الكيماوي وخطوط أوباما القوس قزحية
الكيماوي وخطوط أوباما القوس قزحية
● مقالات رأي ٢٢ أغسطس ٢٠٢٠

الكيماوي وخطوط أوباما القوس قزحية

 

 

كثيرون منّا كان يستغرب تصريحات الإدارة الأمريكية المتكررة بأن " استخدام السلاح الكيميائي" من قبل النظام السوري ضدّ الشعب يعتبر خطاً أحمر لا يمكن السكوت عليه ..

ـ وجه الاستغراب انطلق من الحيرة في تفسير الموقف من استخدام أسباب الموت الجماعي، وماذا تختلف إن كانت بالبراميل المتفجرة، او بالصواريخ الضخمة، او بالقنابل العنقودية، أم بغاز السارين والأعصاب ؟؟؟.. وقد اعتاد المواطن السوري مجازر يومية بالمئات من المواطنين، ولعلّ عداداتهم كانت تسجلها كأرقام دون وجود أي ردّ فعل يتناسب مع كونها جرائم جماعية يعاقب عليها القانون الدولي باعتبارها نوعاً من الإبادة الجماعية..

ـ يوم 21 آب 2013 فعلها نظام الأسد ىالمجرم باستخدام غاز السارين والأعصاب في منطقتي الغوطة الشرقية وخاصة الغربية منها، وذهب ضحيتها نحو 1400 جلّهم من الأطفال والنساء، كان منظر الأطفال بهيئتهم المريعة وقد فارقوا الحياة فجأة اختناقاً يقشعر الأبدان ويحرك الحجر والبشر، فتحمّست الإدارة الأمريكية وبدأت قرع طبول الحرب عقاباً لذلك المجرم الذي اخترق كافة الخطوط الحمراء، وهبّت دول أوربية وغيرها تعلن استعدادها للمشاركة بمعاقبة النظام على ما فعل ضمن حملة عسكرية بدت استعدادات تنفيذها قاب قوسين وأدنى، وتحرّك اساطيل، وتصريحات نارية، واجتماعات لحلف الأطلسي، وتسابق محموم للبدء في حملة تأديب النظام المجرم ...

ـ لعل السخرية السوداء كمنت في خلاف السوريين ـ المحسوبين على الثورة ـ حول مؤيد لضربة حاسمة لا بدّ منها، وفريق آخر ارتفعت حرارته الوطنية درجة الخلط بين النظام والوطن، واعتبار الضربة فعلاً عدوانياً يستهدف سورية الوطن، وحدثت انقسامات وشدّ شعر، وكنت ممن يدعون للتمهل والتبصّر قبل اتخاذ أي موقف حاد، بانتظار معرفة حقيقة نوايا الإدارة الأمريكية، وهل ستقوم بعمل شامل، مثلاً، يؤدي إلى إسقاط النظام؟، أم ستكتفي بضربة تأديبية أشبه بفرك أذن ولد أذنب، أو عاق ؟...

ـ الرئيس الفرنسي هولاند كان من المتحمسين لمعاقبة النظام السوري على ما فعل، ودعا مجلس الدفاع الأعلى لاتخاذ قرار المشاركة بالحرب، لكن، وقبل بضع ساعات من موعد الاجتماع كانت المفاجأة الأوباماوية المدّويّة، حين توقف الصراخ بالحرب، وتوقفت الطبول عن القرع لتبدأ ما عرف بالمفاوضات الأمريكية ـ الروسية حول السلاح الكيميائي لدى النظام بغية مصادرته وتدميره، والقيام بعمليات مراقبة دولية لمنع إنتاج الجديد منه.

كثيرون اعتبروا أن تدمير السلاح الكيماوي السوري مطلب إسرائيلي بامتياز، وسبق لوفود المعارضة أثناء لقاءاتها مع عديد الوزراء والمسؤولين الغربيين أن طرحوا بإلحاح سؤالهم عن الموقف من مستقبل ومصير السلاح الكيميائي الذي يمتلكه النظام وكأنه حالة راهن، وفورية مطروحة على المعارضة ويجب أن يعطوا الجواب الشافي الذي يريديونه، أي الموفقة على تدميره في حالة سقوط النظام المجرم.

لكن الاتفاق الأمريكي ـ الروسي لم يقتصر على هذا الجانب فقط، فكثير المؤشرات، ثم الوقائع اللاحقة أبانت أنه كان شاملاً، وقد يتجاوز سورية إلى المنطقة وبعد مناطق العالم المختلف على مواقع النفوذ فيها.

ـما يهم هنا، وما ظهر جلياً أن الإدارة الأمريكية التي لم تتخذ يوماً قراراً حاسماً بشأن الوضع السوري، وباتجاه دعم مطالب الشعب في الحرية والكرامة والعدالة وإقامة النظام الديمقراطي البديل لنظام الطغمة والفساد والفئوية، وكأنها أرادت التملّص من واجباتها الدولية بأن أطلقت العنان لروسيا لوضع اليد على " الملف السوري"، وتوجيه ضربات مؤذية للمعارضة بشقيها السياسي والعسكري، وبرز ذلك جلياً في بياني فيينا 1و 2 الذي قام بدحرجة خبيثة لبيان جنيف 1، وأساسه تشكيل هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، والبدء بالعملية السياسية وفق فترات ممرحلة، وتواصلت الدحرجة السياسية في قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي نصّ على وجوب مشاركة منصّات في وفد المعارضة للمفاوضات حدد اثنتين منها بالاسم : منصتي القاهرة وموسكو وبما يؤدي إلى إضعاف تمثيل الائتلاف ضمن محاولة للانزياح عن الثوابت الذي ظلّ متمسكاً بها رغم مختلف الضغوط، ومنسوب التطورات السلبية .

ـ على الصعيد الميداني والعسكري ظهرت آثار الاتفاق الأمريكي ـ الروسي أكثر إيلاماً وآثاراً فاجعية حين دخلت روسيا قوة احتلالية مدججة بأحدث الأسلحة المتطورة، واستخدام سياسة الأرض المحروقة التي دمّرت البنى التحتية جميعها، واستهدفت الحواضن الشعبية التي سدّت جميع الأبواب أمامها لممارسة ضغط على الفصائل بحثاً عن الحياة المهددة بجحيم القصف الروسي، وعمليات النزوح والهجرة ..

ـ لم يقف الحال عند هذا الحد فقد تلاحقت التطورات على كل صعيد، ومن أبرزها قرارات إيقاف الدعم العسكري واللوجستي عن الفصائل المسلحة، ثم إغلاق غرفتي الموك والموم بما يعني رفع اليد عن كل دعم، وترك تلك الفصائل لمصير محتوم بدا وكأنه متوقع، وهو سلسلة الهزائم المتتالية التي كانت معارك حلب تاجها، وعودة النظام إلى عديد المناطق التي كانت محررة، وتواصل المسلسل باتفاقات أستانة وما يعرف بمناطق خفض التصعيد التي حاول الحليف التركي منع مزيد التدهور عبر مشاركته فيها، ثم عقد صفقات منفردة في الغوطتين وحمص، وصولاً إلى مصالحات الجنوب، وقضم مختلف مناطق خفض التصعيد بإعادتها إلى النظام، وتهجير آلاف السوريين إلى إدلب والشمال الغربي المحرر .

لم يتوقف نظام الإجرام عن استخدام أنواع من السلاح الكيميائي، فمارسه في اللطامنة وخان شيخون وعديد المناطق السورية تحت سمع وبصر جميع دول العالم، وهو استخدام أثبتته منظمة مراقبة الأسلحة الكيميائية التي جرّمت النظام بكونه المسؤول عن استخدام ذلك السلاح في اللطامنة ضمن تقرير تفصيلي نحاول إضافته إلى ملف جرائم الحرب والإبادة وتقديمها لمحكمة الجنايات الدولية باعتبارها جرائم لا تموت بالتقادم، ولا بدّ أن ينال العقاب من مارسها واتخذ القرار باستخدامها .

اليوم، في الذكرى السابعة لمجزرة الغوطة يؤكد الشعب السوري تصميمه على الصمود وانتزاع الحقوق، رغم التضحيات ىالباهظة، وأنه سيلاحق المجرمين القتلة لينالوا العقاب الملائم، وبالوقت نفسه فإنه يتجه لقوى الحرية وحقوق الإنسان كي تقف معه في كفاحه لانتزاع الحياة، وحقه في الحرية، وفي اختيار النظام الذي يختاره بديلاً لنظام الجريمة والفئوية.

ستبقى صور أطفال الغوطة محفورة في الذاكرة الشعبية. وحافزاً لمزيد العمل والتوثيق لتقديم المجرمين لمحكمة العدل الدولية.. وستبقى خطوط أوباما الحمراء بعض تشكيلات قوس قزح السياسية التي تستهين بحياة وحقوق الشعوب ..

عقاب يحيى نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري

 

الكاتب: عقاب يحيى
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ