المجتمع الدولي لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم.. حي الوعر نموذجاً
المجتمع الدولي لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم.. حي الوعر نموذجاً
● مقالات رأي ١ سبتمبر ٢٠١٦

المجتمع الدولي لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم.. حي الوعر نموذجاً

منذ فجر الثورة ولغاية منتصف 2014 ظل حي الوعر الحمصي يعيش حالة نسبية من الهدوء، ولكن بسبب التهجير الذي نفذته آلة الحرب التابعة لنظام الاستبداد والإجرام وميليشياته، التي طالت غالبية مدن وقرى محافظة حمص بحقد مقيت يهدف لقمع الثورة السورية المطالبة بالحرية والعدالة والكرامة، بدأت الكثافة السكانية في الحي تتزايد حتى وصلت نحو نصف مليون نسمة، ما يعادل خمسة أضعاف عدد السكان الأصلي، يتوزعون على مساحة لا تزيد على ثلاثة كيلومترات مربعة.
الشعور السابق بالأمان، سرعان ما تبدد مع اقتراب صيف عام 2014، وبعد أن بدأ النظام ينفذ عمليات قصف على الحي بدعم من الميليشات الطائفية المقاتلة إلى جانبه، وأطلق يد عناصره ليمارسوا القمع والتضييق على السكان بالإضافة إلى عمليات الاعتقال وصولاً إلى فرض حصار كامل على الحي.
عشرات آلاف المدنيين اختاروا النزوح مجدداً، فتحت التهديد المستمر بالقصف والقتل والحصار والاعتقال، لم يكن خيار البقاء في الحي سهلاً، وبدأت حركة نزوح جديدة خارج الحي، ومع استمرار التصعيد في القصف وتشديد الحصار وصلت أعداد النازحين إلى أكثر من 300 ألف نسمة، غادروا الحي الواقع غربي مدينة حمص الذي لا يفصله عنها سوى نهر العاصي وبساتين حمص الشهيرة.
المدخل الوحيد للحي كان عبر قرية «المزرعة» التي قامت ميليشيات موالية للنظام انطلاقاً منها بتنفيذ انتهاكات شديدة بحق أهالي حي الوعر، من خلال دعم الحصار والمشاركة في التضييق ومحاولات متكررة لإذلال السكان والأهالي، وصولاً إلى جرائم الخطف وطلب الفدية مقابل إطلاق سراح المخطوفين.
ومع تشديد الحصار كان لا بد لسكان الحي من التأقلم مع الواقع الجديد والمتفاقم، والبحث عن سبل أخرى للعيش، فكانوا مثالاً للإبداع والعمل الدؤوب والجاد، وتمكنوا من النجاح في شتى المجالات، وخاصة في مجال التعليم الذي لم يتوقف يوماً، سواء فيما يخص المرحلة الابتدائية أو المتوسطة أو الثانوية، وصولاً إلى المعاهد المتوسطة، وكذلك الحرف اليدوية والزراعة التي كانت من أهم ما ساعد سكان الحي على الاستمرار بالحياة.
لم يقتصر الأمر على ذلك، فقد ظهرت مشاريع العمل المدني، سواء في مجال الحفاظ على النظافة أو أعمال الدفاع المدني أو تقديم خدمات الطبابة والإسعاف. ورغم شدة الحصار، وبدء الاحتلال الروسي باستهداف الحي بالقصف مستخدماً ذخائر محرمة منها القنابل العنقودية وقنابل النابالم الحارقة، ورغم قناصة النظام المتمركزين على المباني العالية القريبة من الحي والمطلة عليه لاستهداف المارة؛ فقد أصر عشرات الآلاف من سكان الحي على الاستمرار في الحياة والبقاء في بيوتهم وعدم المغادرة.
تدخلت الأمم المتحدة عدة مرات بعد الضغط الشديد الذي مورس عليها من داخل الحي وخارجه، لكن جميع محاولات التدخل باءت بالفشل ولم يتم إدخال سوى القليل القليل من المساعدات الإنسانية.
دور الأمم المتحدة لم يكن منحازاً لصالح الطرف الذي طاله الظلم، لم يقف إلى جانب الحق، ولم يقف الأمر عند هذا الحد. فقد فشلت المنظمة في التمسك بموقف محايد، بل كان مكتب الأمم المتحدة في دمشق يضغط على السكان من خلال موظفيه، في محاولة لتمرير هدنة تفضي في نهايتها إلى الاستسلام، حيث قام مكتب دمشق بزيارات واتصالات مع سكان الحي لإقناعهم بالموافقة على الهدنة المزعومة، ما يشير إلى شراكة في مشروع التهجير، وإلى عجز وخيبة الأمم المتحدة في معالجة الأمر وفشلها المدقع في حماية المدنيين تحت القوانين الدولية، كل ذلك دون ذكر قضايا الفساد التي بدأت تطفو وتتكشف في الآونة الأخيرة.
مهما يكن من أمر، وعلى الجانب الآخر، حاولت فصائل الجيش السوري الحر كسر الحصار المفروض على الحي أكثر من مرة، لكن تضاريس الحي المكشوفة، ووجوده قرب ثكنات عسكرية تابعة لقوات النظام أعاق تلك الجهود، وحال دون تكللها بالنجاح.
نظام الأسد ينتهج سياسة إجرامية بات العالم كله يعرفها، وهي تهدف إلى القتل والتهجير والتدمير، من أجل الاحتفاظ بالسلطة بغض النظر عن الكلفة، متوهماً أن ارتكاب المزيد من الجرائم يمكن أن يقتل إرادة الحرية لدى الشعب السوري الثائر، ومستخلصاً مما جرى مؤخراً في مدينة داريا أسوأ العبر والدروس، التي ستكون دون شك ذات عواقب وخيمة عليه، فصمود داريا طوال 4 سنوات، رغم الحصار الخانق، ورغم الوضع الاستراتيجي الصعب على المقاتلين داخل المدينة والحساس لقربه من مواقع ومراكز النظام؛ لا يمكن وصفه إلا بالصمود الأسطوري الذي كشف العديد من الحقائق والذي سيكون سبباً في تلاحم الثوار وصمودهم في سائر أنحاء سوريا. إن هلاك الظالمين قدر محتوم، ولا يمكن لجرائم النظام في سوريا ومدنها وقراها وبحق سكانها؛ أن تمر دون أن تكون سبباً في هلاك المجرمين وإسقاطهم ومحاسبتهم.
وهنا أيضاً لا بد من الإشارة إلى دور ومسؤولية وواجب المجتمع الدولي، وخاصة الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والدول الصديقة المساندة للشعب السوري، فجميعها مطالبة اليوم وأكثر من أي وقت مضى، بالقيام بما من شأنه حماية المدنيين في سوريا، والانتباه إلى سياسية النظام في قتل وتهجير أبناء سوريا، فكما جرى في مناطق عدة كان آخرها داريا، يسعى النظام للاستمرار في ممارسات التهجير القسري بأي وسيلة ممكنة، بدءاً من القصف والقتل والحصار وصولاً إلى فرض هدن محلية غير عادلة وتمثل خرقاً للقانون الدولي يتم تحت ستارها فعل التهجير والطرد، هدن تمثل في حقيقتها وصمة عار في تاريخ المنظومة الدولية والقانون الدولي كونها تسمح لنظام مارق، استخدم الأسلحة الكيميائية، والبراميل المتفجرة، والقنابل العنقودية، ضد المدنيين؛ بالاستمرار في ممارسة أفعال القتل والتدمير والتهجير القسري.
لا بد من ضمان حق السوريين في البقاء في بيوتهم من خلال وقف حملات النظام وأعوانه عليهم، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية والمواد الطبية إلى المحاصرين.
لا بد من اتخاذ خطوات عملية تمهد لحل سياسي ينهي معاناة الشعب السوري ويحقق تطلعاته. الشعب السوري يريد الحياة، الحرة الكريمة، ولن يتمكن تحالف قوى الشر كلها على وجه الأرض من كسر إرادته تلك.
إن تجدد الجرائم والانتهاكات والتهجير القسري، سيظل هاجساً لا يمكن إلا التخوف من تكراره، ما دام رد الفعل الدولي البارد مستمراً تجاه كل الخروقات، بكل ما يترتب عليه من مخاطر ليس أقلها إجهاض الجهود الدولية الرامية إلى استئناف العملية السياسية.

المصدر: القبس الكاتب: عبد الإله فهد
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ