المرأة السورية ... فِصَامُ زمانٍ ومكان!
المرأة السورية ... فِصَامُ زمانٍ ومكان!
● مقالات رأي ٢ نوفمبر ٢٠١٧

المرأة السورية ... فِصَامُ زمانٍ ومكان!

إلّا مكابرٌ لا ينكر أنّ المرأة العربية غيّبها الواقع الثقافي عنوةً عن علمٍ أو جهالة، تارةً باسم الدين وأخرى بذريعة التقليد وأحياناً بحجة حقوق الإنسان، ما جعلها أسيرة القمقم الثقافي والاجتماعي ومنفصمةً عن واقع الزمان والمكان الذي تعيشه. والانفصام الزماني والمكاني لا يُقصَدُ به عيش المرأة في جلابيب الماضي وقضبان أقوال الفقهاء وآراء المتفلسفين فقط، بل هو عيشُ المرأة العربية في قمقم الواقع الثقافي الذي يعكسه الإعلام الغربي في مسلسلاته وأفلامه المستخدَمة كأدواتٍ يُسوّق عبرَها زمانَه ومكانَه لزمانٍ ومكانٍ آخر ينفصم عن حيّزه، ليستنسخ بواسطتها واقعاً يشابه واقَعَه، فيَفصِمُهُ ثقافياً واجتماعيّاً ويخلق هوةً وشرخاً بين واقعه الذي يعيشه والواقع الملموس خيالاً وإعلاماً، فالفُصام المكاني هو ذاته الزماني لأنّ المكان الآخر هو زمانٌ آخر حتى ولو كان المكانان في عصرٍ واحد. الواقع السابق جعل المرأة العربية تعيش خيالاً تاريخياً تارةً وخيالاً إعلامياً تارةً، أي فُصاماً زمانيّاً تارةً وفُصاماً مكانيّا تارةً أخرى، لذا نلحظ أنّ المرأة العربية المعاصرة عاشت في جلباب المرأة التاريخية زمناً وفي بنطال المرأة الغربية أزماناً، معاصرةً كافة المراحل الزمنية إلّا حاضرها، وساكنةً كلّ الأمكنة إلّا مكانها، وتقمّصت جميع الشخصيات التاريخية والهوليودية إلّا ذاتها. ما يعني باختصار حضور المرأة الغربية الحديثة والعربية القديمة بغض النظر عن إيجابية أو سلبية الحضور، إلّا المرأة العربية المعاصرة مازلت غائبة، وما دامت غائبة عن الحاضر فلن تكن في المستقبل ولا التاريخ حُكمَاً، فالحاضر قلم المستقبل والتاريخ وما سواه خربشاتٌ وأضغاثُ أحلام.

إنّ التغييب الحضاري والحالة المرضية والفُصامية الذي كابدته المرأة العربية المعاصرة غيّبها اقتصادياً وسياسيّاً وحوَّلها لثغرٍ اجتماعيّ قابل لأن يتحكَّم الساسة الدوليين بواستطته في الخيوط الاجتماعية والسياسية في المشرق العربي، ويتضح الأمر جلياً إذا ما اتُخِذَت حالة المرأة السورية الاجتماعية والسياسية بعد الحراك السوري أنموذجاً، فقد وعى المجتمع الدولي أزمتها الحضارية وشرع باسثمار أزمة المرأة السورية وإدارتها لمصالحه الخاصّة في ظلّ إصرار المجتمع السوري على تهميشها الحضاري بعلمٍ أو جهالة غير أنّ المؤدَّى واحد بكلا الحالتين، فقد فرض المجتمع الدولي سياسياً نظام الكوتا (فرض نسبة معيّنة من النساء على الكيانات السياسية) السورية المعارضة وغير المعارضة وعدم الاقتصار على نظام الانتخابات كوسيلة في اختيار الأعضاء، ما أدى بدوره لإقحام المرأة في الميدان السياسي وتمكينها قبل تأهيلها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فجعلها الواقع عرضةَ تحوّلٍ لكيان وظيفي لدى القوى الخارجية بدلَ أن تكون كياناً سياسياً مستقلاً ومؤهلاً لحمل التكليف السياسي ونتاج ولادة طبيعية عن رحم المجتمع السوري. ومادامت المرأة السورية تطالب بحضورها عن طريق الحصصية ونظام الكوتا المفروض دولياً فهذا يعكس غيابها ولو حضرت، فالنجاح الحقيقي يكون بإثبات الذات وليس بفرضها على الواقع الاجتماعي والسياسي بقوة مجتمع آخر أو سياسةٍ أخرى. والحال ذاته بالنسبة للواقع الاجتماعي، فبعد تهجير الشباب السوري وقتله وتجنيد الأحياء إجبارياً في الجيش والفصائل المسلحة وعزلهم عن العيش المدني وتحويل المجتمع الذكوري لثكنة عسكرية، خفف هذا الواقع العسكري والحراك السوري الناتج عن فشل النظام السياسي في إدارة البلاد من سيطرة الرجل في الحياة المدنية وألقى المرأة السورية في عجقة السوق الاقتصادي والاجتماعي فجأةً وجعلها تواجه أمواج تخبط السوقين قبل تأهيلها لحمل مسؤولية التكليف الاجتماعي والاقتصادي أيضاً، ومعلومٌ واقعاً أنّ التمكين قبل التأهيل كارثة وارتهان وفشل محتوم، وهذا ما اعتمدته القوى الخارجية في إدارة الأزمة الحضارية للمرأة السورية والعربية في المشرق العربي. وهكذا أصبحت المرأة السورية عرضة أن تصبح مشروعاً أشبه بالأقلية العرقية والفكرية التي يدير المجتمع الدولي بواسطتها بلاد المشرق العربي، معتمداً على تغييبهم واضطهادهم واتخاذ قراراتهم في إطار ردة الفعل واللاوعي والتخبط الناتج عن عدم تأهيلهم الاجتماعي في الحقبة السابقة. وعليه فإنّ ثورة المرأة السورية لم تكن ثورةً فكرية أو نتاج وعي ثقافي واجتماعي بل تعتبر نتاج وعيها بواقِعها المضطهَد وتغييبها المتعمَّد قبل امتلاكها أدوات النهضة، لذا فثورتها ضرورة تدافعية واجتماعية وليست خياراً فكرياً أو ثقافياً، فهي كثورات الحراك العربيّ تماماً، حيث سبق وعيُها بواقعها وعيَها الثقافي والفكري القادر على تسليحها وتمكينها في مواجهة الواقع الاجتماعي خارج إطار ردة الفعل الاجتماعية والتي لا تتناسب بالضرورة مع الفعل الاجتماعي الواقع عليها سابقاً. والمتتبع لواقع المرأة السورية والعربية المهاجرة وغير المهاجرة يعلم أنّ تغييبها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لم يعد حلّاً بل نقمةٌ وانهيارٌ وهدم مجتمعٍ بأكمله، فالحالة الهيستيرية التي تعيشها الحركة الأنثوية العربية اليوم يتحمّل مسؤوليتها الجهل الاجتماعي العربي وكيفية تعامله مع المرأة المعاصرة، وانعكست الحالة الهستيرية للمرأة السورية بشكل واضح بعد الحراك والهجرة السورية، إثر تغير طبيعية القوانين الاجتماعية والوضعية والاقتصادية الحاكمة ما غيّر بدوره مركزية اتخاذ القرار في الأسرة والمجتمع العربي والسوري على وجه الخصوص. وعليه من الضرورة الاجتماعية تغيير الأساليب التربوية الاجتماعية فيما يتعلّق بالتعاطي مع المرأة السورية والعربية بما يتناسب مع المتغيرات المستحدثة والمناخ العالمي والإعلامي الجديد، لأنّ ذلك هو السبيل الوحيد لأنقاذ المرأة السورية والعربية المعاصرة من حالة الفُصام الزماني والمكاني وإفساح المجال أمامها للحضور الثقافي والاجتماعي والاقتصادي بشكل متوازن وواعٍ، فتغييبها أصبح محالاً، وحضورها ضرورة وواقع تدافعي وليس خياراً  فكرياً أو ترفاً ثقافياً، وحضورها بوعيٍ واتزان أفضل من حضورها بشكل متخبط وغير واعٍ أو مؤهل، فالتمكين قبل التأهيل وأدٌ وكارثة وانهيار.

الكاتب: د.علاء رجب تباب
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ