليه، ومن هي الجهة الحيادية التي يؤخذ برأيها عند مراقبة التنفيذ وما هو دورها وتحديد أماكن وجودها وضمانات أمن أفرادها بعد ملاحظة تهميش دور الأمم المتحدة واستبعادها من الاتفاق وحصر دورها في إيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة.

- لم يرد في الاتفاق أي حديث عن الضمانات الأميركية والروسية والوضوح في شأن مواجهة الجهة التي تخرق الهدنة، وإن كانت من القوى النظامية والميليشيات المتحالفة معها أو من الفصائل المتعددة، بعد إعلان تأسيس مركز عسكري مشترك للمراقبة والمتابعة وتبادل الآراء والمواقف، ومن ثم العمل معاً لتنفيذ خطة مرسومة في حال صمود الهدنة سبعة أيام والقيام بعمليات ضد «الإرهابيين» من دون تحديد هوياتهم وأماكن تواجدهم وما إذا كانت ستطاول مراكز «داعش» في الرقة وغيرها أو لتشمل أيضاً الفصائل الأخرى، ما يعني أن القصف سيطاول مناطق شاسعة من سورية.

وقد أثار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إشكالات ومخاوف من نسف الاتفاق عند وقوع أي هزة، ما يؤكد وجود بعض الخلافات حول توسيع نطاق الحرب مع فضح وجود بنود سرية تريد موسكو نشرها، لكن واشنطن لا تزال تفضل بقاءها سرية، إذ أن روسيا تريد توسيع نطاق الحرب لتشمل الجولان بزعم وجود منظمات إرهابية فيه. وجاء هذا الطلب متزامناً مع التصعيد العسكري على الجبهة بين سورية وإسرائيل.

يدل هذا كله على أن الاتفاق ثنائي يقصي الأطراف الأخرى جميعاً من لعب أي دور فيه أي أن الحل والربط سيكون بأيدي موسكو وواشنطن، وما على الأطراف المتحاربة إلا الالتزام. وهذا ما تأكد بإعلان التزام أطراف رئيسة مثل الحكومة السورية وإيران اللاعبة مع ميليشياتها والمتضررة الأولى في حال نجاح العملية لأنها استبعدت من دوائر القرار وسط أنباء عن استيائها، ما دعا روسيا إلى إعلان أن لا خلاف مع إيران على التفاصيل.

أما تركيا، فنالت حصتها سلفاً بإعادة الأكراد إلى شرق الفرات وإحباط آمالهم بإقامة كيان مستقل. كما اكتملت هذه الحصة بالسماح لتركيا بدخول الأراضي السورية والسيطرة على مناطق شاسعة بحجم لبنان لمنع قيام الكيان الكردي على حدودها تمهيداً لإقامة منطقة آمنة في حال رفض إقامة منطقة حظر جوي.

هذه الوقائع لا تعني نهاية الأمر، ففي يد كل فريق صواعق تفجير كثيرة لإثبات وجوده. وحتى الفصائل المسلحة التي وافقت على الهدنة يمكن أن يحدث من داخلها خروج عن الخط أو دخول طرف ثالث عليه وتحميلها المسؤولية وخلط الأوراق، ما يعني أن هذه الهدنة ستبقى هشة ومعرضة للاهتزاز في أي لحظة. ولكن بانتظار الخطوات التالية، والتي ستركز في البداية على إيصال المساعدات الغذائية إلى المناطق المحاصرة، يبدأ الحديث عن المستقبل لإفساح المجال أمام المواطنين للتنفس من عناء سنوات القصف والدمار والعنف، وهي تعد الإيجابية الوحيدة المعلنة.

باختصار شديد، يمكن القول إن هذا الاتفاق، على رغم أنه مجزأ وهامشي ولا يلامس واقع الحال، فإنه يُعد أهون الشرين للبناء عليه إذا توافرت النيات الحسنة من أجل الانتقال إلى المرحلة الثانية الصعبة، وهي شكل الحل السياسي والمرحلة الانتقالية وإعادة تأهيل اللاجئين وإعادة الإعمار التي ستنتظر طويلاً ليصل دورها في البحث عن مصادر التمويل.

وسط كل هذه الشكوك ومع كل هذه التساؤلات، نضع أيدينا على قلوبنا خوفاً على سورية الوطن والمواطن، ومن أجل كل عربي حر يعرف قيمة سورية ودورها عبر التاريخ. وندعو الله أن تأتي الخواتيم كما يشتهي الشعب السوري الأبي والعزيز ويغلق هذا الملف الأسود. إنها بداية النهاية مع الأمل بأن تتسارع الخطوات وتتكثف الجهود بعد المضي في الخطوة الأولى من طريق الألف ميل.

صلوا معنا من أجل السلام، ومن أجل الأطفال والأبرياء. من أجل التاريخ والجغرافيا وكنوز حضارات العالم. من أجل القلب العربي النابض في الشام. من أجل وحدة البلاد المهددة بالتقسيم في حال فشل الحلول. صلوا معنا لتتحول هذه الفرصة إلى شعلة أمل ويصبح الحلم حقيقة، لا أن تكون آخر فرصة للسلام ومن بعدها الشر المستطير والمصير المظلم والانتحار الإجرامي وتدمير ما تبقى من حجر ومن بقي من بشر، لا قدر الله.

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: عرفان نظام الدين
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ