المحنة السورية في ميزان النقد
المحنة السورية في ميزان النقد
● مقالات رأي ١٢ أبريل ٢٠١٨

المحنة السورية في ميزان النقد

يتّضح مرة أخرى، وفي سياق المحنة السورية، أن الثقافة العربية عاجزة عن وضع الأمور في نصابها. كنتُ حاضراً في الآونة الأخيرة في ثلاث حلقات تناقش المحنة السورية واكتشفت مدى التجنّي اللاحق بالذين ثاروا ضد القهر ومن أجل الحريات الأساسية والكرامة الإنسانية في أبسط تجلّياتها. فعلى فرض أن الثورة فشلت، تنهال أطنان من الكلام الذي يُحاول حاملوه أن يبيّنوا مواطن الخلل في «الثورة السورية». وهو حديث تعاظم كلّما اتّضح بطش النظام ووحشية حلفائه وغطاء المنظومة الدولية للمجازر هناك. كلّما اتضح انسداد الأفق انبرى فريق واسع من مناهضي النظام وخصومه إلى تعداد أخطاء «الثورة» وخطاياها. كأن «الثورة» هي أساس البلاء وليس النظام الوحشي وضامني جرائمه. بمعنى أن النقدية العقلانية التي ينبغي إعمالها في التعامل مع كل شيء بما فيها أداء الناس الثوريين أو الذين أردوا الخلاص من القمع اليومي، تجاوزت نقطة أرخميدس.

ربّما أن الأمر محصّلة ما يُعتبر «فشل الثورة» وانزلاق التاريخ من بين أيدي أصحاب الحق والقضية العادلة، أو بسبب خراب سورية وانزلاقها هي عن مسار التاريخ الذي كان مأمولاً له أن يتشكّل على وقع تظاهرات الجمعة وتنسيقيات الثورة! ومع هذا، لا أستطيع التحرر من الشعور بأن هناك ظلماً يقع بحقّ الناس الذين خرجوا إلى شوارع الشام شاهرين حقوقهم سلاحاً وأغانيهم لائحة اتهام للطاغية. ينسى المنتقدون في معمعان الحديث عن المحنة وتكريسها، ثلاثة أمور لا مجال لتغييبها عن أي سجال حول المِحنة السورية.

الأول، أثر أربعة عقود ونيّف من النظام الأمني القهري والوحشي في شلّ المُجتمع وتشويه بنيته العقلية والنفسية وضرب قُدرته. فالنظام الذي احتكر الدولة ومواردها وخيراتها احتكر المُجتمع واستملكه وشكّله على هواه. بمعنى أنه أجهض مسبقاً وبشكل شبه تام كل قُدرته على المقاومة. وقد فعل ذلك من خلال الإفقار والتجويع والمناورة بحصص المياه والكهرباء أساساً، أكثر مما فعله باستراتيجية الجزرة ونظام المكافآت. يعود ذلك إلى ذهنية النظام الأقلوي الذي افترض أنه يعدم الشرعية لدى أكثرية الشعب وأن لا مناص من الإخضاع.

أما الأمر الثاني الذي ينبغي أخذه بالحسبان فهو فارق القوة الذي اتّسع وصار هوّة بين الشعب الثائر وبين النظام وحلفائه من كل حدب وصوب! صحيح أن الشعب الذي ثار بدا قريباً من الانتصار في نهاية السنة الثانية وبداية الثالثة من المحنة، لكن دخول إيران وروسيا و «حزب الله» و60 ميليشيا شيعية معمعان الحرب أعطى للنظام الوحشي فائض وحشية لا تخجل به دولة عُظمى! وهو ليس فائضاً في القوة والتسلّح فقط، بل هو فائض في حرية التحرّك واستعمال أوحش الوسائل القتالية أيضاً، لا سيما السلاح الكيماوي وحرية الطيران واستخدام الصواريخ الباليستية.

أما الأمر الثالث فهو الغطاء الدولي للمجازر التي ارتكبها النظام وحلفاؤه. فبدل أن تعمل المنظومة الدولية في ردع مجرمي الحرب الروس والإيرانيين واللبنانيين وجيش النظام، شكّلت هذه المنظومة بكل مستوياتها، لا سيما مجلس الأمن الدولي، غطاء للمحنة وتبريراً مُسبقاً لوقائعها. ليس أن هذه المنظومة فشلت في تأمين مناطق حظر طيران لتأمين ممرات آمنة للمدنيين، بل إنها فشلت في مشاريع الإغاثة الإنسانية، أيضاً. فالمعونات التي كان من المفروض أن تصل المدنيين المحاصرين أو النازحين وصلت في معظمها إلى أزلام النظام ووكلائه ليُتاجروا بها ويُثروا!

صحيح أننا نستطيع اتهام فصائل معارضة كثيرة بألف خطأ وممارسة خاطئة، لكننا ينبغي ألا ننتقل بلائحة الاتهام من النظام الوحشي وحلفائه الأوحش إلى نقد المعارضين والمقاومين حتى أولئك الذين من الفصائل الإسلامية. كونهم ذوي توجهات كهذه لا يُسقط حقهم في المقاومة والمعارضة ومحاربة جيش النظام وحلفائه. مهما يكن فالنظر ينبغي أن يظلّ معلّقاً على وحشية النظام وجرائمه قبل 2011 وبعده ـ هناك مصدر العنف المدمّر وهناك أسباب المحنة السورية.

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: مرزوق الحلبي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ