المدرسة الإيرانية لفنون السياسة وصناعة الإرهاب
المدرسة الإيرانية لفنون السياسة وصناعة الإرهاب
● مقالات رأي ١٨ نوفمبر ٢٠١٦

المدرسة الإيرانية لفنون السياسة وصناعة الإرهاب

عندما يصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ممارسات وأسلوب نظام الملالي في طهران، بأنه مدرسة في فن السياسة، فهو لا يجافي الحقيقة، لأنهما من مدرسة واحدة تذكرنا بثنائيات فن المغالاة بالكوميديا أو المأساة معاً؛ كما لو كان إطلاق نار بكل الاتجاهات، فمن يموت حظه عاثر وكان يمكن أن يموت بحادث سير أو نزلة برد؛ لم يعد لهما الموت يعني شيئاً، فالكمال في فن السياسة يبرر قوافل القتلى وفاقدي الأطراف وجموع المهاجرين والمعاقين وبراميل الدموع.

إيران وروسيا تأكلان شعوبنا باستمتاع وليس لديهما مقتنيات الإحساس بالنقص، وتلك أدوات سلطتهما التي صنعت أبشع أنواع الفصل العنصري بين مفاهيم السلطة والقوة وبين حرية الشعوب وحقوق الإنسان.

في سياق انطلاق المشروع الإيراني بمرحلته العلنية، بعد إعلان خامنئي انتهاء صلاحية التقيّة وفترة المظلومية، وشعوراً من النظام الإيراني ومقلدي ولايته بالقوة، فإن الكتمان والتعتيم على أسرار تمدد صادراتهم، أمسيا صورة للضعف لم تعد تناسب إمكاناتهم؛ ولهذا اختفت من خطاباتهم لغة الدبلوماسية، خاصة بما يتوجه منها إلى العرب الذين فقدوا أو كادوا يفقدون تماماً العراق وسوريا واليمن ولبنان.

صواريخهم تنطلق مع صواريخ الأخبار الحاملة لنياتهم في تحرير المدن العربية وهم في طريقهم إلى القدس؛ بما يعني استغلال واستثمار فنهم الخاص بمزاوجة الخيال بالأسطورة، مع سلطة أفكار ومنهجية في خلطة اشتهر بها الملالي لتكييف أحزابهم ومجموعاتهم الغوغائية لاستلاب عقول الناس بالخوف من هواجس رغبتهم بحياة حرة لائقة وعذاب مستطير في آخرتهم، إذا لم يستجيبوا في دنياهم لأوامر التعصب الصادرة من مدرسة الولي الفقيه ومن يمثلها.

تصريحات مستشار وزير خارجية إيران، فعلاً مثيرة للاستغراب مع وجود قوانين واتفاقات دولية تجعل من إيران ودول مشابهة لها في سعي دائم وشغل شاغل لإحاطة كل نشاطاتها العسكرية، وما يرتبط بها، بسرية تامة وقلق من أي رائحة أخبار متسربة إلى الإعلام أو استخبارات الدول الكبرى؛ لكن ما الذي غيّر من نمط سياسة ونهج يفترض أنه يسري على الجميع لتفادي المشكلات في العلاقات وردات الفعل تجاه كل خرق لمنظومة السلام العالمي؟ ما الذي يدفع إيران للتصريح بامتلاكها خطا لإنتاج الصواريخ في سوريا والعراق وبلدان أخرى لم يتم ذكرها؟

الدول المجهولة مؤكد من بينها اليمن الذي استخدم فيه الحوثيون الصواريخ باستمرار، ومنها استهداف مكة، وأيضا يمكن أن يكون لبنان في خط إنتاج محتمل، عموماً الأمر لا يتعلق فقط بصواريخ مصنعة أصلاً في دول أخرى مثل كوريا الشمالية أو روسيا وتتم زيادة قدرتها التفجيرية وأيضاً مداها لتصل إلى أهداف بعيدة لإلحاق الأذى والتدمير الواسع، كما هو التوجه لصناعة حمام دم في حلب توفرت له كل المستلزمات بوصول حاملة الطائرات الروسية الأدميرال كوزينتسوف وسفن حربية وبوارج وطلعات تدريبية أدت إلى سقوط إحدى طائراتها في المتوسط.

من يضمن أن إيران لا تمتلك خطوط إنتاج في بعض دول أفريقيا لإدامة الصراعات في تلك القارة بمغذيات قريبة وبذات الأسلوب في سوريا والعراق واليمن، وهل تكتفي بالصواريخ أم إنها تقوم بإنتاج طائرات مسيرة دون طيار، وهو مجال تصنيع عسكري اهتمت به إيران في بداية التسعينات ومع انتهاء حربها مع العراق الذي أسقط أكثر من طائرة على أراضيه في زمن الحصار، وبهذا تكون الذخائر للأسلحة الخفيفة والمتوسطة إنتاجا أكيدا في الدول التي ذكرها التصريح.

روسيا ربما تكون شجعت إيران على الإعلان عن مصانعها الحربية خارج أراضيها، وفي ذلك رسائل لعديد من الدول، ولأنها مفتوحة وغير مغلقة فالمعنى عام يراد منه القبول بالأمر الواقع والإذعان لاستعراض القوة الروسية التي تعتبر إيران، في هذه المرحلة، حليفا إستراتيجيا مع سوريا في المنطقة بعد صفقة بـ10 مليارات دولار لتسليح إيران ووضع قاعدة همدان بتصرف القوات الروسية؛ كأن المنطق يقول وليس فلاديمير بوتين: إن أي اعتداء أو مواجهة بالضد من إيران تعتبر موقفاً معادياً من روسيا، وكذلك هو الأمر بالنسبة إلى سوريا.

كذلك رفع الحرج عن المصانع العسكرية الإيرانية خارج سياجها الجغرافي، إذا كان هناك حرج، في حالة إرسال شحنات الأسلحة إلى دول تخوض صراعات مسلحة وتحت أضواء الإعلام واستخبارات العالم المتطور.

صناعة الأسلحة الإيرانية في دول متعددة تفتح الباب على مصراعيه على حقيقة هذا النظام وتاريخه منذ مجيئه إلى الحكم في العام 1979 وبداية أقسى محن المنطقة، وكشف مستمر لسلسلة متواصلة من ألاعيب السحرة والمقامرة بمصير الشعوب، ومنها امتلاك إيران للأسلحة الكيمياوية واستخدامها أثناء الحرب الإيرانية العراقية بما فيها من خفايا وملابسات، وحجم التعاون في هذا المجال مع النظام السوري ولو على مستوى الخبرات والاستخدام ووسائل التمويه، لتمرير المشروع الذي تبناه الخميني بتصدير ثورته أولاً إلى كربلاء، لكن دماء العراقيين وتضحياتهم جميعاً وتوحدهم للذود عن وطنهم سقته السم، إلى أن حدث الاحتلال الأميركي ومن ثم الانسحاب وتسليم العراق إلى إيران.

مع تصريحات إيران بامتلاكها خطوط إنتاج عسكرية في أكثر من دولة، تسرب خبر نقلها للشحنات الحربية عن طريق “طيران ماهان” المدني، وهذا يذكرنا بمسرحية تفتيش الطائرات القادمة من إيران في مطار بغداد، وهي في رحلتها إلى سوريا للتأكد من خلو شحناتها من أي مواد تصنفها كمواد عسكرية، كان ذلك في السنوات الأولى للصراع السوري والرقابة الدولية على تصدير الأسلحة؛ العراق كان يعتمد الشفافية في تطبيق المعايير الدولية وبإشراف وزير النقل والمواصلات الذي يتولى، الآن، قيادة الحشد الشعبي الطائفي ويتسلم أوامره من المرشد خامنئي ومن مستشار رئيس وزراء العراق لقضايا الأمن قاسمي سليماني.

ومن أجل أن يكون الإعلان واضحاً وصريحاً تم تنظيم أول استعراض مباشر لمجموعات من مقاتلي الحرس الثوري الإيراني، فرع لبنان، على أنقاض مدينة القصير السورية وبمتابعة من القوات الإسرائيلية، تمهيداً للتصريح العلني باستيلاء إيران على سوريا بمساعدة المحتل الروسي، بما يشبه استيلاء إيران على العراق بمساعدة المحتل الأميركي، وكلا الاحتلالين على طريقة التعاقد مع الشركة الكبرى في الظاهر ومن الباطن يأتي دور الشركات الطفيلية وبرامجها الخبيثة التي لا يعيبها شيء مما تفعله، لأنها تعلم مسبقاً إفلاتها من العقاب في ظل وجود الشركة الراعية مالكة القوة والنفوذ.

في غياب الردع الدولي وشيطنة الثورة السورية وخلط أوراق الإرهاب، تسنى لإرهاب الميليشيات الإيرانية الطائفية، وإرهاب النظام الحاكم في سوريا وكل مصانع الدجل التي التقت مع المصالح الروسية، ووجدت لها صوتاً معطِلاً لأي قرار في مجلس الأمن لامتلاك روسيا حق التصويت بالفيتو؛ العبث بالحقائق وتمرير فنونهم السياسية الخاصة التي لا يجيدها غيرهم.

هناك عالم جديد يتكون، فيه الكثير من التحديات تقابلها استجابات حتمية لكنها تحتاج إلى السرعة بعد فراغ أنتج لنا خطوطاً لصناعة الإرهاب بكل تداعياته وصنوفه؛ لكننا دائماً بانتظار من يتجرع السم مرة ثانية وللأبد.

المصدر: صحيفة العرب الكاتب: حامد الكيلاني
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ